ومن ناحيةٍ أخرى، وهي الأهم أن تجد عدد الدراسات التي صدرت من دولةٍ ما حول موضوع معين قد قفز إلى آلاف الاستشهادات في سنة واحدة لكن المفاجأة أن تجد ذات الدولة وذات الباحثين وقد انحسرت إنتاجيتهم إلى عشرات فقط في السنة التالية. وهذا أمر يبعث على المفاجأة والتساؤل، ويُفضي إلى تفسيرين لا ثالث لهما، الأول أن هذه الدولة والجهات المُمَوِّلَة فيها قررت التوقف عن دعم هذا الموضوع لأنه لا يستحق ذلك ولا جدوى كبيرة منه، لكن التفسير الثاني الذي يُعتبَر الأهم، وهو إدراك الجهات العليا والمتخصصة في هذه الدولة أنّ الموضوع على درجةٍ عالية من الأهمية الاستراتيجية، وله تأثير كبير على المدى القريب، وعليه يجب أن يتم تصنيفه في خانة "يحظر النشر إلا بموافقة"، ولذا ربما تتسرب مقالات بسيطة وأكاديمية محدودة.
لقد برز خلال العام الماضي التنافس العلمي والبحثي المحموم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث أنّ بعض المجالات ازدهرت وكأنها "طفرة" استثنائية في عامٍ واحدٍ في الصين، لكنها سرعان ما انحسرت بشكلٍ كبير في العام التالي، والمثال على ذلك هو "الحوسبة الكميَّة" (Quantum Computing). ويعزز هذا التفسير أكثر من مؤشر، أهمها مدى الإنفاق الحكومي الرسمي في كلٍّ من الصين والولايات المتحدة، حيث أدركت الأخيرة أن الصين قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال. وبعد الازدهار الواضح فقد انحسر الإنتاج العلمي المنشور رغم الإنفاق المالي الكبير. لذا قررت الولايات المتحدة أن تسارع وتخصّص 1.2 مليار دولار في أكتوبر 2022 للبحث العلمي في الحوسبة الكمية، وأوكلت المهام الاستراتيجية الكبرى لخمسة معاهد وطنية موزعة على الولايات المتحدة للتنسيق فيما بينها وكذلك بين مجموعات البحث المميزة في العديد من الجامعات المتخصصة والتي تعمل في هذه المجالات. كما أنّ دولاً كثيرة من ضمنها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وخصوصاً ألمانيا وفرنسا، علاوة على الصين وأستراليا قد أخذت جميعها القرار بإنشاء برامج أكاديمية جامعية ومعاهد خاصة في "الحوسبة الكمية"، ويلتحق بها الطلاب بعد المرحلة الثانوية مباشرة، وتحظى باستقلالٍ واضح عن الكليات التقليدية مثل الهندسة والعلوم. والأهم أنّ الشركات الكبرى عالمياً مثل Google, Amazon, IBM, Microsoft, Baidu, Alibaba والكثير من الشركات الناشئة، تضخّ المزيد من ميزانياتها على مشاريع "الحوسبة الكمية".
إنّ تفاصيل هذا السباق ومآلاته موضحة في المراجع أدناه، وخلاصتها أنّ العاملين في هذا المجال وخصوصا الولايات المتحدة يدركون أنّ السبق في هذا المجال سوف يؤدي إلى تغييرٍ جذري في المشهد الحالي للحوسبة الرقمية، وأنّ المتصدر سوف تكون له الغلبة في الكثير من المجالات أهمها الفضاء، الاتصالات، الأمن السيبراني، الصناعات الرقمية، التعاملات المالية، والعملات المشفرة والكثير من التطبيقات المستقبلية.
وأخيراً، فمن باب مواكبة العالم في هذا المجال، فقد خصصت وزارة الدفاع في قطر ممثلة بشركة برزان القابضة، في أبريل من العام 2022 منحة بحثية هي الأكبر من نوعها إذ بلغت 10 ملايين دولار لتنفيذ مبادرة وطنية حول الحوسبة الكمية.
مراجع:
1- Deshpande A. 2022. Assessing the Quantum Computing Landscape. Communications of the ACM.
2- https://www.newyorker.com/magazine/2022/12/19/the-world-changing-race-to-develop-the-quantum-computer
3- https://fortune.com/2022/09/02/quantum-computing-cryptography-companies-arms-race/
4- https://www.marketplace.org/shows/marketplace-tech/inside-the-high-stakes-of-the-quantum-computing-race/
5- https://www.businessofbusiness.com/articles/whos-winning-the-quantum-computing-race-china-and-the-us-are-neck-and-neck/
6- https://idstch.com/technology/quantum/quantum-memory-for-quantum-computers/
7- https://www.irinsider.org/business-and-technology/mzl9ofguv52sydw41nmgmw4gcwadx8
8- https://www.hbku.edu.qa/en/news/CSE-OTHER-RMGFBH
تواصل مع الكاتب: bshomar@qu.edu.qa
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة