عاجلاً أو آجلاً في مسيرتك الأكاديمية سيُطلب منك تقديم عرضاً علمياً شفوياً. قد يكون أمام مجموعتك البحثية أو "سيمنار" أمام زملائك في القسم أو الكلية، أو في مؤتمر محلي أو دولي. ولكل نوع من هذه العروض خصائص وتحديات تواجهك ينبغي التغلب عليها. هناك جماهير مختلفة يحتاج العلمي أن يتواصل معها، وبالتالي يجب أن نختار الطريقة التي نقدم بها عملنا وانجازنا وكذلك أنفسنا، لهم حسب الوضع والحاجة.
في هذا المقال سنركز على التواصل مع العلميين (التواصل الداخلي)، أما التواصل مع غير العلميين فسنعرض لهم في مقالات قادمة بإذن الله عندما نتكلم عن التواصل الخارجي.
وأحسن نصيحة يمكننا تقديمها هنا، هي أن التدريب العملي هو الذي يؤدي للأداء الأفضل.
العروض الشفوية هي النوع الثاني من التواصل الداخلي الذي سنتكلم عنه بعد النشر في المجلات العلمية المحكّمة. وكما الأوراق العلمية، يُعدّ العرض التقديمي الشفوي طريقة احترافية لمشاركة عملك أو ملاحظاتك البحثية مع علميين آخرين أو تقديم فرضية أو إثبات نتائج الدراسة وتفسيرها، أو – تلخيص ما تم تعلمه أو ما سيتم دراسته حول موضوع ما. تساعد العروض التقديمية الاحترافية في نشر الأبحاث وتوعية الأقران بالمناهج أو النتائج أو المشكلات الجديدة. وهي وسيلة هامة للتعريف بالباحث ونمو شبكته العلمية وتواصله بالأقران. بل قد يسفر هذا العرض عن جلسات أسئلة وأجوبة، والأهم من ذلك، ربما تبلور معك ومع الجمهور رسائل جديدة وتفكير جديد وحتى طاقة لتحقيق اختراقات، مهما كانت القفزة صغيرة أو كبيرة.
تحتاج لإقناع الجمهور بأن البحث المقدم مهم وصحيح ومناسب لهم. ولتحقيق ذلك، يجب أن تؤكد هنا أيضاً على الدافع للعمل ونتائجه، ويجب أن تقدم أدلة كافية لإثبات صحة النتيجة.
وفي المقابل، تختلف العروض التقديمية الشفوية عن الأوراق المنشورة في أنها أكثر محلية في المكان والزمان، فالجمهور عادة يكون محدوداً بالحضور سواء في القاعة أو المسجلين في الندوة عبر الانترنت. بالنسبة للأوراق البحثية المنشورة يمكن للقارئ أن يقرأها بالترتيب والزمن الذي يفضله، ويمكن قراءتها بعد سنوات من النشر، لذلك تكون مكتفية ذاتيا ومستمرة إلى حد كبير، بعكس العروض التقديمية الشفوية والتي تفرض تسلسلا على الجمهور، مما يؤثر في اختيار محتوى العرض، فيكون الهدف والمحتوى أكثر تحديدا. وعادة ما تتضمن قدرا من التفاعل، وكنتيجة لذلك وبقوة وإمكانية أكبر من الأوراق البحثية، تستطيع العروض التقديمية أن تكسر وبشكل مفيد التسلسل الزمني المستخدم عادة في الأوراق البحثية للإبلاغ عن نتائج البحوث.
رغم أهمية العرض التقديمي للباحث حتى في مجال مستقبله الوظيفي، فإن الكثير من العروض تفشل، لأسباب متعددة منها تعقيد المحتوى أكثر من اللازم والرتابة في العرض والتركيز على ما تريد قوله وليس ما يثير اهتمام الجمهور. فمهما كان المحتوى مهم ورائع، فلن يصل إذا لم يثر اهتمام المتلقي. إذن هناك أوجه أساسية للعروض التقديمية: المحتوى وكيفية تقديمه للجمهور، بالإضافة إلى المتحدث. فدعونا نستكشف كيفية إعداد وتقديم عرض تقديمي علمي جيد.
من أجل عرض تقديمي ناجح يجب الاهتمام بعناصره الثلاثة وهي:
- المحتوى وطريقة سرده وعرضه،
- الجمهور واهتماماته،
- المتحدث وأهدافه.
أولاً: المحتوى وطريقة سرده وعرضه
يعتمد نجاح أو فشل العرض التقديمي الشفوي عليك أنت (مقدم العرض) بالدرجة الأولى، فيجب أن تكون متمكنا من الموضوع وأن تكون مشاركا حقيقيا في البحث أو الدراسة التي تقدمها، ومشاركا في تحليل وصياغة النتيجة، كيف بدأت وكيف انتهت؟. أي تكون مستعداً للتقديم والعرض والإجابة عن الأسئلة والمناقشة، ثقتك بنفسك تعطي انطباعا بالثقة لدى الجمهور.
من أجل التخطيط لإعداد العرض، خذ وقتك في التفكير بعمق، ما هي الرسالة التي تريد أن تتركها لدى الجمهور؟ وبناء عليها، ابدأ التخطيط لسردك، الذي سيجعل جمهورك متواصلا معك بشكل انسيابي ومنطقي. وكما في القصص، يبدأ السرد ببداية أو افتتاحية، ثم المتن ثم الخاتمة. في العرض العلمي، ذلك يكون غالبا بالإيحاء للجمهور عن ماذا تريد أن تخبرهم عنه (البداية)، ثم تخبرهم عن ذلك الموضوع بشيء من التفصيل (المتن)، وأخيرا توجز لهم ما قلته (الخاتمة).
البدء والانتهاء بقوة
الجمل القليلة الأولى والجمل القليلة الأخيرة من العرض التقديمي الشفوي مهمة بشكل خاص لأنها تشكل الانطباعات الأولى والأخيرة التي تتركها على جمهورك. إنها أيضًا صعبة لأنها تتوافق مع لحظات الانتقال (البداية والنهاية) التي من المحتمل أن يصل قلقك ورهبتك من المنصة إلى ذروته وبالتالي، فهي تستحق اهتمامًا خاصًا.
جذب الانتباه
في بداية أي عرض تقديمي، يجب أن تجذب انتباه الجمهور – ويجب أن تفعل ذلك بسرعة. فكما هو الحال مع الورقة البحثية، يمكنك إثارة اهتمامهم ببحثك من خلال ذكر الحاجة إلى عملك، ولكن في العرض التقديمي يجب أولاً تأمين انتباههم الكامل (جذب الانتباه).
يمكن لجذب الانتباه الفعّال أن يتخذ عدة أشكال: يمكن أن يكون سؤالاً، أو نصاً مقتبساً، أو حكاية، أو تشبيه، أو صورة معروضة على الشاشة، وما إلى ذلك. أيا كان شكله، فلجذب الانتباه الفعّال ثلاث صفات:
- يجب أن يكون قصيرا، لأنه ليس هدفًا في حد ذاته، ولكنه وسيلة لتركيز انتباه الجمهور الكامل على الهدف الحقيقي للعمل المقدم.
- يجب أن يكون موجه نحو الجمهور، أنه يسد الفجوة بين شيء يعرفه الجمهور أو يهتم به وموضوع الحديث.
- يجب أن يكون ملائمًا وذو علاقة، أي لا يكون في غير محله أو خارجا عن السياق. على سبيل المثال، البدء بحكاية بها روح الدعابة مرتبطة مباشرة بالموضوع أو على الأقل وثيقة الصلة بالموضوع؛ كما يجب مراعاة أن يكون مناسبًا أيضًا للموقف ونوعية الجمهور. عادة، تتطلب الجماهير الأقل تخصصًا مزيدًا من الاهتمام الإبداعي لأنهم بعيدون عن الموضوع. بالنسبة لجمهور المتخصصين، قد يكون ارتباطًا بسيطًا بسياق مألوف، مثل: ("كما يعلم معظمكم ،..") أو بالمتحدث السابق ("كما أشار الدكتور فلان ،..") كافياً.
في نهاية العرض التقديمي، يجب أن تشير بأناقة ولكن بشكل واضح للجمهور إلى أنك قد قلت كلماتك الأخيرة، مما يعطيهم إشارة التصفيق. على الرغم من وجود العديد من الطرق للقيام بذلك، إلا أن إعادة الارتباط مع (جذب الانتباه) تعتبر طريقة جيدة، وذلك من خلال الرجوع مرة أخرى إلى سؤالك الأول أو الصورة، وما إلى ذلك، فإنك تشير إلى أنك قد أكملت الحلقة.
في المقابل، ابتعد عن عمليات الإغلاق التقليدية، "وهذا كل ما لدي اليوم.."؛ أو "شكرا لاهتمامكم". بدلاً من ذلك يمكن القول: "سأكون سعيدا للإجابة على أي أسئلة لديكم" …
يجب أن تكون كلماتك الأولى والكلمات الأخيرة على التوالي هي جذب الانتباه إليك وقربك من جمهورك. قاوم إغراء استهلال الانتباه بكلمات حشو أو المجاملات غير الضرورية مثل " اسمحوا لي أولاً أن أشكر المنظمين على..".
للتأكد من بدء العرض التقديمي وإنهائه بشكل محدد، ربما يكون من المفيد حفظ الجمل الأولى والأخيرة عن ظهر قلب.
غالبًا ما يعتمد تنسيق المحاضرة والمحتوى والتدفق المنطقي للمعلومات على اختيار الموضوع، والذي يجب أن يكون مناسبًا لمستوى الجمهور والوقت المخصص للعرض.
لا تفصيل ممل ولا اختصار مخل
بعد وضع جميع الجمل والصور والرسوم التوضيحية وتتم الموافقة عليها من قبل جميع المؤلفين للبحث المعروض، إن وجدوا، قم بتقليص معظم الجمل حيث تستفيد من العبارات القصيرة (وليس حتى الجمل الكاملة) في كل الشرائح والملصقات. أي استخدم الحد الأدنى من النص ومن السطور والصور والرسوم البيانية، كل ذلك لتوفير المعلومات الأساسية فقط، وذلك لكي لا تشتت انتباه الجمهور. بالمقابل، يجب ألا يضر الإيجاز بالجودة. كما يجب دائما أن تحرص للحصول على أعلى جودة من الوسائل المرئية، لأن هذه تترك انطباعًا لدى الجمهور، والرسومات عالية الجودة هي من سمات العروض التقديمية الفعّالة. أي احرص على استخدام الوسائل البصرية الأفضل.
وكذلك اختار أحجام الخطوط المناسبة، بحيث يمكن قراءتها بسهولة من مسافة بعيدة. ضع نفسك مكان الجمهور: يجب أن تكون الشرائح قابلة للقراءة من الصف الأخير في غرفة إلقاء العرض والتي قد تكون كبيرة أو قاعة احتفالات ضخمة، ويجب أن يظل الملصق (في حالة العروض التقديمية الملصقة وليست الشفوية) قابلاً للقراءة من مسافة لا تقل عن مترين. تأكد من الإملاء والهجاء.
تمنح معظم المؤتمرات أوقاتًا قصيرة حتى للمحاضرين المدعوين حيث يُتوقع من الخبراء إظهار أحدث العلوم، والتي تفترض أن الجمهور على دراية بها بالفعل، وأن الخبير قادر على تقديم المعلومات التي تثير تفكيرًا جديدًا. ومن نافلة القول، أنه يجب الالتزام بوقت العرض المخصص لك، لذا يستحسن تجربته قبل العرض للتأكد من ذلك.
استخدم قاعدة بسيطة: متوسط وقت التحدث دقيقة واحدة لكل شريحة في العروض التقديمية الشفوية. يمكنك بعد ذلك معرفة مدى توافق ذلك مع ما قمت بتحميله لكل شريحة من حديثك، وضبط المحتوى والحديث مع الوقت المتاح.
من المفيد أيضاً تقديم عرضك للتجربة أمام أصدقائك أو الزملاء وطلب النقد. فما يراه الآخرون يختلف عما تراه من بعض الأوجه، إن النقد من أعضاء قسمك وفريقك خير من النقد أمام الآخرين في قاعة ضخمة. كما أن الأسئلة التي يمكن أن تتلقاها منهم تفيدك في طريقة عرضك واستعدادك لتلقي أسئلة مشابهة من الجمهور.
ثانياً: الجمهور واهتماماته:
إن حديثك عن بحوثك يُعدّ فرصة ممتازة للترويج لنفسك ولإثارة إعجاب الأشخاص الموجودين في القاعة بأهمية