للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

حمأة معاصر الزيتون

من عبء بيئي إلى مادة قابلة للتثمين

  • الصغير محمد الغربي

    صحفي علمي

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    12:42 م

  • تاريخ النشر

    10 مارس 2024

تعرف الحمأة الناتجة عن برك تبخر مياه الصرف في معاصر الزيتون بآثارها الضارة على النظم البيئية المائية والبرية. وتشير التقديرات إلى أنه يتم إنشاء ما يقرب 10 مليون متر مكعب من حمأة معاصر الزيتون في جميع أنحاء العالم سنويا. لذلك يسعى الباحثون بشكل حثيث لإيجاد طرق للحد من مخاطرها على البيئة وتثمين مكوناتها والاستفادة منها في مجالات مختلفة.

تحويلها إلى وقود حيوي أو سماد عضوي أو لاستخدامها في صنع مستحضرات التجميل
 

في دراسة مراجعة جديدة نشرت في دورية Ecotoxicology and Environmental Safety العلمية، قام باحثون من المغرب بتحليل بيانات الدراسات العلمية المنشورة سابقا حول إنتاج حمأة معاصر الزيتون وتسليط الضوء على العوامل المهمة التي تؤثر على خصائصها، وعلى طرق تثمينها الحالية والمستقبلية. واستنتجوا أن حمأة معاصر الزيتون، رغم سميتها، لديها بعض الخصائص المثيرة للاهتمام التي تجعلها مناسبة لتطوير تطبيقات في مجالات مختلفة، مثل الطاقة الحيوية والمركبات النشطة بيولوجيا ومواد البناء. 

البحث العلمي في مجال نفايات استخراج زيت الزيتون

يقول مؤلفو الدراسة إنه على الرغم من أن إنتاج زيت الزيتون يعدّ عنصرا هاما في قطاع الصناعات الزراعية في العديد من بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، فإن إدارة النفايات الناتجة عن استخراج زيت الزيتون مازالت تشكل تحديًا أمام هذه الدول التي يتركز فيها ما يقرب من 90٪ من إنتاج زيت الزيتون في العالم. ولا تزال معظم وحدات الإنتاج البدائية، السائدة خاصة في دول شمال أفريقيا، تولد ملوثات شبه سائلة تسمى مياه الصرف الصحي لمعاصر الزيتون، يقع التخلص منها غالبًا في برك التبخير بالقرب من المناطق المخصصة لزراعة أشجار الزيتون. يؤدي ترسيب المواد العضوية في مخلفات هذه السوائل، بعد فترة تخزين طويلة، إلى توليد كميات كبيرة من حمأة معاصر الزيتون تمثل 30% من إجمالي الكتلة الأولية. هذه الحمأة تحتوي على الملوثات الأكثر خطورة على البيئة  مثل العفص (tannin) والمركبات الفينولية الدهنية المعروفة بآثارها السمية الحادة على النباتات. 

قام الباحثون بتحليل محتوى 45 ورقة حول تثمين حمأة معاصر الزيتون نشرت بين عامي 1985 و2022، في مجالات مختلفة مثل الزراعة (60 بالمائة من الأوراق المنشورة) والطاقة (30 بالمائة) والبناء (5 بالمائة) وحماية المحيط (5 بالمائة). ولاحظ المؤلفون أن معظم الأوراق البحثية حول المنتجات الثانوية لزيت الزيتون، ركزت على مياه الصرف الصحي الناتجة عن عصر الزيتون، انطلاقا من افتراض أن تركيبة حمأة معاصر الزيتون يجب أن تكون مشابهة لها. لكن هذه المادة العضوية تخضع في الحقيقة إلى عدة تغيرات بمجرد إلقائها في أحواض التبخير، تختلف باختلاف الخصائص البيئية والتدخل البشري. 

 

الأوراق البحثية المنشورة حول تثمين حمأة معاصر الزيتون ومجالات التثمين والتي شملتها دراسة المراجعة 

خصائص حمأة معاصر الزيتون

تشير البيانات إلى أن كميات مياه الصرف الصحي الناتجة عن عصر الزيتون تبلغ سنويا 30 مليون متر مكعب في جميع أنحاء العالم. وهي عبارة عن مستحلب سائل أسود اللون تشكل نسبة الماء فيه ما بين 80-96%، بينما تتراوح نسبة المكونات العضوية التي يحتويها بين4 -16%. وتتميز هذه المياه بحموضتها وارتفاع تركيز الأملاح واحتوائها على مركبات من البوليفينول تشكل بين 2% و5% من كتلتها. هذه الخصائص، كما يقول المؤلفون، تجعل تطوير منهجية معالجة فعالة من حيث التكلفة لمياه الصرف الصحي أمرا معقدا للغاية.

ونظرا للكمية الكبيرة جدًا من مياه الصرف الصحي المعالجة التي تنتجها معظم المعاصر ثلاثية المراحل في دول البحر الأبيض المتوسط، يلجأ العديد من منتجي زيت الزيتون إلى تخزينها في برك التبخر. ولئن كانت هذه طريقة فعالة ومنخفضة التكلفة لجمع النفايات السائلة ومعالجتها، فإن الجانب السلبي منها يتمثل في إنتاج مادة صلبة نتيجة تبخر المياه أكثر سمية وتحتوي على ملوثات أكثر تركيزا. كما أن بناء برك التبخر لا يراعي في كثير من الأحيان المعايير الهندسية اللازمة لإدارة النفايات السائلة بشكل آمن، مما يسبب تسرب هذه الملوثات التي تلوث الأراضي القريبة والمياه الجوفية. وبحسب مؤلفي الدراسة فإن الخصائص الميكروبية لحمأة معاصر الزيتون متغيرة للغاية، وتتأثر بشكل رئيسي بالخصائص الكيميائية لـلحمأة مثل درجة الحموضة، وبالخصائص العضوية للمنطقة التي تقع فيها البركة. وقد أظهرت الأبحاث أن البكتيريا تمثل ما يقرب من 60٪ من الكائنات الحية الدقيقة يغلب عليها البكتيريا الزائفة Pseudomonas (19.6٪) وبكتيريا التخمر Zymobacter (20.3٪) العصية اللبنية Lactobacillus (15.2٪). كما كشفت أيضا أن الفطريات الزقيةAscomycota تمثل ما يقرب من 50% من مجتمع الفطريات. 

تثمين حمأة معاصر الزيتون لإنتاج الوقود الحيوي عن طريق التجفيف الشمسي والحراري

يُعدّ التجفيف بأشعة الشمس أحد أقدم التقنيات وأقلها تكلفة، وغالبًا ما يستخدم في مرحلة ما قبل معالجة الكتل الحيوية التي يصعب التعامل معها. وقد أظهرت إحدى الدراسات السابقة، أن تعريض حمأة معاصر الزيتون للتجفيف الشمسي لمدة 3 أشهر، يقلل من محتوى رطوبتها بنسبة 50% ويزيد محتوى الكربون العضوي فيها بنسبة 2.4% إلى جانب تحسين تركيز بعض العناصر المفيدة مثل إيونات الزنك والمغنيزيوم. كما تخفض تقنية التجفيف هذه من الدهون القابلة للتحلل وغير القابلة للتحلل بنسب 15% و9% على التوالي. 

وأشار مؤلفو الدراسة إلى أن الكتلة الحيوية المجففة لحمأة معاصر الزيتون جذبت مؤخرًا انتباه الباحثين كمادة واعدة يمكن تحويلها إلى طاقة (وقود حيوي سائل) عن طريق الانحلال الحراري. وتشير التقديرات إلى أن حمأة معاصر الزيتون تتمتع بقيمة حرارية عالية نسبيًا مما يتيح استخدامها لإنتاج وقود حيوي سائل عالي الجودة في ظروف الانحلال الحراري المثالية. وأثبتت إحدى الدراسات نجاح عملية إنتاج النفط الحيوي من الانحلال الحراري السريع لحمأة معاصر الزيتون. وكان المنتج عالي الجودة نسبيًا مقارنة بوقود الديزل البترولي من حيث القيمة والأس الهيدروجيني والمحتوى المائي. ومع ذلك، فإن محتوى اللزوجة والأكسجين في الزيت الحيوي الذي تم الحصول عليه كان مرتفعًا نسبيًا، وهو ما يحتاج إلى تحسين. 

وبطريقة مماثلة قام باحثون تونسيون بتجربة إنتاج وقود ديزل نظيف وغير مكلف باستخدام التحلل الحراري البطيء لـحمأة معاصر الزيتون. أظهرت النتائج التي حصلوا عليها أنه بالمقارنة مع الانحلال الحراري السريع المحفز، أظهر الانحلال الحراري البطيء بعض القيود ولكن يمكن اعتباره، كما تقول دراسة المراجعة، تقنية واعدة ونظيفة وغير مكلفة لإنتاج النفط الحيوي.

تثمين حمأة معاصر الزيتون كسماد عن طريق المعالجة الهوائية

تتضمن المعالجة الهوائية بشكل أساسي استخدام الكائنات الحية الدقيقة لإزالة أجزاء الفينول والدهون الموجودة في حمأة معاصر الزيتون أو التقليل منها. وأفضل مثال على ذلك هو التسميد، الذي هو عبارة عن تقنية صديقة للبيئة ومنخفضة التكلفة تستخدم تقليديا لتحويل النفايات العضوية إلى أسمدة عضوية. وقد أظهرت العديد من التحقيقات البحثية أنها ناجعة لمعالجة حمأة معاصر الزيتون. وقد أوضحت إحدى الدراسات أن تحويل حمأة معاصر الزيتون إلى سماد في ظروف مناسبة يسمح بإزالة أكثر من 90٪ من المركبات الدهنية والفينولية في 120 يومًا فقط. واقترحت دراسات أخرى تحسين سماد حمأة معاصر الزيتون من خلال إضافة مكونات عضوية محددة مثل القهوة المستهلكة وروث الدواجن، أو عن طريق التلقيح الميكروبي (microbial inoculation). وقد أظهرت نتائج ورقة بحثية أن هذه العملية تمكن من إزالة 56% فقط من الفينولات في السماد غير الملقح مقابل 72% في السماد الملقح بعد 5 أشهر من التسميد. 

تثمين حمأة معاصر الزيتون لإنتاج غاز الميثان عن طريق الهضم اللاهوائي المشترك

أظهرت العديد من الأوراق البحثية أنه يمكن استخدام حمأة معاصر الزيتون لإنتاج الميثان الحيوي من خلال الهضم اللاهوائي. وكشفت إحدى الدراسات على سبيل المثال، أن الهضم المشترك الأمثل لـحمأة معاصر الزيتون وروث الماشية، يعد واعدًا للغاية لتوليد الطاقة. غير أن منهجية المعالجة هذه لم تُزٍل سوى جزء من المركبات السامة التي كانت موجودة في البداية، مما أدى إلى انخفاض السمية بعد العملية دون التخلص منها نهائيا. وفي أعمال أخرى قام الباحثون باستخدام حمأة معاصر الزيتون ممزوجة مع نفايات سائلة من معصرة الزيتون، مما أتاح أداء أفضل مكان من إنتاج 46 لترا من الميثان لكل لتر من مزيج الحمأة والنفايات السائلة في اليوم. 

إعادة استخدام حمأة معاصر الزيتون في الزراعة كتعديل عضوي

أثبتت الدراسات أن حمأة معاصر الزيتون غنية للغاية بالمغذيات مما يتيح بالتالي، استخدامها كسماد عضوي قوي.  وقد أدى التطبيق المباشر لـحمأة معاصر الزيتون بمعدل 5٪ في التربة الزراعية لمدة 3 أشهر إلى انخفاض في قيمة الرقم الهيدروجيني للتربة من 8.19 إلى 7.06، وزيادة نسبة الكربون العضوي الكلي وبعض المعادن كالبوتاسيوم والزنك والحديد في التربة. ولاحظ الباحثون أن هذا التطبيق أدى إلى تأخر الإنبات في البداية، تلاه تحسن كبير في خصائص النبات فوق التربة وتحتها.

وبالمثل، وبحسب دراسة أخرى، أدى تطبيق حمأة معاصر الزيتون في التربة الرملية إلى ارتفاع نسبة الرطوبة فيها بسبب انخفاض التسرب، مع زيادة خصوبتها بسبب إضافات المواد العضوية. ويمكن لهذه العملية أن تشكل طريقة مستدامة اقتصاديًا لتحسين إنتاجية التربة، خاصة مع زيادة عدد سكان العالم خلال العقود الماضية وتزايد الحاجة إلى إعادة استصلاح التربة التي يحتمل أن تكون متدهورة نتيجة الإنتاج الزراعي المكثف. ومع أن سمية حمأة معاصر الزيتون يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على نطاق قصير المدى؛ فإن خصائص التربة تتحسن على المدى الطويل، بعد التحلل الحيوي للمواد العضوية، واختفاء المركبات العضوية الكارهة للماء، بما في ذلك الفينولات. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن للتربة المعدلة باستخدام حمأة معاصر الزيتون لمدة 6 سنوات متتالية تأثير إيجابي على الخواص الفيزيائية والكيميائية للتربة وإنتاج محصول الزيتون باستخدام جرعات قليلة تبلغ 25 كجم حمأة معاصر الزيتون لكل شجرة. 

جانب مسارات تثمينها المذكورة، يرى مؤلفو دراسة المراجعة، أن حمأة معاصر الزيتون ستكون أيضا مادة أساسية واعدة للغاية لمستحضرات التجميل، لكونها تحتوي على مستويات عالية من المواد العضوية والبوليفينول ومركبات الدهون. وقد أجريت أبحاث في المختبر، أظهرت فرصا واعدة لاستخدام هذه المادة في صناعة مستحضرات التجميل. وسيوفر مزيد استكشاف إمكانات حمأة معاصر الزيتون مصدرا قيما لهذه المركبات العطرية والدهنية.

 

المراجع

- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0147651323005018

 


تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com​

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

       

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */