مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

أبحاث جدري القرود على مدى ستة عقود

جهد عالمي بمساهمات متزايدة من العالم العربي
الكاتب

الصغير محمد الغربي

كاتب علمي

الوقت

10:18 صباحًا

تاريخ النشر

20, مايو 2025

.

شهد فيروس جدري القرود -وهو مرض حيواني المنشأ ينتمي إلى جنس الفيروسات الأورثوبوكسية وعائلة الفيروسات الجدرية- انتشارا واسعا في عدد من المناطق في العالم ليصبح مصدر قلق كبير للصحة العامة، مما دفع إلى زيادة الاهتمام به في البحث العلمي بهدف زيادة فهم كيفية انتقاله وتطوره المرضي وإمكانية تفشيه في المستقبل.

على الرغم من أنه ليس مدمرا مثل قريبه الجدري، فإن جدري القرود Monkeypox أو اختصارا MPX يمثل تحديا كبيرا للصحة العامة، فقد أظهر الفيروس، الذي كان متوطنا تاريخيا في وسط وغرب أفريقيا، قدرة مثيرة للقلق على الانتشار على مستوى العالم، كما يتضح من تفشي المرض بشكل كبير في السنوات الأخيرة. يتسبب الفيروس، الذي ينتقل عن طريق الاتصال الوثيق بالحيوانات المصابة أو البشر، في ظهور طفح جلدي حطاطي مميز، مصحوبا في الغالب بتضخم الغدد الليمفاوية، مع معدل وفيات بمكن أن يصل إلى 10%.  وقد كانت المناعة التي يوفرها التطعيم ضد الجدري في الماضي توفر بعض الحماية، لكن القضاء على الجدري على المستوى العالمي أدى إلى انخفاض المناعة الجماعية لدى البشر (مناعة القطيع) في العقود الماضية، مما زاد من مخاطر تعرض السكان لتفشي جدري القرود. وفي ظل غياب علاجات متاحة بسهولة وفُشُوِّ المرض على نطاق واسع تبرز الحاجة إلى فهم شامل للفيروس وتطوير استراتيجيات فعالة للوقاية والسيطرة عليه. غير أن هذا الفهم يعوقه ندرة نسبية في الأبحاث المخصصة لهذا المرض مقارنة بالأمراض المعدية الأخرى.

في تحليل ببليومتري شامل، نُشر مؤخرا في دورية (Journal of Infection and Public Health) العلمية، قام باحثون من جامعة جازان بالمملكة العربية السعودية بفحص المشهد العالمي لأبحاث جدري القرود من خلال تقديم تحليل مفصل لمشهد البحث الحالي حول مرض جدري القرود، من خلال تحليل 2655 مقالة بحثية محكمة وورقة مؤتمرات حول جدري القرود على مدى ستة عقود بين عامي 1961 و2023. وكشف عن رؤى حاسمة في اتجاهات البحث والنقاط الساخنة والتعاون، مما يوفر في النهاية خارطة طريق لاستراتيجيات البحث والاستعداد في المستقبل.

فيروس من الماضي، يعود للظهور من جديد

يقول الباحثون إن جدري القرود مرض فيروسي يُسبّبه فيروس جدري القرود (MPXV)، وهو أحد أعضاء جنس فيروسات الأورثوبوكس (Orthopoxvirus)، والذي يشمل أيضا الفيروسات المسؤولة عن الجدري وجدري البقر. اكتُشف المرض لأول مرة لدى القرود عام 1958، وتم تأكيد أول حالة إصابة بشرية عام 1970 فيما يُعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومنذ ذلك الحين، عاد الفيروس للظهور في مناطق متعددة، بما في ذلك حالات تفشٍّ واسعة النطاق حدثت مؤخرا في عامي 2022 و2023.

تشمل الأعراض الحمى، وتضخم الغدد الليمفاوية، وطفحا جلديا مميزا، خاصة على راحتي اليدين وباطن القدمين. يمكن أن ينتشر جدري القرود من خلال الاتصال المباشر بالحيوانات المصابة، أو سوائل الجسم، أو قطرات الجهاز التنفسي من الأشخاص المصابين. يمكن أن يؤدي إلى معدل وفيات يتراوح من 1% إلى 10%، حسب السلالة والاستجابة الطبية. لا يوجد علاج مخصص لجدري القرود، ولكن قد تساعد بعض مضادات الفيروسات مثل تيكوفيريمات وبرينسيدوفوفير في السيطرة على العدوى. كما يوفر لقاح الجدري المتوقف عن الإنتاج، حماية متبادلة كبيرة، بمعدل فعالية يبلغ حوالي 85%.

الدول الأكثر مساهمة في بحوث جدري القرود بالأزرق الداكن (المصدر: دراسة المراجعة)

تحليل إحصائي للأوراق المنشورة حول جدري القرود

حللت الدراسة 2655 ورقة بحثية متعلقة بجدري القرود من 93 دولة، نشرت في 954 دورية علمية مختلفة من قِبل 14966 مؤلفا، بمتوسط ​​4.09 مؤلف لكل ورقة بحثية. وتظهر الاحصائيات حدوث طفرة كبيرة في عام 2023 حيث بلغ عدد الأوراق المنشورة 1328 ورقة علمية، مما يمثل حوالي 50% من إجمالي البحوث المنشورة على مدى ستة عقود، ويعكس تزايد الحاجة الملحة لفهم هذا الفيروس في أعقاب تفشي المرض مؤخرا. وبالمقارنة، نُشرت في عام 2022  615 ورقة بحثية، بينما شهدت السنوات السابقة عددًا أقل بكثير من الدراسات.

برزت الولايات المتحدة الأمريكية كأكثر البلدان إنتاجا للأبحاث المنشورة حول جدري القرود، بـ 959 ورقة بحثية، تليها الهند (239)، والصين (220)، والمملكة المتحدة (214)، وألمانيا (127). كما تُعدّ المملكة العربية السعودية من بين الدول العشر الأكثر مساهمة، بـ 127 منشورًا، مما يضعها على قدم المساواة مع ألمانيا. ويُعدّ هذا المستوى من المشاركة مهما للعالم العربي، ويُبرز المملكة العربية السعودية كمركز بحثي صاعد في مجال مراقبة الأمراض المعدية.

كما أظهرت دول أخرى، مثل مصر وباكستان ونيجيريا مشاركة فعّالة، حيث ساهمت مصر في203 مشروع تعاون بحثي دولي بناءً على مقياس قوة الارتباط الكلية (TLS)، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول تعاونًا على مستوى العالم.

التعاون العلمي الدولي في انتاج البحوث حول جدري القرود بناء على مقياس قوة الارتباط الكلية (TLS) (المصدر: دراسة المراجعة)

دور المنطقة العربية في التعاون العلمي

قام الباحثون بتحليل التعاون العلمي الدولي في إنتاج البحوث حول جدري القرود بناء على مقياس قوة الارتباط الكلية (TLS)، الذي يقيس قوة الروابط بين الدول والمؤسسات. وأظهرت النتائج تصدر الولايات المتحدة التعاون البحثي العالمي بتصنيف TLS بلغ 636، تلتها المملكة المتحدة (337)، والمملكة العربية السعودية (308)، والهند (271)، وألمانيا. (235)

يُعد وجود المملكة العربية السعودية ضمن المراكز الخمسة الأولى في التعاون البحثي تطورا واعدا يعكس مشاركة قوية من جانب مؤسسات بحثية سعودية مثل جامعة جازان وجامعة الملك عبد العزيز. كما يشير إلى أن المملكة تستثمر في تقنيات المختبرات المتقدمة، وشبكات البحث العابرة للحدود، واستراتيجيات الصحة العامة التي تركز على الوقاية من الأمراض المعدية.

كما تحتل مصر أيضا مرتبة متقدمة في التعاون البحثي، بتصنيف (TLS)بلغ 203، مما يضعها في مرتبة متقدمة عن الدول التي تعتمد على البحث المكثف مثل فرنسا (183) وسويسرا (168)، ويدل على أن الدول العربية تلعب دورًا أكثر مركزية في شبكة أبحاث جدري القرود العالمية.

ما هي الدوريات العلمية الأكثر نشرا والمؤسسات الأكثر إنتاجا؟

تصدرت مجلة الأمراض المعدية الناشئة (Emerging Infectious Disease)، ترتيب الدوريات العلمية الأكثر تأثيرًا التي تنشر أبحاث جدري القرود. وجاءت في المرتبة الثانية مجلة علم الفيروسات (Journal of Virology)، تليها مجلة نيو إنجلاند الطبية (New England Journal of Medicine). وكانت أكثر المقالات العلمية تأثيرا على المستوى العالمي من تأليف مؤسسات أمريكية، مثل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) والمعاهد الوطنية للصحة (NIH). في الأثناء، تزداد أهمية المؤسسات في المنطقة العربية، حيث أصبحت جامعتي جازان والملك عبد العزيز السعوديتين، من بين مراكز الأبحاث النشطة في الدراسات المتعلقة بجدري القرود. وتُعد مساهماتهما بالغة الأهمية في مجالات الكشف عن الفيروسات، وسياسات التطعيم، والنمذجة الوبائية.

ما هي المواضيع الأكثر تناولا في أبحاث جدري القرود؟

أجرت الدراسة، أيضا تحليلا مفصلا للمواضيع البحثية الأكثر تناولا، وصنفتها إلى أربع موضوعات رئيسية:

جدري القرود والصحة العامة: يشمل الدراسات حول تفشي الأمراض والتطعيم والتوعية ومقارنات فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) وكوفيد-19، والتصور العام. تتناول هذه الدراسات تحديات الوقاية من الأمراض ورسائل الصحة العامة، وهي مجالات بالغة الأهمية لوزارات الصحة العربية.

التعلم العميق والذكاء الاصطناعي: وهي مجموعة البحوث التي يستخدم فيها الباحثون نماذج التعلم الآلي لتحديد أعراض جدري القرود وتصنيف الآفات الجلدية والتنبؤ بمسار تفشي الأمراض. ويشهد هذا التوجه نموًا سريعًا، وقد بدأت مؤسسات بحثية في المملكة العربية السعودية بالفعل في إجراء مثل هذه الأبحاث.

الالتحام الجزيئي: يتضمن الدراسات التي استخدم فيها الباحثون عمليات محاكاة حاسوبية لاختبار كيفية تفاعل الأدوية مع البروتينات الفيروسية. ويمكن لهذه التقنية أن تساعد في تطوير أدوية جديدة مضادة للفيروسات. وقد بدأ الباحثون العرب في استكشاف هذه الأدوات عالية التقنية لتطوير أدوية الأمراض المعدية.

أبحاث فيروسات الجدري: يدرس هذا المجال الفيروسات ذات الصلة الوثيقة مثل الجدري والجدري البقري. وتدعم هذه الدراسات التشخيص وتطوير اللقاحات وفهم انتقال العدوى حيوانية المنشأ – أي كيفية انتقال الفيروسات من الحيوانات إلى البشر.

المواضيع البحثية حول جدري القرود الأكثر تناولا (المصدر: دراسة المراجعة)

أهمية البحث العلمي حول جدري القرود للعالم العربي

على الرغم من تحديده منذ عقود، لم يظهر جدري القرود كتهديد عالمي إلا مؤخرًا بانتشاره في مناطق بعيدة عن موطنه الأصلي، بما في ذلك أوروبا والأمريكيتان والشرق الأوسط. وبالنسبة للعالم العربي، يُمثّل هذا المرض تحديا للصحة العامة وفرصة بحثية في آنٍ واحد.

وتُظهر المشاركة البحثية القوية من المملكة العربية السعودية ومصر أن الدول العربية لم تعد مجرد مراقب سلبي في مكافحة الأوبئة العالمية. فهذه الدول تستثمر بشكل متزايد في إنشاء المختبرات ومراكز البحوث المتخصصة في المجال وتمول الأبحاث، وتبني شراكات مع المؤسسات العالمية. ومع ذلك، يُشدد مؤلفو الدراسة على أنه لا يزال بالإمكان بذل المزيد من الجهود. وينبغي على هيئات الصحة العامة في المنطقة العربية مواصلة دعم استراتيجيات المراقبة والبحث والوقاية، لا سيما في المجتمعات الأكثر عرضة للخطر. كما أن هناك حاجة إلى سياسات تُسهّل تبادل البيانات والتعاون الدولي والتثقيف المجتمعي لمعالجة الوصمة والمعلومات المضللة.

.

المصدر

Monkeypox Global Research: A Comprehensive Analysis from Emergence to Present (1961-2023) for innovative prevention and control approaches

.

البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com

.

الميكروبلاستيك المقاومة للمضادات الحيوية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x