.
عندما نتأمل في التصنيفات البيولوجية، نميل إلى تقسيم الكائنات الدقيقة ببساطة إلى بدائيات النوى (Prokaryotes) وحقيقيات النوى (Eukaryotes). الفاصل بين المجموعتين يبدو واضحًا: الأولى بسيطة، بلا نواة أو تقسيم داخلي، والثانية معقدة، مليئة بالمقصورات (حجرات بفواصل) والغشاء النووي. لكن Plantomycetes تهدم هذا الجدار التصنيفي، وتدعونا لإعادة النظر.
أول بكتيريا بمقصورات خلوية
ما يثير الذهول في Planctomycetes هو امتلاكها مقصورات داخلية مغلفة بأغشية. إحدى هذه المقصورات تُحيط بالحمض النووي (DNA)، في مشهد يبدو كأننا أمام نواة بدائية. رغم أنها لا تحتوي على نواة حقيقية، فإن هذه البنية غير المألوفة جعلت العلماء يتساءلون: هل نحن أمام “بذرة” أولى لفكرة النواة في الخلية؟. هذه الخاصية فريدة من نوعها في عالم بدائيات النوى، وقد أثارت اهتمامًا بالغًا في أبحاث تطور الخلية. للأسف العلماء الذين يؤمنون بنظرية التطور تجذبهم مثل هذه الاكتشافات ويعتبرونها إثبات لعملية التطور كونها تمثل حلقة وصل بين بدائيات النوى وحقيقيات النوى. لكننا نعتبر مثل هذه الاكتشافات دليل على قدرة الخالق الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
جدار خلوي بلا ببتيدوغليكان Peptidoglycan
أغلب البكتيريا تمتلك جدرانًا خلوية تحتوي على الببتيدوغليكان، وهو بوليمر يوفر الدعم البنيوي والحماية. لكن Planctomycetes تتحدى هذه القاعدة أيضًا، إذ تفتقر تمامًا لهذا المكون، وتعتمد على جدران خلوية بروتينية أو تحتوي على بوليمرات بديلة. هذه الخاصية تمنحها مقاومة فريدة لبعض المضادات الحيوية التقليدية، وتجعل من دراستها مجالًا واعدًا في الطب الميكروبي.
التبرعم بدلاً من الانقسام
في حين أن التكاثر بالانقسام الثنائي هو القاعدة في معظم البكتيريا، فإن Planctomycetes تمتلك مسارًا مختلفًا وهو التكاثر بالتبرعم (Budding).. تنتج الخلية الأم “برعمًا” صغيرًا ينمو تدريجيًا حتى ينفصل، وهي طريقة نراها عادةً في الفطريات أو الكائنات حقيقية النوى. هذا النمط من التكاثر يشير مرة أخرى إلى تعقيد غير معتاد في عالم البكتيريا.
أسياد التكيف في البيئات المائية
تعيش Planctomycetes في بيئات مائية متنوعة، من المياه العذبة إلى المالحة، وحتى البيئات الحمضية أو منخفضة الأوكسجين. بعض أنواعها تمتلك حويصلات غازية (gas vesicles) تساعدها على التحكم في طفوها، ما يمنحها ميزة في البحث عن الضوء أو المغذيات. قدرتها على البقاء في ظروف قاسية تجعلها مرشحة للدراسة ضمن الكائنات المتطرفة (extremophiles).
التحولات الأيضية وتكيفاتها الفسيولوجية
تتمتع Planctomycetes بقدرة على التكيف مع بيئات متنوعة بفضل قدرتها على استخدام مجموعة واسعة من المواد العضوية وغير العضوية كمصادر للطاقة. يمكن لبعض الأنواع استقلاب المركبات النيتروجينية (مثل النترات والأمونيا) أو الكبريتية. هذا التكيف يسمح لها بالتواجد في بيئات فقيرة بالموارد الغذائية التقليدية، مثل التربة الحمضية أو المياه الملوثة.
وبفضل هذه القدرات الأيضية المتنوعة، قد تلعب Planctomycetes دورًا مهمًا في استدامة بيئات طبيعية مثل التربة والموارد المائية، حيث تساعد في استعادة التوازن البيئي بعد التلوث.
الإمكانات البيوتكنولوجية
أظهرت Plantomycetes إمكانيات واعدة في مجال التكنولوجيا الحيوية، لا سيما في مجالات التنظيف البيئي ومعالجة النفايات. أحد أكثر التطبيقات المثيرة هو استخدامها في معالجة مياه الصرف الصحي، حيث يمكن لهذه البكتيريا أن تساهم في تقليل مستويات النترات في المياه الملوثة أو حتى في إزالة السموم مثل المعادن الثقيلة.
علاوة على ذلك، فإن القدرة على استخدام Planctomycetes في التحلل البيولوجي للمواد العضوية يجعلها مفيدة في الصناعات الغذائية وصناعات أخرى حيث يتم إنتاج وتفكيك المواد الحيوية. كما أن تكاثرها في بيئات رطبة وصعبة يجعلها مرشحًا مثاليًا للاستخدام في معالجة المياه العادمة.
شكل توضيحي يبين الخصائص الخلوية الفريدة لبكتيريا Planctomycetes
التحديات والفرص المستقبلية
على الرغم من الإمكانات الكبيرة لـ Planctomycetes في مجالات بيئية وصناعية مختلفة، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه استخدامها بشكل موسع. لا تزال دراساتنا حول الفسيولوجيا الكاملة لهذه البكتيريا غير مكتملة، مما يجعل من الصعب استغلال كامل إمكانياتها في التطبيقات الصناعية. كذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحديد كيفية استدامة استخدام Planctomycetes في البيئات الصناعية وتحقيق أقصى استفادة منها في التطبيقات البيوتكنولوجية.
.
1- Beyond the bacterium: Planctomycetes challenge our concepts of microbial structure and function.
2- Evolution. Intermediate steps. Science, 328(5970), 632–633.
3- Planctomycetes: Bacteria with outer membrane vesicles and complex intracellular organization.
4- On the maverick Planctomycetes. FEMS Microbiology Reviews, 42(6), 739–760.
.
تواصل مع الكاتب: elmanama_144@yahoo.com
.
اقرأ ايضاً
الشيوانيلا القاعية
أركيون خارق: مضاد لأشعة جاما
