.
مع تزايد خطر الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية والتي قد تحرم الطب الحديث من إحدى أهم أدواته العلاجية أعدّت منظمة الصحة العالمية قائمةً بمسببات الأمراض البكتيرية ذات الأولوية، وتضمنت القائمة 15 نوعًا من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية مصنفة إلى فئات “حرجة” و”عالية” و”متوسطة”، ومن بين البكتيريا المدرجة في القائمة النيسرية البنية والتي تسمى أيضا بالمكورات البنية. وهي البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة المسببة لمرض السيلان المنقول جنسيًا.
ويصيب السيلان أكثر من 80 مليون شخص سنويًا، ويُعد أحد أكثر الأمراض المنقولة جنسيًا شيوعًا، ويسبب السيلان التهابات حادة في الجهاز التناسلي، ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى العقم لدى كلا الجنسين. وأثناء الولادة يمكن أن تنتقل هذه البكتيريا أيضًا من الأم المصابة إلى طفلها مما يتسبب في إصابة عيني الطفل بالعدوى. وقبل ظهور المضادات الحيوية كان هذا سببًا شائعًا للعمى لدى حديثي الولادة.
ماسر مقاومة النيسرية البنية للمضادات الحيوية؟
تشتهر المكورات البنية بمقاومتها السريعة للمضادات الحيوية. ويرجع ذلك إلى قدرتها على التقاط المادة الوراثية من ميكروبات أخرى، وتشمل هذه المادة الوراثية المنتقلة جينات مقاومة المضادات الحيوية. ويقول توماس بوتشر أستاذ الكيمياء الحيوية الميكروبية بجامعة فيينا أن هذا هو أحد أسباب ظهور سلالات من المكورات البنية مؤخرًا لها القدرة على مقاومة جميع المضادات الحيوية المستخدمة حاليًا، إذ لم يعد بالإمكان علاج هذه البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. ووفقا للدراسة فإن النيسرية البنية قابلة للتحول بشكل طبيعي وتكتسب بسهولة جينات المقاومة.
لكن مؤخرا تمكّن فريق من الباحثين في جامعتي كونستانس وفيينا بالتعاون مع شركائهما من تحديد مواد شديدة الفعالية مشتقة من بكتيريا الزائفة الزنجارية تستخدم آلية جديدة يمكن استخدامها كمضاد حيوي لاستهداف بكتيريا النيسرية البنية بشكل انتقائي، وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة “نيتشر ميكروبيولوجي”.
هذه المواد المشتقة من بكتيريا الزائفة الزنجارية تسمى الكينولونات الألكيلية وهي مواد تُنتجها بعض البكتيريا طبيعيًا لصد أنواع أخرى من البكتيريا. واستطاعت إيقاف نمو النيسرية البنية في المختبر دون أن تسبب أي تأثير سلبي على الكائنات الدقيقة الأخرى أو الخلايا البشرية . فلم يتأثر بسببها نمو البكتيريا الأخرى مثل النيسرية البنية المتعايشة أو العصيات اللبنية المهبلية ولم تؤثر على قابلية الخلايا البشرية للحياة. وعند تطبيق العدوى التجريبية للفئران أوقفت المادة انتشار النيسرية البنية.
وقام الباحثون بإعادة إنتاج هذه المواد الطبيعية في المختبر بشكل صناعي لإحداث بعض التغيرات الطفيفة. وليس هذا المضاد الحيوي الجديد فقط هو الذي تم اشتقاقه من نواتج أيضية ثانوية بكتيرية، فمعظم المضادات الحيوية تم اشتقاقها من نواتج أيضية ثانوية بكتيرية.
آلية عمل هذا المضاد الحيوي الجديد
وتعتمد فكرة عمل هذا المضاد الحيوي الجديد على تنشيط آلية “انتحار” أو تدمير ذاتي موجودة في المكورات البنية قائمة على أنظمة تسمى (السم–مضاد السم). حيث تم اكتشاف أنظمة “السم-مضاد السم” في ثمانينيات القرن العشرين، وهي عبارة عن وحدات وراثية صغيرة منتشرة في جينومات البكتيريا والعتائق. وتتكون هذه الوحدات من عنصرين: سم مستقر وهو غالبا عبارة عن بروتين؛ ومضاد سم غير مستقر مماثل وهو إما RNA أو بروتين.
وفي ظل ظروف النمو المناسبة يمنع مضاد السم سمومه المماثلة من التسبب في السمية من خلال آليات متنوعة. وفي حالات أخرى مثل الإجهاد أو فقدان البلازميد يتحلل مضاد السم وبالتالي يستطيع السم المستقر أن يمارس عمله. وهذا هو مايحدث عند استعمال هذا المضاد الحيوي الجديد والذي يعمل على زيادة الإجهاد التأكسدي مما يؤدي إلى تنشيط نظام السم-مضاد السم، مما يسمح بإطلاق السم (Zeta1) الداخلي ويؤدي إلى موت بكتيريا النيسرية البنية. و بما أن نظام السم-مضاد السم الخاص بالمكورات البنية خاص بها فقط، فإن المضاد الحيوي الجديد لا يضر بالبكتيريا الأخرى.
وتُظهر نتائج هذه الدراسة إمكانية القضاء الانتقائي على مسببات الأمراض البكتيرية مثل النيسرية البنية المقاومة للأدوية المتعددة من خلال آلية تنشيط السموم الداخلية.
.
المراجع
https://www.nature.com/articles/s41564-025-01968-y
https://www.eurekalert.org/news-releases/1079168
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0944501322001999
.
تواصل مع الكاتب: alsaudi86@gmail.com
