من المرجح أن يؤدي النمو المتزايد لعدد السكان في العالم إلى زيادة الطلب على الغذاء الذي سيصعب تلبيته باستخدام النظم الزراعية الموجودة حاليا مع عدم توفر زيادة مكافئة في الأراضي الزراعية. كما قد تؤدي التغيرات المناخية إلى تفاقم الوضع الغذائي مع ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة تملح المناطق الساحلية. وعلى الرغم من أن معظم المصادر الغذائية النباتية حساسة للملوحة، فقد تطورت بعض النباتات لتتحمل الملح وتوفر إمكانات زراعتها في المناطق ذات التربة الملحية أو القاحلة التي لا تتوفر فيها مياه صالحة كافية للزراعة مثل منطقة الخليج العربية أو المناطق المروية بالمياه المالحة.
في دراسة علمية جديدة صدرت مؤخرا في دورية (َAgronomy)، قام فريق من الباحثين من جامعة سساكس البريطانية (University of Sussex) بإجراء مراجعة علمية للبحوث العلمية السابقة لتحديد قائمة النباتات الملحية في دول الخليج العربية والتي يمكن تطويرها كمحاصيل. وتهدف الدراسة إلى جلب انتباه المزارعين وصانعي القرار في المنطقة إلى الآفاق الممكنة لزراعة النباتات الملحية والتي يمكن ريها بالمياه قليلة الملوحة واستخدامها كعلف أو لتثبيت الأرض أو إنتاج الكتلة الحيوية للوقود. وأكد الباحثون أن هذه الخطوات ستمهد على المدى الطويل لزراعة المحاصيل البستانية وتلك المزروعة من أجل توفير الغذاء أو انتاج المستحضرات الصيدلانية.
بحسب مؤلفي الدراسة، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي سواحل طويلة على الخليج العربي أو المحيط الهندي أو البحر الأحمر، لذا فهي تتمتع بوصول غير محدود إلى مياه البحر. غالبًا ما تتأثر الأرض بالملوحة، مما ينتج عنه تربة مالحة. ومن المتوقع في المستقبل، أن تزداد مساحة الأراضي المتأثرة بالملوحة مع ارتفاع مستوى سطح البحر. من ناحية أخرى تعاني المنطقة من نقص شديد في هطول الأمطار الذي لا يتجاوز في المتوسط 140 مليمترا سنويا، لذلك تقع دول المنطقة تحت ضغط مائي شديد حيث لا تتجاوز حصة الفرد الواحد من المياه المتجددة 200 متر مكعب لكل فرد في السنة.
في ظل هذه الظروف لجأت دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاعتماد بشكل كبير على تحلية مياه البحر أو المياه الجوفية للحصول على المياه العذبة. وبحسب الدراسة، فقد تركزت حوالي 76٪ من قدرة تحلية مياه البحر العالمية في عام 2010، في الخليج العربي، كان نصيب الإمارات العربية المتحدة منها حوالي 35٪، تليها المملكة العربية السعودية بنسبة 14٪ (و20٪ أخرى في البحر الأحمر) والكويت 14٪ وقطر 8٪ والبحرين 5٪.
قدرت الطاقة الإجمالية لتحلية المياه في دول الخليج في ذلك العام، بما يناهز خمسة مليارات متر مكعب في السنة، ومن المتوقع أن ترتفع إلى تسعة مليارات متر مكعب في السنة، بحلول عام 2030.
تعتبر المياه المخصصة للاستخدام الزراعي محدودة للغاية في دول مجلس التعاون الخليجي. وبالنظر إلى ارتفاع الطلب على الغذاء الناتج عن نمو السكان، يقول المؤلفون إن هناك حاجة واضحة لأشكال مستدامة من الزراعة في البلدان ذات المناخ الجاف والإمدادات المحدودة من المياه العذبة. ودعوا إلى استخدام المحاصيل التي تتحمل الملح في التربة المتأثرة بالملوحة أو في الري بمياه مالحة.
نبتة Tecticornia sp. تتحمل ضعف تركيزات ملح مياه البحر
يختلف تحمل النباتات للملح بين تلك التي تموت عند التعرض لتركيزات منخفضة، مثل بعض أنواع نبتة الحمص وتلك التي تتحمل ضعف تركيزات ملح مياه البحر، على سبيل المثال ، Tecticornia sp. .. نظرًا إلى أن معظم المحاصيل المزروعة حساسة للملوحة، فإن تطوير الزراعة "الملحية" يتطلب رفع درجة تحمل المحاصيل التقليدية المزروعة حاليا أو تدجين النباتات الملحية.
نخيل التمور من بين النباتات المقاومة نسبيا للملوحة
من بين المحاصيل التقليدية، تعتبر بعض الأنواع مثل نخيل التمور والكينوا والسبانخ والشعير والقمح متحملة نسبيًا للملوحة (مقارنة بالمحاصيل الأخرى مثل الحمص)، ويزرع بعضها داخل دول مجلس التعاون الخليجي. على سبيل المثال، أنتج نخيل التمر ( Phoenix dactylifera ) ، أحد أكثر النباتات التي تتحمل الملح شيوعا في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، حوالي 2,3 مليون طن من التمور، وهو ما يمثل حوالي 26 ٪ من الإنتاج العالمي خلال عام 2019.
استخدم الباحثون قاعدة البيانات eHALOPH ، للنباتات التي تتحمل الملح لإنشاء قائمة بالنباتات الملحية ذات القيمة المحتملة في دول مجلس التعاون الخليجي. وتمكنوا من تحديد 24 نباتا ملحيا بمنطقة الخليج ومدرجا بقاعدة البيانات منها 14 نباتا يمكن استخدامه كعلف للحيوانات سواء للرعي أو لإنتاج الأعلاف. وتتمتع جميع هذه النباتات الملحية أيضا بإمكانيات خاصة لتثبيت التربة في دول مجلس التعاون الخليجي نظرا لطبيعتها الرملية غير المستقرة. كما يمكن استخدام بعض الأنواع منها لإنتاج الوقود الحيوي.
ومن بين النباتات الملحية المتوفرة في الخليج نبتة القرم البحري أو المنغروف (Avicennia marina) التي يمكن استخدامها لدعم مصايد الأسماك وفي طب الأعشاب والعلف، والدمس السناني (Conocarpus lancifolius) لتصنيع المواد الصيدلية وتثبيت التربة وصد الرياح، والسويداء المصرية (Suaeda aegyptiaca) للعلف والوقود الحيوي، والسويداء أحادية المسكن (Suaeda monoica) للرعي والعلف، ونبتة الهرم القطري (Zygophyllum qatarense) للرعي.
نبتة الهرم القطري (Zygophyllum qatarense) المقاومة للملح
يمكن استخدام النباتات الملحية كجزء من النظام الغذائي للحيوانات المجترة حيث ترعى الحيوانات على النباتات المحلية أو النباتات الملحية المزروعة. وعند تحضير العلف، يتعين دمج مكونات النباتات الملحية مع المواد التقليدية الأخرى من أجل تقليل تركيز الملح. وأشار الباحثون أن النباتات الملحية ثنائية الفلقة تحتوي بشكل عام على نسب صوديوم وبوتاسيوم أعلى من النباتات الملحية أحادية الفلقة، مما يجعل الأخيرة أكثر ملاءمة من الأنواع ثنائية الفلقة كعلف للحيوانات.
وبحسب الدراسة، هناك ثروة من البيانات حول المغذيات والمستحضرات الصيدلانية الموجودة في النباتات الملحية، والتي يتضح منها أن تركيز المواد الثانوية (المستقلبات) يمكن أن تتأثر بتركيز الملح الخارجي، وغالبا ما تزداد مع زيادة الملوحة الخارجية. وبالتالي، فإن تطوير النباتات الملحية كمصادر للمواد الكيميائية يتطلب تحديد الملوحة المثلى للإنتاج.
غير أن مؤلفي الدراسة يحذرون من أن المياه المالحة ليست آمنة بالضرورة للاستخدام في جميع الظروف دون دراسة متأنية للتربة المحلية والصرف. فعند استخدام الماء المحتوي على كلوريد الصوديوم الذائب، من المهم أن تكون التربة رملية ذات جزء طيني منخفض، وأن لا يؤدي تسرب الملح في التربة إلى تلويث المياه الجوفية غير المالحة. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تتوفر مواقع مناسبة في دول مجلس التعاون الخليجي، ذات تربة رملية تتوفر فيها الخاصيات المذكورة. ومع ذلك، سيكون من الضروري إجراء تقييم فردي للظروف المثلى لزراعة الأنواع النباتية المقاومة للملوحة والتي أدرجها الباحثون في الجدول 3 من الدراسة.
المرجع
Distribution and Potential Uses of Halophytes within the Gulf Cooperation Council States
By: Mohammed J. Al-Azzawi and imothy J. Flowers
Department of Evolution, Behaviour and Environment, School of Life Sciences, University of Sussex, UK
Agronomy 2022, 12(5), 1030; https://doi.org/10.3390/agronomy12051030
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة