عدوى الضمة الضارة Vibrio vulnificus هي السبب الرئيسي للوفاة المرتبطة باستهلاك المأكولات البحرية في الولايات المتحدة. تُسبّب هذه البكتيريا الفتاكة سالبة الجرام متلازمتين مختلفتين. الأولى هي تسمم الدم الأولي القاتل الناجم عن تناول المأكولات البحرية النيئة أو غير المطبوخة جيدًا، وخاصة المحار الخام. والثانية التهاب الجرح الناخر المكتسب عندما يتعرّض الجرح المفتوح لمياه البحر الدافئة مع تراكيز عالية من V. vulnificus.
يُصاب معظم المرضى، بما في ذلك المصابين بعدوى أولية، بتسمّم الدم نتيجة للعدوى، والتهاب النسيج الخلوي الحاد مع بثورٍ كبيرة على الجلد مملوءة بسائلٍ صافٍ. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يحدث إلتهاب اللفافة الناخر (هو ما يُعرف بعدوى بكتيريا آكلة اللحم) وهي عدوى بكتيرية نادرة تنتشر بسرعة في الجسم ويمكن أن تسبّب الوفاة. وفي حالة تسمّم الدم تصل معدلات الوفاة الى 50 % وحوالي 15 % لعدوى الجروح. يشمل علاج عدوى الضمة الضارة، المضادات الحيوية، وعلاج الجروح المكثف، والرعاية الداعمة. ومعظم المرضى الذين يصابون بالعدوى لديهم حالة واحدة على الأقل مثبطة للمناعة. ويمكن أن يؤدي وعي الطبيب بعوامل الخطر لعدوى الضمة الضارة جنبًا إلى جنب مع التشخيص والعلاج الفوريين إلى تحسين نتائج المرضى بشكلٍ كبير.
حول البكتيريا
Vibrio vulnificus هي نوع من البكتيريا سالبة الجرام، متحركة، ذات شكل منحني وهي جزء من جنس Vibrio وعائلة Vibrionaceae. ومن بين الأعضاء الآخرين في هذه العائلة ضمة الكوليرا و V. parahaemolyticus، وكلاهما يسبب مرضًا معديًا معويًا حادًا، من أهم أعراضه الإسهال الشديد. وعلى عكس الأنواع الأخرى في هذه العائلة، تُعدّ عدوى V. vulnificus غازية للغاية. وحتى مع التشخيص الفوري والعلاج القوي، فإنّ معدل وفاة الحالات المصابة بها مرتفع وقد يصل الى 50%.
وبائية المرض
هذه البكتيريا شائعة في مياه البحر الدافئة ويزداد نموّها في درجات حرارة أعلى من 68 درجة فهرنهايت (20 درجة مئوية). لا يرتبط الكائن الحي بالتلوّث أو الفضلات والبراز. ولا يتأثّر مذاق المأكولات البحرية ومظهرها ورائحتها بالتلوث ببكتيريا V. vulnificus، كما أنّ طرق الطهي المناسبة تقتل الكائن الحي بسهولة. ومعظم إصابات V. vulnificus تُعزى إلى استهلاك المحار الخام.
ما يقرب من 25 % من عدوى V. vulnificus ناتجة عن التعرّض المباشر لجرحٍ مفتوحٍ لمياه البحر الدافئة التي تحتوي على الكائن الحي. يحدث التعرّض عادةً عندما يشارك المريض في أنشطةٍ مائية مثل ركوب الزوارق أو صيد الأسماك أو السباحة. وتُعزى العدوى أحيانًا إلى ملامسة المأكولات البحرية النيئة.
V. vulnificus هي واحدة من الميكروبات القليلة التي تنتقل عن طريق الأغذية لكن هنالك تزايد في نسبة حدوثها. وتقدِّر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أنّ متوسط الإصابة السنوية لجميع حالات العدوى بالضمة قد زاد بنسبة 41 % بين عامي 1996 و2005. وتؤكّد هذه البيانات على حاجة الأطباء إلى التعرّف على عوامل الخطر والخصائص السريرية لعدوى V. vulnificus.
عوامل الخطر
بعد دخول الكائن الحي إلى الجسم، تحدّد عدة عوامل ما إذا كان المرض يتطور أم لا. فالمرضى الذين يعانون من أمراض الجهاز المناعي، وخاصة مرض الكبد الكحولي أو التهاب الكبد B أو C، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى. وأدناه، جدولٌ يوضح عوامل الخطر للإصابة بعدوى الضمة الضارة:
البيانات مأخوذة من مركز السيطرة على الأمراض والوقاية.
يُعدّ تراكم الحديد، شائعًا في المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد وغيرها من حالات نقص المناعة الذين يصابون بعدوى V. vulnificus. وفي الدراسات التي أُجريت على الإنسان والحيوان، أدّت المستويات المرتفعة من الحديد الحر إلى زيادةٍ ملحوظة في نمو vulnificus V. . ومن المعروف أنّ المرضى المصابين بأمراض الكبد المزمنة هم أكثر عرضة للإصابة بتسمّم الدم والوفاة، حيث أنه حوالي 80% من الوفيات تحدث لدى مرضى الكبد. وتمتلك هذه البكتيريا العديد من الخصائص التي تسهّل تطوّر المرض السريري. وتتمتع السلالات التي تمتلك حافظة Capsule بضراوة عالية. بالإضافة إلى ذلك، تنتج V. vulnificus العديد من الإنزيمات الهاضمة والمحللة مما يمكّنها من تدمير الخلايا والأنسجة، وتمكّن البكتيريا من الانتشار إلى أماكن مختلفة.
الأعراض السريرية
المرضى الذين يعانون من تسمّم الدم الأولي الناجم عن عدوى V. vulnificus يحتاجون إلى عنايةٍ بالمستشفى. وتشمل الأعراض كل من الحمى، والإسهال، والغثيان، والقيء. كما يعاني نصف المرضى من تغيرات في الحالة الذهنية، وما يقرب من ثلثهم يتعرّضون لانخفاضٍ حاد في ضغط الدم ناجم عن العدوى، مما يُعرّض أجسامهم لحالةٍ من الصدمة، عند دخول المستشفى في غضون 24 ساعة من ظهور الأعراض. ويصاب أكثر من نصف المرضى بآفات جلدية مميزة لالتهاب النسيج الخلوي الحاد مع بثور مليئة بسائل صافي. ويجب أخذ عدوى V. vulnificus في الاعتبار عند المرضى الذين يعانون من تسمم الدم والآفات الجلدية الشديدة، وينبغي سؤال المرضى عن استهلاك المحار الخام والتعرّض لمياه البحر.
إنّ المرضى الذين يعانون من التهابات الجروح الأولية الناجمة عن V. vulnificus يصابون بالتهاب النسيج الخلوي المؤلم الذي يتطور بسرعة، يصاحبه تورم الأنسجة المحلية ملحوظ مع الفقاعات النزفية. وتشمل الأعراض الجهازية الحمى والقشعريرة. وفي حالاتٍ نادرة يعاني المرضى المصابون بعدوى V. vulnificus من إلتهاب المعدة والأمعاء الشائع. ويجب أخذ العدوى في الاعتبار لدى المرضى الذين يعانون من نقص المناعة الذين تعرضوا مؤخرًا لمياه البحر أو تناولوا المأكولات البحرية النيئة. ومن الممكن ظهور أعراضٍ أخرى في كثيرٍ من الأحيان، تشمل: إصابة مواقع الغشاء المخاطي، وقرحة القرنية بعد تناول المأكولات البحرية، وعدوى بعد تلقي غسيل الكلى من معدات ملوثة بمياه البحر.
التشخيص
يعرض الجدول أدناه المسبّبات والتشخيص لعدوى الأنسجة الرخوة العدوانية. إنّ معظم هذه الالتهابات تسبّبها مجموعة البكتيريا العقدية (Streptococcus pyogenes) والمكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus). وغالبًا ما تكون العدوى بالتهاب اللفافة الناخر متعددة الميكروبات.
جدول لمسببات التهابات الأنسجة الرخوية الفتاكة
عند دخول المستشفى، تشير النتائج المختبرية للمرضى المصابين بعدوى V. vulnificus إلى عدوى بكتيرية شديدة، مع تحوّلٍ ملحوظ إلى اليسار في تعداد خلايا الدم البيضاء (تعبير للدلالة على انتاج خلايا دك بيضاء غير ناضجة). كما أنّ إصابة الكلى مع ارتفاع مستوى الكرياتينين في الدم تعدّ شائعة.
وتُظهِر دراسات التصوير الشعاعي (على سبيل المثال، التصوير بالموجات فوق الصوتية والتصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي) للأنسجة المصابة تغيّرات غير محددة مثل استسقاء الأنسجة الرخوة وجيوب السوائل. قد تساعد هذه النتائج في استبعاد الحالات الأخرى وتوجيه محاولات الشفط وتوقيت التدخل الجراحي. ولأن إنتانات الدم شائعة، يجب إجراء مزارع الدم الروتينية عند الاشتباه في الضمة الضارة. وغالبًا ما تكون الفقاعات والكدمات والخراجات مواقع مستهدفة للحصول على عينات لإجراء صبغة جرام ومزرعة بكتيرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحليل صبغة جرام، والمزرعة، والمقاطع المجمدة للأنسجة مفيد في التعرّف على البكتيريا وتشخيص التهاب اللفافة الناخر. وتتطلب مزارع البراز أجار السكروز أملاح الصفراء ثيوسلفات سيترات TCBS للعزل.
العلاج والتشخيص
العلاج بالمضادات الحيوية الموصى به لعدوى V. vulnificus هو الدوكسيسيكلين، 100 مجم في الوريد أو عن طريق الفم (Vibramycin) مرتين في اليوم؛ بالإضافة إلى سيفتازيديم، 2 غرام في الوريد كل ثماني ساعات. أما العلاجات البديلة للمضادات الحيوية فهي سيفوتاكسيم، 2 غرام في الوريد كل ثماني ساعات؛ أو سيبروفلوكساسين 750 مجم عن طريق الفم أو 400 مجم عن طريق الوريد مرتين في اليوم. وبالإضافة إلى المضادات الحيوية، قد يحتاج العديد من المرضى إلى علاجٍ داعمٍ قوي في العناية المركزة. فالعناية بالجروح العدوانية والسريعة ضرورية. وهناك التنظير الجراحي للتخلص من الخراج. وفي بعض الأحيان، ثبت أن البتر يقلّل من معدل الوفيات.
وعادةً ما تكون عدوى الضمة الضارة قاتلة، ويرتبط الشفاء ارتباطًا مباشرًا بسرعة ودقة التشخيص والعلاج. فعندما تأخر العلاج لمدة 24 ساعة في المرضى الذين يعانون من تسمّم الدم، ارتفعت معدلات الوفيات من 33 % إلى 53 %. كما ارتفعت معدلات الوفيات إلى 100 % لدى المرضى الذين لم يعالَجوا في غضون 72 ساعة. وتظهر البيانات الحديثة أنه عند الجمع بين جميع أنواع عدوى الضمة الضارة، يصل معدل الوفيات الإجمالي إلى 35 %.
الوقاية
التسمّم الدموي المرتبط ب V. vulnificus ينتج عادةً عن تناول المحار النيئ. ويمكن منع معظم الأمراض عن طريق عدم تناول هذا الطعام. كما أنّ الحد من استهلاك المحار النيء في أشهر الشتاء يمكن أن يقلّل من خطر الإصابة بالعدوى. إنّ المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد المزمنة أو أمراض المناعة معرّضون بشكلٍ خاص للعدوى، ويجب نصحهم بتجنّب المأكولات البحرية النيئة أو غير المطبوخة جيدًا. كما يجب على الأشخاص المصابين بجروحٍ مفتوحة تجنّب ملامسة مياه البحر الدافئة.
توصيات لتقليل مخاطر الإصابة بعدوى Vibrio vulnificus
– تجنّب ملامسة سوائل المأكولات البحرية النيئة؛ استخدم ألواح تقطيع وسكاكين منفصلة للمأكولات البحرية وغير البحرية.
– تجنّب تناول المحار النيء أو المأكولات البحرية، خاصةً في حالة وجود حالة مناعية أو مرض مزمن في الكبد؛ يكون الخطر أكبر مع المأكولات البحرية التي يتم حصادها في الصيف.
– طهي المحار جيدًا: قم بتبريد بقايا المأكولات البحرية على الفور، وارتدِ قفازات عند التعامل مع المحار النيء أو المحار.
الأشخاص المصابون بجروحٍ مفتوحة:
– تجنب ملامسة الجروح المفتوحة ومياه البحر، خاصة إذا كانت درجة حرارة الماء أكثر من 68 درجة فهرنهايت (20 درجة مئوية)، أو المأكولات البحرية النيئة.
– إغسل أي جرح يتعرض لمياه البحر بالصابون والماء النظيف.
– أطلب الرعاية الطبية فورًا لأي جرح يبدو ملتهبًا.
تواصل مع الكتاب: elmanama_144@yahoo.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة