في تطور ملحوظ لفهم آلية عدم استجابة المصابين بالالتهاب الكبدي الوبائي (سي) للعلاج، استحدث أساتذة الفيزياء الحيوية الدكتور محمد صبري يوسف والدكتور إدوارد عقاد وزملاؤهما طريقة جديدة للتنبؤ بسلوك سلالة مصرية من فيروس الالتهاب الكبد الوبائي "سي"، الذي لا يوجد له علاج ناجع معروف حتى الآن.
ووفقا للدكتور محمد صبري يوسف، أستاذ الفيزياء الحيوية بجامعتي القاهرة وجنوب الينوي فأن تحليلهم لسلالة فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي، الذي يؤثر على 20 في المئة من سكان مصر، قد أسفرت عن نتائج تعتبر "علامة فارقة قابلة للتطبيق عالميا."
ولقد أثارت طريقتهم الجديدة انتباه العلماء في جميع أنحاء العالم والذين بدأوا في التواصل معهم بهدف استخدام ذلك الاسلوب الجديد لتطوير علاج لالتهاب الكبدي "سي" للسلالات الخاصة ببلدانهم. وقال الدكتور محمد صبري يوسف لموقع SciDev.Net : "في غضون شهرين من نشر مقالنا (الورقة العلمية) في مجلة البنية الجزيئية البيولوجية والحيوية، أصبحت واحدة من أكثر المقالات قراءة على موقع المجلة، لتحتل المرتبة الرابعة بين التنزيلات ".
يتعاون معهما من مصر، الدكتورة سلوى فاروق ثابت، من قسم علم الحيوان جامعة القاهرة، والتي قامت بتحليل تسلسل الأحماض الأمينية للفيروس. وقد قامت جامعة جنوب إلينوي بتمويل نشر البحث في حين قدمت مبادرة الأمراض المعدية الإنجليزية ويلكوم ترست بتمويل جزئي للمشروع. وقال عبد اللطيف حمد رئيس قسم الفيزياء بجامعة جنوب إلينوي أن القسم يفخر بالتعاون البحثي بين عقاد ويوسف. وأضاف: "إن النتيجة الأولى لهذا التعاون هو هذه الورقة البحثية عالية الجودة التي تم الاطلاع عليها من قبل أكثر من 300 باحث خلال الشهر الأول من نشرها".
التهاب الكبد الفيروسي (سي)
ويعتبر التهاب الكبد الفيروسي (سي) (Hepatitis C) أكثر شيوعاً في بعض البلدان، مثل أفريقيا وجنوب آسيا. ويوجد أكثر من 21 مليون شخصًا حاملًا لفيروس التهاب الكبد الوبائي (سي) في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية. كما يعتبر هذا المرض شائعاً جداً في مصر بسبب علاج البلهارسيا واستخدام حقن غير معقّمة جيداً لمداواة عدد كبير من المرضى. ولم يتم اكتشاف هذا الفيروس قبل سنة 1989م، ولذلك فإن التهاب الكبد الفيروسي (سي) يشكل حوالي 90% من حالات التهاب الكبد الناتجة بسبب تلوث الدم المنقول. وقد بدء الفحص للكشف عن فيروس التهاب الكبد (سي) في عام 1992 م.
وهو مرض معدٍ يصيب الكبد، ويعد من الأسباب المهمة لالتهاب الكبد المزمن، وليس له أعراض في المراحل الأولى من الاصابة ولا يسبب التهابا حادا في الكبد. وتتحول الإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي (سي) إلى اصابة مزمنة في حوالي 75% من حالات العدوى بالفيروس، ويصاب حوالي 20% منهم بتليف الكبد في المراحل المتقدمة، كما أن نسبة معينة من المرضى يصابون بسرطان الكبد نتيجة لالتهاب الكبد المزمن.
طريقة جديدة للتنبؤ بسلوك سلالات الفيروس
ومن خلال دراسة التركيب الوراثي لسلالة أمريكية، قام العلماء ببناء نموذج بنيوية ثلاثية الأبعاد والتي يمكن أن تؤدي إلى التقدم في مجال الطب، وعلاج الإصابة بفيروس الالتهاب الكبد الوبائي في نهاية المطاف. واستخدم الدكتور محمد صبري يوسف وفريقه السلالة الفيروسية المصرية لبناء نموذج للتنبؤ بسلوك الفيروس المصري معتمدًا على التركيب البلوري للسلالة الفيروسية الأمريكية.
ووفقا ليوسف فإن نمذجة سلوك الفيروس تشكل تحديا كبيرًا، وانهم مازالوا بحاجة لدراسة البروتينات التي تعتبر أساسية لدورة حياة الفيروس، ولكن هذه البروتينات صغيرة جدًا بحيث لا يمكن ملاحظتها من خلال المجاهر التقليدية. والأحماض الأمينية وهي لبنات بناء البروتينات والتي يمكن أن نتخيلها على شكل عقد أو مسبحة من الخرز، يمكن طي كل خيط من الخرز على شكل بنية ثلاثية الأبعاد وربطها بالنسخة الأمريكية، وبعد ذلك تستخدم البرمجيات لتحليل نسخة مترابطة من السلالة المصرية.
ويمكن ذلك ايضا من خلال تقنية تجريبية تسمى "عِلْم التصوير البِلَّورِي"، حيث يسقط ضوء الأشعة السينية على بلورات البروتين والتقاط صورة واضحة ثلاثية الأبعاد للبروتين محل الدراسة. واستخدم الباحثون هذه الصورة ثلاثية الأبعاد للتنبؤ بسلوك السلالة المصرية باستخدام الأدوات الحاسوبية، مثل "محاكاة الديناميات الجزيئية" -وهي التقنية التي يتم من خلالها تحريك كل ذرة من البروتين وفقا لروابطها والبيئة المحيطة بها.
وأضاف يوسف ان عملية محاكاة الديناميات الجزيئية لم يتم استخدامها من قبل على السلالة المصرية. قائلا: "اننا تستخدم أدوات متوفرة للعلماء في جميع أنحاء العالم ولكننا فقط نطبقها بشكل مبتكر لدراسة السلالة المصرية".
وقال الدكتور ادوارد عقاد (ذو الاصول المصرية)، استاذ الفيزياء بجامعة جنوب الينوي: "هناك روابط هيدروجينية بين ثلاثة أحماض أمينية هامة في كلا من السلالتين الأمريكية والمصرية. وهذه الأحماض الأمينية الثلاثة هي الجزء النشط من البروتين الذي يقوم بالعمل." وأضاف: "ومع ذلك، ففي السلالة المصرية، فإن الروابط أكثر مرونة مما يعني أنها أضعف بكثير"، وأكد أن: "هذا يكشف شيئا في سلوك كيفية عمل السلالة المصرية يمكن أن يكون أساسًا لمقاومتها للأدوية".
وقال يوسف ان سلالة الفيروس المصرية قد تطورت بحيث تكون أضعف إلى حد ما، ولكن في الوقت نفسه أصبحت "محصنة ضد الرصاص" وتفلت من نظم الأدوية المعروفة. ومن خلال فهم آلية "مقاومة الرصاص" تلك، فانه يمكننا تصميم "رصاص" أكثر فعالية. وأضاف: "ان البحث يطرح المزيد من الأسئلة الهامة المتصلة بالمقاومة التي تبديها السلالة المصرية للأدوية، كما نعتقد أن هذا الأسلوب يمكن أن يكون قابلًا للتطبيق عالميًا على العديد من الفيروسات الأخرى ".
في المرحلة المقبلة المقترحة من البحوث، سوف يدرس الفريق البحثي كيفية تفاعل التراكيب الوراثية مع الأدوية. فعلى سبيل المثال، فأنهم سيحاولون تحديد كيف يترجم الاختلاف في ديناميكية الروابط داخل الفيروس لمقاومة الأدوية. ولديهم الآن نظرة ثابتة ثلاثية الأبعاد وشريط فيديو يظهر سلوك جزء أساسي من الفيروس. يعرض هذا الفيلم الاختلافات الحركية بين السلالات المصرية والأمريكية من الفيروس.