يعد طب العيون فرعا من فروع الطب الحيوي يختص بدراسة المشاكل الصحية للعين. ولقد قدم العلماء العرب والمسلمون مثل ابن الهيثم وابن النفيس مساهمات قيمة في الطب بشكل عام وطب العيون بشكل خاص. وفي القرن الماضي، أصبح طب العيون أحد التخصصات الطبية والجراحية والوراثية والصحة العامة الهامة. وشهد التعليم الطبي والممارسة السريرية في العالم العربي تغيراً جذرياً خاصة في العقود الماضية من خلال إنشاء العديد من كليات الطب والمستشفيات ومراكز البحوث الطبية المتخصصة. ومع ذلك، يُعتقد أن الأبحاث في الدول العربية في مختلف المجالات الطبية لا تزال متخلفة مقارنة بالدول غير العربية في المنطقة.
ويحظى هذا التخصص من الطب بأهمية كبيرة بالنسبة للعالم العربي لأن العديد من عوامل خطر الإصابة بالعمى، مثل مرض السكري، منتشرة في العالم العربي حيث أن 6 من بين البلدان العشرة الأولى في العالم من حيث معدل انتشار مرض السكري توجد في الشرق الأوسط. وقد أدرك العديد من الباحثين العرب أهمية هذا الفرع من الطب الحيوي وقاموا بإطلاق مجلات محكمة مخصصة لطب العيون (مثل المجلة السعودية لطب العيون ومجلة جمعية طب العيون المصرية) لتشجيع الباحثين العرب في هذا المجال. وتتمثل إحدى طرق تقييم النشاط البحثي في أي بلد أو منطقة في إجراء التحليل الببليومتري الذي يستخدم الأساليب الإحصائية لتقييم إنتاجية البحث.
آخر المراجعات الببيليومترية حول تناول البحوث العربية لموضوع طب العيون هي تلك التي نشرها باحثون في دورية (Middle East African Journal of Ophthalmology) العلمية المتخصصة. وكشفت نتائج هذه الدراسة عن الارتفاع المطرد لعدد المنشورات العربية في السنوات الأخيرة مع تصدر مصر والعربية السعودية قائمة الدول العربية الأكثر نشرا في هذا المجال، فيما احتل كل من مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، وجامعتي الملك سعود والقاهرة المراتب الثلاثة الأولى في قائمة مؤسسات البحث العربية المنتجة لأكبر عدد من الأوراق العلمية.
قام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل جميع الأبحاث الأصلية ومقالات المراجعة المنشورة في مجلات طب العيون من قبل أطباء العيون والباحثين العاملين في علوم البصر المنتسبين إلى إحدى المؤسسات البحثية في دول جامعة الدول العربية في الفترة ما بين 1 يناير 2012 وديسمبر. 31 نوفمبر 2022.
وأحصى المؤلفون 4292 مقالة منشورة خلال فترة الدراسة في مجلات طب العيون على قاعدة بيانات قاعدة بيانات ISI World of Science لمؤلفين من مؤسسات عربية. وتضم هذه القاعدة 116 مجلة لطب العيون تمثل أهم المجلات في هذا المجال داخل المنطقة العربية وعلى المستوى الدولي.
تطور عدد البحوث المنشورة في مجال طب العيون في الدول العربية بين عامي 2012 و2022 (المصدر: الدراسة الببليومترية)
ولاحظ الباحثون تضاعف الإنتاج السنوي للمقالات البحثية العربية في مجال طب العيون أربع مرات تقريبًا ليقفز من 169 مقالا منشورا في عام 2012 إلى 621 في عام 2020 و645 في عام 2021. وفي عام 2022، انخفض عدد المنشورات بشكل طفيف إلى 527 منشورا فقط. وبشكل عام، سجلت الفترة ما بين عامي 2012 و2022 زيادة قدرها 2.11 ضعفًا في عدد المنشورات مقارنة بالعقد الذي سبقه.
.رغم هذا التطور في عدد الأوراق المنشورة فإن الإنتاج العلمي للدول العربية في مجال طب العيون يظل أقل بكثير مقارنة بالدول الأخرى فى العالم. ولم تمثل مخرجات البحوث في طب العيون من الدول العربية، وفق دراسة مراجعة سابقة، سوى 0.96% (أقل من 1%) من إنتاجية البحوث العالمية طوال الحقبة الممتدة ما بين عامي 1900 و2012.
وكانت الدول العربية التي نشرت أكبر عدد من الأوراق العلمية هي مصر (1653 المنشورات)، تليها المملكة العربية السعودية (1526)، والإمارات العربية المتحدة (338) ثم لبنان (299) وتونس (254). ويظهر التوزيع العالمي لمقالات طب العيون المنشورة بين عامي 2012 و2022 تصنيف كل من مصر والمملكة العربية السعودية ضمن أفضل 25 دولة لديها أكبر عدد من المنشورات في جميع أنحاء العالم. ويمثل مجموع منشورات هتين الدولتين ما يناهز ثلاثة أرباع إنتاج جميع الدول العربية في مجال طب العليون.
إجمالي عدد المنشورات في طب العيون بين عامي 2012 و 2022 حسب الدولة(المصدر: الدراسة الببليومترية)
وعلى العكس من ذلك، أنتجت الدول العربية ذات الدخل المنخفض مثل جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والصومال أقل عدد من المنشورات في أبحاث طب العيون في فترة الدراسة. علاوة على ذلك، كان أداء البلدان المتضررة من الحروب والصراعات الداخلية، بما في ذلك العراق وليبيا وفلسطين والصومال والسودان وسوريا واليمن، ضعيفا نسبيا من حيث مخرجات البحوث.
عند تعديل عدد المنشورات حسب حجم السكان في عام 2022، احتل لبنان المرتبة الأولى بنشره 54 ورقة في مجال طب العيون لكل مليون نسمة، تليها المملكة العربية السعودية 42 منشورا لكل مليون نسمة والإمارات العربية المتحدة 35 منشورا خلال فترة الدرسة. ولذلك يمكن اعتبار المملكة العربية السعودية ومصر ولبنان والإمارات العربية المتحدة المؤسسات الرائدة في أبحاث طب العيون في جامعة الدول العربية، كما يقول الباحثون.
من حيث اللغة، كانت غالبية المقالات المنتجة باللغة الإنجليزية (96.37٪) بينما كانت بقية المقالات باللغة الفرنسية (3.52٪)، والألمانية (0.07٪)، والإسبانية (0.05٪). وفي قائمة أفضل 25 مجلة محكمة تم استخدامها للنشر من قبل الباحثين العرب في طب العيون كانت دورية طب العيون السريري (Clinical ophthalmology) هو الأكثر استخداما ً(8.11%)، تليها المجلة السعودية لطب العيون (the Saudi Journal of Ophthalmology) (5.78%).
وفقًا لانتماء المؤسسات البحثية إلى الدول العربية، احتل مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى من حيث الإنتاجية العلمية بنشره 644 مقالًا، تليه جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية 585 وجامعة القاهرة 393 ورقة علمية.
وفيما يتعلق بالمؤسسات البحثية، لاحظ المؤلفون أن سبعة من المراكز العشرة الأولى الأعلى أداءً كانت عبارة عن مراكز جامعية بينما كانت البقية مراكز بحثية في المستشفيات مثل مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون. هذا المستشفى تأسس عام 1983، ويعد اليوم واحد من أكبر مستشفيات العيون المتخصصة في العالم بميزانية مكرسة لدعم الأنشطة المتعلقة بالأبحاث. ويعكس الوضع الحالي لهذا المستشفى بين مراكز البحوث الأخرى الموجودة في الجامعة كيف يمكن للدعم المالي المخصص للبحث خارج إطار الجامعة أن يعزز أبحاث طب العيون وزيادة الإنتاجية العلمية بصفة عامة.
المصادر
البريد الإلكتروني: gharbis@gmail.com