مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

واقع استخدام الحلول القائمة على الطبيعة

مواجهة تغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

09:28 صباحًا

تاريخ النشر

11, أغسطس 2024

أحدث النشاط البشري تغييرا عميقا في البيئات الطبيعية في كافة أنحاء العالم، وساهم إلى حد كبير في زيادة مخزون انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري في الغلاف الجوي: وأدى ذلك إلى الحد من قدرة الأنظمة الطبيعية على امتصاص الكربون وتخزينه أو عزله من الغلاف الجوي، ومن قدرة المنظومات الطبيعية على مقاومة التأثيرات الشديدة والمتزايدة لتغير المناخ.

ولمكافحة هذه التغيرات، ظهرت الحلول القائمة على الطبيعة كأحد أهم الاستراتيجيات للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرها على البيئة والبشر. وتعمل هذه الحلول التي أثبتت أهميتها في مكافحة تغير المناخ في العديد من المناطق في العالم، على تعزيز قدرة النظم الطبيعية على احتجاز ثاني أكسيد الكربون، والحد من تدهورها.

لكن ما حظ الحلول المستدامة القائمة على الطبيعة من جهود مكافحة تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر المناطق تضررًا بتغير المناخ ؟

للإجابة على هذه الأسئلة، قامت دراسة مراجعة جديدة بتحليل 86 ورقة علمية منشورة قامت بإلقاء الضوء على 65 مشروعا جرى تنفيذها في المنطقة وتستند إلى استراتيجية الحلول القائمة على الطبيعة. ووجدت هذه الدراسة التي نشرت موقع دورية (Nature-Based Solutions) (وستنشر في عددها الذي سيصدر ديسمبر/ كانون أول القادم)، تفاوتا كبيرا بين دول المنطقة في تبني هذه الاستراتيجية حيث حازت الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض على جل المشاريع، في الوقت الذي ركزت فيه غالبية الأوراق التي شملتها المراجعة، على تدابير الحد من مخاطر الكوارث المتعلقة بتدهور الأراضي والجفاف وانعدام الأمن الغذائي وندرة المياه، والتي يتم تنفيذها خاصة في الغابات والأراضي الزراعية.

تحديات مرتبطة يتغير المناخ

يقول المؤلفون إنه من المتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعاني بشكل خاص من هشاشة بسبب مناخها وسياقها الاجتماعي والاقتصادي، ارتفاعًا في درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين في العقد المقبل. وسيؤدي هذا الارتفاع إلى زيادة وتيرة الأحداث المناخية القاسية والكوارث الطبيعية، بدءًا من موجات الحر والعواصف الرملية إلى الفيضانات والجفاف، مما يهدد اقتصاد المنطقة والنظم البيئية والصحة البشرية فيها. وفي نفس الوقت تشهد المنطقة نموًا سريعًا في عدد السكان، الذي ارتفع من 110 مليون في عام 1950 إلى 569 مليون في عام 2017، مع توقعات بوصوله إلى حوالي 700 مليون بحلول عام 2050. وعلى الرغم من أن العلاقة بين النمو السكاني وتغير المناخ لا تزال موضع جدل بين العلماء، فإن ارتفاع عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. ومن المتوقع أن يفاقم  هذا التوسع الديموغرافي، إلى جانب التأثيرات الحالية والمحتملة لتغير المناخ، العديد من المشاكل، وخاصة تلك المتعلقة بندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي والنزوح بسبب الأحداث المناخية المتطرفة. وتظهر الدراسات السابقة أن ندرة المياه، على سبيل المثال، تؤثر بالفعل على 60٪ من السكان ، في الوقت الذي يؤثر فيه انعدام الأمن الغذائي على ما لا يقل عن 55 مليون شخصا في عام 2019، مع مساهمة تغير المناخ بشكل كبير في هذه التحديات.

وتشير التوقعات أيضا، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 30% في المحاصيل الزراعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع إمكانية وصول هذا الرقم إلى 60% إذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية . كما تشير كذلك، إلى الأحداث المناخية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ التي قد تدفع 19 مليون شخصا إلى النزوح بحلول عام 2050، بينما لا يتجاوز هذا العدد 1.5 مليون حاليا.

الحلول القائمة على الطبيعة كاستراتيجيات فعالة للتخفيف من آثار تغير المناخ

بحسب الدراسة، يتم تعريف الحلول المستدامة القائمة على الطبيعة بكونها ” إجراءات لحماية النظم البيئية الطبيعية أو المعدلة وإدارتها واستعادتها بشكل مستدام، تعمل على معالجة التحديات المجتمعية بشكل فعال، وتوفر في الوقت نفسه فوائد الرفاهية البشرية والتنوع البيولوجي”.

وقد ظهرت الحلول القائمة على الطبيعة كاستراتيجيات فعالة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه منذ أكثر من عقد، وتستخدم حاليا لمعالجة التحديات المجتمعية والبيئية بطريقة فعالة وغير مكلفة مقارنة بحلول الهندسة التقليدية .

ومع ذلك، يواجه تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة عقبات متعددة، بما في ذلك الوعي العام المحدود، وسوء التصميم وعيوب التنفيذ، والقيود المالية. وتتجلى هذه التحديات بشكل واضح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث توجد فجوات كبيرة في نشر استراتيجيات الحلول القائمة على الطبيعة بشكل فعال

تفاوت بين الدول وبين مختلف أنواع النظم البيئية

تكشف دراسة المراجعة التي استندت على تحليل نتائج 86 دراسة حالة سابقة أن ما يقرب من 60% منها يتركز في خمس دول فقط من دول المنطقة وهي المغرب التي حازت على أعلى نسبة من هذه الدراسات (14%)، يليه كل من لبنان ومصر بنسبة 13% لكل منهما، والجزائر بنسبة 12%، وتونس بنسبة 8%. ويشمل توزيع دراسات الحالة المتبقية إيران (7%) والبحرين (5%) ومجموعة من الدول هي سوريا والأردن وقطر والكويت واليمن، تساهم كل منها بنسبة 3%. وتمثل كل من العراق وليبيا وعمان والمملكة العربية السعودية 2% من دراسات الحالة، بينما تمثل الإمارات العربية المتحدة وفلسطين 1% لكل منهما.

توزيع دراسات الحالة التي تمت مراجعتها حسب بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المصدر: دراسة المراجعة)

تؤكد هذه النتائج، كما يقول المؤلفون، أن غالبية استراتيجيات الحلول القائمة على الطبيعة تُلاحظ في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يتوافق مع النتائج التي توصلت إليها دراسات أخرى أشارت سابقا إلى أن الدول ذات الدخل المنخفض تميل إلى دمج الحلول القائمة على الطبيعة في استراتيجيات العمل المناخي الخاصة بها بشكل أكثر تكرارًا من البلدان ذات الدخل المرتفع

تغطي دراسات الحالة هذه، مجموعة متنوعة من النظم البيئية، بما في ذلك الأراضي الزراعية، والنظم البيئية الساحلية والبحرية، والأراضي العشبية والمراعي، والغابات والأراضي الحرجية، والمياه الداخلية، والواحات. غير أن النسبة الأكبر منها ركزت على تنفيذ الحلول المستدامة القائمة على الطبيعة في الغابات (38%) والأراضي الزراعية (35%). وتعتبر هذه الحلول البيئية ضرورية للتخفيف من تحديات تغير المناخ السائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتكيف معها مثل تدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي وندرة المياه والجفاف.

توزيع دراسات الحالة التي تمت مراجعتها على أنواع النظم البيئية المستهدفة (المصدر: دراسة المراجعة)

تشير النتائج أيضا إلى وجود اهتمام متنوع بالحلول المستدامة القائمة على الطبيعة عبر أنواع مختلفة من النظم الإيكولوجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تظهر كل دولة نموذجا فريدا لتطبيق الحلول المستدامة القائمة على الطبيعة بما يتناسب مع سياقاتها واحتياجاتها البيئية المحددة. فلبنان على سبيل المثال، ويولي اهتماما خاصاً بالغابات البرية والغابات المشجرة، حيث تشكل هذه النظم البيئية موضوع أكبر عدد من دراسات الحالة في البلاد، فيما تركز دراسات الحالة التي أنجزت في المغرب الأراضي الزراعية، مما يعكس أهمية هذا النوع من النظام البيئي. وتشكل الأراضي الزراعية محور اهتمام مشترك في العديد من البلدان، في مقدمتها مصر، في الوقت الذي حظيت فيه النظم البيئية الساحلية والبحرية، والأراضي العشبية والمراعي، وموارد المياه الداخلية بالاهتمام في جمع البلدان ولكن بدرجة أقل مقارنة بالأراضي الزراعية والغابات والأراضي الحرجية. ورغم أن الواحات تعد أقل أنواع النظم البيئية اهتماما بصورة عامة، فإنها لا تزال تظهر في دراسات الحالة في بلدان مثل المغرب واليمن.

وفي أنواع التحديات المرتبطة بتغير المناخ

بالإضافة إلى ذلك، تظهر النتائج  توزيعا متفاوتا لدراسات الحالة التي تمت مراجعتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقا لنوع التحدي المتعلق بتغير المناخ الذي تتناوله. حيث برزت مشكلتي تدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي من بين التحديات الأكثر معالجة، باستحواذهما على نسب 22% و17% من دراسات الحالة على التوالي. كما حازت دراسات الحالة المتعلقة بالجفاف والفيضانات على نسبة هامة تقدر بحوالي 16% لكل منهما من مجموع الدراسات التي شملتها المراجعة، فيما شكلت مسألتي انخفاض الغطاء النباتي والأضرار التي لحقت بموائل الحيوانات وتفشي الآفات محور اهتمام أقل، في حدود 10% و5% على التوالي من دراسات الحالة.

  النسب المئوية لدراسات الحالة التي تمت مراجعتها لكل تحدي مرتبط بتغير المناخ تم تناوله (المصدر: دراسة المراجعة)

وتبقى حرائق الغابات، وندرة المياه، وأمراض أشجار الغابات، والعواصف الرملية من أقل التحديات التي تمت معالجتها في دراسات الحالة، حيث تشكل كل فئة من هذه الفئات موضوع 1% من دراسات الحالة.

ويشير هذا التوزيع إلى تركيز دول المنطقة على أولوية معالجة تدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي ضمن دراسات الحالة الخاصة باستخدام الحلول الطبيعية القائمة على الطبيعة في المنطقة، مما يعكس الطبيعة الحرجة لهذه القضايا في سياق تحديات المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وشمل التفاوت أيضا أنواع التحديات المتعلقة بتغير المناخ الأكثر أهمية في كل دولة من دول المنطقة، ففي مصر ركز عدد كبير من دراسات الحالة على موضوع ندرة المياه، وفي لبنان على أمراض أشجار الغابات وحرائق الغابات، وفي المغرب على تدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي. وأظهرت بلدان أخرى مثل الجزائر وإيران وتونس توزيعا اهتمامات أكثر تنوعًا في تناول التحديات المختلفة في دراسات الحالة. في المقابل، لم تحظ بعض التحديات الأخرى، مثل العواصف الرملية وحرائق الغابات، بدراسات حالة باهتمام كبير في مختلف دول المنطقة.

تشير المراجعة، أيضا،  إلى أن أغلبية دراسات الحالة التي شملتها الدراسة، حوالي 59%، تتضمن حلولا للحد من مخاطر الكوارث البيئية، فيما قدم ما يقارب من 27% من دراسات الحالة حلولا للتكيف القائم على النظم الإيكولوجية. ولاحظ الباحثون أن  14% من دراسات الحالة استراتيجيات أدمجت كل من نهجي الحد من مخاطر الكوارث البيئية والتكيف القائم على النظم الإيكولوجية.

مقترحات وتوصيات

يقول الباحثون إن نتائج هذه الدراسة حددت اتجاها مهما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتمثل في تنفيذ استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث البيئية بشكل أكثر شيوعا من استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ. ويتماشى هذا النمط مع سياسة تمويل المناخ العالمي التي تركز على الاستثمار في مشاريع الحد من مخاطر تغير المناخ أكثر من استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ، مما يحد من قدرة العديد من البلدان  في تبني استراتيجيات التكيف.

ولاحظ المؤلفون أنه من الواضح، على ضوء هذه النتائج، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تستغل حاليا الحلول القائمة على الطبيعة بشكل كاف لمعالجة التحديات المرتبطة بتغير المناخ، على الرغم من الحاجة الملحة إلى استراتيجيات فعالة في هذا المجال. ولمعالجة هذه النواقص والاستفادة من إمكانات الحلول القائمة على الطبيعة في تعزيز القدرة على التكيف مع المناخ والاستدامة في المنطقة، اقترح الباحثون دمج استراتيجيات الحلول القائمة على الطبيعة ضمن الأطر التنظيمية والسياسية الوطنية، وتعزيز التمويل المخصص للبحوث العلمية التي تركز على تغير المناخ والحلول المستدامة القائمة على الطبيعة بشكل كبير، مع زيادة الدعم المالي لتنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة، بالإضافة إلى تحسين القبول العام والفهم للحلول المستدامة من خلال حملات التوعية المستهدفة والبرامج التعليمية والمشاركة النشطة مع المجتمعات.

المصادر

Overview of nature-based solutions for climate resilience in the MENA region

 


البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x