اشتُهر الجمل العربي بكونه سفينة الصحراء، لما لديه من قدرة على التحمّل الشديد لحرارة الجو والسفر البعيد في الصحراء. وهو يعدّ من الثدييات المعروفة التي يمكنها البقاء على قيد الحياة في ظلّ الظروف المناخية الحارة والقاسية. ويمكن أن يُعزى اللغز الكامن وراء مقاومته للحرارة إلى مجموعةٍ من التكيفات الفسيولوجية والتشريحية والسلوكية مثل الحفاظ على المياه، والتمثيل الغذائي الفعال.
السنة الدولية للإبليات 2024
حيث تتمتّع الإبل بكلى عالية الكفاءة، تمكنّها من تركيز البول وتقليل فقدان الماء، مما يسمح لها بإعادة امتصاص معظم الماء من بولها. وهذا يساعدها على البقاء رطبة في البيئات الحارة، والنادرة بالمياه. كما تمتلك الإبل أيضًا غددًا عرقية مخصّصة لتكون أكثر كفاءة في الحفاظ على الرطوبة، وذلك عن طريق إنتاج الحدّ الأدنى من العرق. وهذا يتيح لها تجنّب فقدان الماء الزائد من خلال التعرّق. بالإضافة لوجود الجلد السميك، وطبقة شحمية عازلة تحمي الإبل من أشعة الشمس المباشرة، وتساعد على تقليل امتصاص الحرارة. كما يمكن للجمال خفض معدّل التمثيل الغذائي عند الضرورة، مما يحافظ على الطاقة، ويقلّل إنتاج الحرارة خلال فترات الحرارة الشديدة. وتستطيع الإبل تحمّل التقلبات في درجة حرارة الجسم، مما يسمح لدرجة حرارتها الأساسية بالارتفاع في أثناء النهار، والانخفاض في أثناء الليل، وهذا يساعدها على تفادي ارتفاع درجة الحرارة.
لقد بحثنا عن التفسير الجزيئي الذي يساعد في هذا التكيّف، وعزلنا خلايا جسدية من الإبل، حيث تعرّضت هذه الخلايا في المختبر لدرجات حرارة قاسية بين فتراتٍ مختلفة. وفي بحثين اثنين، نُشرا في مجلات علمية محكمة:
– التحمّل الحراري ولدونة الخلايا الجسدية للإبل المعرضة للإجهاد الحراري الحاد والمزمن.
– تحمّل حرارة الخلايا الجسدية للجمل العربي المتأثّرة بنوع الخلية وطريقة التفكك.
أوضحنا التفسير الجزيئي للتحمّل الحراري للخلايا الجسدية للإبل بعد التعرّض لدرجة حرارة 45 درجة مئوية لمدة ساعتين (صدمة حرارية حادة)، و 20 ساعة متتالية (صدمة حرارية مزمنة). واحتفظت الخلايا المعرّضة لصدمة حرارية حادة بشكلها المغزلي الطبيعي دون أيّ تغييرات مورفولوجية ملحوظة. ولكن الصدمة الحرارية المزمنة قد شوّهت بشكلٍ كبيرٍ مورفولوجيا الخلية (شكل رقم 1- أ)، وأصبحت الخلايا متعدّدة الأضلاع بعد خمس ساعات من التعرّض للحرارة، ثم فُقدت الخلايا المصفوفة الخلوية وشكل المغزل تدريجياً. وأصبحت الخلايا ذات شكلٍ كروي مع نوى كروية وأوقفت حركية الخلية (شكل رقم 1- ب). وبعد نقل الخلايا لدرجة حرارة طبيعية احتفظت الخلايا بالشكل المستدير، واستعادت تدريجيًا المصفوفة الخلوية وشكل المغزل والنشاط الحركي بعد التعافي عند 38 درجة مئوية (شكل رقم 1 ج – د). وتوضح أفلام الفاصل الزمني هذا التغيّر الملحوظ في شكل وحركة الخلايا، قبل وخلال وبعد التعرّض للصدمة الحرارية المزمنة.
وعلى عكس خلايا الإبل، لم تكن خلايا الأبقار، أو الأغنام، أو الماعز، أو الخنازير قادرة على الاحتفاظ بالشكل الأصلي قبل الصدمة الحرارية، و تحلّلت الخلايا عند انتهاء التعرّض لصدمة الحرارة المزمنة التي أوضحناها في بحثٍ آخر.
وقد كانت السمات المشتركة للاستجابات الخلوية للإجهاد الحراري الحاد هي في زيادة بروتينات الصدمة الحرارية، والتعبير عن إنزيمات إصلاح الحمض النووي. بالإضافة لتنشيط بلمرة الأكتين، وإشارات خلوية بشكلٍ حاسمٍ كدفاع خلوي ضد الصدمة الحرارية. وأظهرت الخلايا المعرّضة لصدمة حرارية مزمنة تغيرًا في بنية الخلية مع انخفاضٍ في إجمالي البروتينات المكتشفة، والإنزيمات الأيضية، وتعبير البروتين الهيكلي الخلوي. وأدّى العلاج باستخدام مثبط بلمرة بروتين الأكتين (السيتوكالازين) إلى قمع التغيرات المورفولوجية للخلايا المعرضة لصدمة الحرارة الحادة، بينما أظهر استخدام مثبط مسار عامل النمو بيتا قمع التغيرات المورفولوجية للخلايا المعرضة لصدمة الحرارة المزمنة.
وخلال مرحلة التعافي عند 38 درجة مئوية لمدة 24 ساعة، استُعيدَت التغييرات البروتينية جزئيًا مع زيادة هائلة في تعبير بروتينات الصدمة الحرارية (بروتين 70)، واستعادت الخلايا شكلها الخلوي الطبيعي في اليوم التاسع من التعافي. وفي دراسةٍ أخرى تمت المقارنة بين قوة تحمل الخلايا الجسدية والبويضات، وأوضحت الدراسة القدرة الفائقة للخلايا الجسدية على تحمّل الحرارة الشديدة مقارنة بالبويضات. وتعكس هذه النتيجة قلّة النشاط التناسلي للإبل في موسم الصيف، الذي يتّسم بالحرارة الشديدة. بينما يزداد النشاط التناسلي عند تهيّؤ درجة الحرارة في فصل الشتاء وهو موسم التزاوج لدى الإبل.
خاتمة
إنّ استراتيجية الدفاع الخلوي مع الظروف الحرارية تعكس القدرة على التكيّف المرن لخلايا الإبل. ويمكن أن تكون المرونة الخلوية واللدونة وآلية التعافي من الإجهاد الحراري المزمن مثالاً لفهم الظاهرة المثيرة للاهتمام التي نوقِشَت حديثًا ألا وهي "استفاقة الخلايا".
شكل رقم 1: التغيير في شكل الخلايا و حركتها أثناء التعرّض للصدمة الحرارية المزمنة، و بعد الاستشفاء مدة 24 ساعة
فيديو مرفق
تواصل مع الكاتب: islamms@cnu.ac.kr
مواضيع ذات صلة
– السنة الدولية للإبليات 2024
– دراسة الجمل العربي
– الإبل في المختبرات البحثية لشعوب العالم
– العبث في الإبل العربية
– خلايا الجمل العربي ومقاومة الحرارة المميتة
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة