.
الذكاء الاصطناعي أصبح من أكثر المجالات التي تثير فضول الناس في عصرنا الحالي، لما له من تأثير كبير على جوانب الحياة المختلفة، من تطبيقات الهاتف إلى السيارات ذاتية القيادة، ومن تشخيص الأمراض إلى صناعة الأفلام والأعمال الفنية. لكن كثيرًا ما يتساءل البعض: كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي؟ ما الذي يجعل هذه الأنظمة قادرة على أداء مهام معقدة، ربما تتجاوز قدرات الإنسان أحيانًا؟ الإجابة تكمن في فهم المبادئ التي يقوم عليها تعلم الآلة، أحد فروع الذكاء الاصطناعي الأساسية.
في البداية، يعتمد الذكاء الاصطناعي على فكرة محاكاة الطريقة التي يتعلم بها الإنسان من التجربة والخطأ. عندما يولد الطفل، لا يعرف شيئًا عن العالم من حوله، لكنه يكتسب المعرفة من خلال التجربة، والملاحظة، والتكرار، وتصحيح الأخطاء. بنفس الأسلوب، يتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على كميات ضخمة من البيانات. هذه البيانات يمكن أن تكون صورًا، نصوصًا، تسجيلات صوتية، أو أي نوع آخر من المعلومات التي يحتاج النظام لفهمها والتفاعل معها. من خلال تحليل هذه البيانات المتكررة، يتعلم الذكاء الاصطناعي ملاحظة الأنماط والعلاقات بين المعلومات.
واحدة من أشهر طرق تعلم الذكاء الاصطناعي تسمى التعلم الخاضع للإشراف. في هذا النوع من التعلم، يتم تدريب النظام باستخدام بيانات مُعنونة مسبقًا، أي أن كل معلومة في مجموعة التدريب تحتوي على مدخل ومخرَج صحيح. على سبيل المثال، عند تدريب نظام للتعرف على صور القطط، يتم تزويده بآلاف الصور المصنفة مسبقًا على أنها “قط” أو “ليس قطًا”. مع مرور الوقت، يتعلم النظام تحديد السمات المشتركة في صور القطط، مثل شكل الأذنين أو العينين أو نوع الفرو، ليتمكن لاحقًا من التعرف على القطط في صور جديدة لم يرها من قبل.
هناك أيضًا التعلم غير الخاضع للإشراف، حيث يُعطى النظام بيانات بدون تصنيفات مسبقة، ويُطلب منه اكتشاف الأنماط أو العلاقات بنفسه. هذا النوع من التعلم يُستخدم مثلًا في تحليل سلوك العملاء على الإنترنت، حيث يحاول النظام تقسيم المستخدمين إلى مجموعات بناءً على سلوكهم دون وجود تصنيفات جاهزة. كذلك توجد طريقة تُسمى التعلم المعزز، وهي طريقة يتعلم فيها الذكاء الاصطناعي من التجربة والتفاعل مع البيئة المحيطة به، ويحصل على مكافآت أو عقوبات بناءً على تصرفاته، مما يساعده على تحسين قراراته بمرور الوقت.
الجزء الأكثر إثارة في تعلم الذكاء الاصطناعي هو استخدام الشبكات العصبية الاصطناعية، وهي نماذج مستوحاة من طريقة عمل الدماغ البشري. تتكون هذه الشبكات من وحدات حسابية بسيطة تُسمى الخلايا العصبية، مترابطة فيما بينها، وتنقل المعلومات في طبقات. عندما تمر البيانات من طبقة إلى أخرى، يتم تعديل الأوزان المرتبطة بالوصلات بين الخلايا العصبية لتقليل الأخطاء وتحسين أداء النظام. هذه الطريقة جعلت من الممكن تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على إنجاز مهام معقدة مثل التعرف على الأصوات، والترجمة الفورية، وابتكار النصوص، وحتى رسم اللوحات الفنية.
تعلم الذكاء الاصطناعي من خلال التعلم الآلي، حيث يتم تدريب النماذج على مجموعات كبيرة من البيانات لاستخراج الأنماط والاتجاهات. هذه العملية تتضمن عدة خطوات رئيسية:
1- جمع البيانات: تُجمع البيانات من مصادر متعددة، مثل قواعد البيانات، الإنترنت، أو أجهزة الاستشعار.
2- معالجة البيانات: تشمل تنظيف البيانات من الأخطاء والشوائب، وتحويلها إلى شكل يمكن للخوارزمية معالجته، وتطبيعها لضمان أن تكون القيم ضمن نطاق معين.
3- اختيار الخوارزمية المناسبة: يعتمد اختيار الخوارزمية على نوع المشكلة التي يحتاج النظام إلى حلها.
4- تدريب النموذج: يتم تدريب النموذج على البيانات المُعَلَّمة، حيث يتعلم من الأمثلة لتحديد الأنماط والاتجاهات.
5- اختبار النموذج: يُختبر النموذج على بيانات جديدة لم يتم تدريبه عليها لتقييم دقته وأدائه.
6- تحسين النموذج: يتم تعديل النموذج بناءً على نتائج الاختبار لتحسين أدائه.3

الخوارزميات الذكية في الذكاء الاصطناعي
تُستخدم العديد من الخوارزميات الذكية في الذكاء الاصطناعي، منها:
– الانحدار الخطي (Linear Regression): يُستخدم للتنبؤ بقيمة مستمرة بناءً على مدخلات متعددة.
– شجرة القرار (Decision Tree): تُستخدم لتصنيف البيانات من خلال تقسيمها إلى فئات بناءً على خصائص معينة.
– الغابة العشوائية (Random Forest): تجمع بين عدة أشجار قرار لتحسين دقة التصنيف.
– دعم المتجهات (SVM): تُستخدم للعثور على أفضل فاصل بين فئات البيانات.
– الشبكات العصبية (Neural Networks): مستوحاة من الدماغ البشري، تُستخدم لمعالجة البيانات المعقدة مثل الصور والنصوص.
– التعلم العميق (Deep Learning): نوع من الشبكات العصبية يحتوي على طبقات متعددة، يُستخدم في مهام مثل التعرف على الصور والكلام.
– التعلم المعزز (Reinforcement Learning): يتعلم من خلال التفاعل مع البيئة وتلقي المكافآت أو العقوبات بناءً على الأفعال المتخذة.
ومع كل هذا التطور، يبقى تعلم الذكاء الاصطناعي معتمدًا بشكل أساسي على حجم وجودة البيانات التي يتدرب عليها، وعلى قوة الحوسبة المتاحة. كلما كانت البيانات أوضح وأكثر تنوعًا، كلما أصبح النظام أذكى وأكثر قدرة على التعميم والتكيف مع مواقف جديدة. من هنا، تتجه الأبحاث الحديثة نحو تطوير تقنيات تعليم الآلة بطريقة أقرب للطريقة البشرية، بحيث تتمكن الأنظمة من التعلم من عدد أقل من الأمثلة، أو من خلال الفهم المنطقي، وليس فقط من خلال تكرار التجارب.
في النهاية، إن الذكاء الاصطناعي يتعلم من خلال تقليد آليات التفكير البشري، معتمداً على تحليل البيانات، واكتشاف الأنماط، وتصحيح الأخطاء، وتحسين الأداء بمرور الوقت. ومع استمرار تطور التقنيات والبرمجيات، يبدو المستقبل مفتوحًا أمام إمكانيات لا حدود لها، حيث قد تصل أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة تتجاوز فيها التعلم التقليدي، لتتمكن من الفهم والاستنتاج واتخاذ القرارات بشكل أكثر استقلالية وذكاء.
.
المصادر
– https://arxiv.org/abs/1706.03762
– https://www.nature.com/articles/nature14539
– https://arxiv.org/abs/2204.03508
– https://dl.acm.org/doi/10.1145/3442188.3445922
.
تواصل مع الكاتب: mohamedmouradgamal@gmail.com
.
اقرأ أيضاً
أمن البيانات والمعلومات في زمن الذكاء الاصطناعي
دور الذكاء الاصطناعي في تطوير البحث العلمي