أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة
الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
البريد الإلكتروني: elmanama_144@yahoo.com
إسلام المناعمة
الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
البريد الإلكتروني: elmanama1996@gmail.com
مقدمة
عادة تأخذ اللقاحات كإجراء وقائي قبل التعرض للميكروب الممرض. لكن هناك حالات قليلة يمكن للقاح أن يعطى للإنسان بعد التعرض ومن هذه الحالات التعرض لفيروس داء الكلب. داء الكلب أو السعار هو مرض فيروسي ينتقل عن طريق الحيوانات الثدية مثل: القرود، الثعالب، القطط، الخفافيش وغيرها؛ ولكن تعتبر الكلاب هي الأكثر شيوعاً. كما ينتقل بين الحيوانات؛ لكن لا ينتقل بين البشر. غالباً ما يكون المرض مميتاً بمجرد أن تظهر العلامات والأعراض على المصاب. يعتبر الفيروس المسبب لهذا المرض الأكثر قدرة على القتل بين الفيروسات التي تصيب البشر. وتصل نسبة الوفيات الى حوالي 100% بدون تدخل طبي.
يصيب فيروس داء الكلب الجهاز العصبي المركزي. وإذا لم يتلق الشخص الرعاية الطبية المناسبة بعد التعرض المحتمل لداء الكلب، يمكن للفيروس أن يسبب ضراراً بالغاً في الدماغ، مما يؤدي في النهاية إلى الوفاة. يمكن الوقاية من داء الكلب عن طريق تطعيم الحيوانات الأليفة والابتعاد عن الحياة البرية والبحث عن رعاية طبية بعد التعرض المحتمل(مباشرة) وقبل بدء الأعراض.
طرق الانتقال
ينتقل فيروس داء الكلب من خلال الاتصال المباشر (مثل الجلد أو الأغشية المخاطية في العين أو الأنف أو الفم) مع اللعاب أو أنسجة المخ / الجهاز العصبي من حيوان مصاب. عادة ما يصاب الناس بداء الكلب من عضة حيوان مسعور. من الممكن أيضاً، ولا يرتبط الاتصال العرضي، مثل لمس شخص مصاب بداء الكلب أو ملامسة السوائل أو الأنسجة غير المعدية (البول والدم والبراز) بخطر الإصابة. أيضاً لا يشكل الاتصال بشخص تلقى التطعيم ضد داء الكلب خطرا الإصابة بالمرض، ولا يمثل خطراً للإصابة بالعدوى، ولا يتطلب العلاج الوقائي بعد التعرض.
يصبح فيروس داء الكلب غير معدي (غير فعال) في الظروف الجافة وعندما يتعرض لأشعة الشمس. وتؤثر الظروف البيئية المختلفة على المعدل الذي يصبح فيه الفيروس غير نشط، ولكن بشكل عام، إذا كانت المادة التي تحتوي على الفيروس جافة، تقل إمكانية عدوى الفيروس.
الكائن المسبب
ينتمي فيروس داء الكلب إلى رتبة Mononegavirales، وهي فيروسات ذات جينومات RNA غير مقسمة وسلبية. ضمن هذه المجموعة، يتم تصنيف الفيروسات ذات الشكل الذي يوصف ب "الرصاصة" التي تتميز به عائلة Rhabdoviridae التي ينتمي لها فيروس داء الكلب Rabies virus
تركيب فيروس داء الكلب Rabies virus
يبلغ طول الفيروس المسبب لداء الكلب 180 نانومتر تقريباً وعرضها 75 نانومتر. يشفر جينوم داء الكلب خمسة بروتينات: البروتين النووي (N) والبروتين الفسفوري (P) وبروتين (M) والبروتين السكري (G) والبوليميراز (L). تحتوي جميع فيروسات rhabdovirus على مكونين بنائييين رئيسيين: لب بروتين نووي حلزوني (RNP) ومغلف محيط. في RNP، يتم تغليف الحمض النووي الريبي الجينومي بإحكام بالبروتين النووي.
مسار فيروس داء الكلب
من خلال العديد من الدراسات التي أجريت على الكلاب والقطط والقوارض المصابة بداء الكلب، نعلم أنه عندما ينتقل فيروس داء الكلب إلى العضلة من خلال عضة حيوان آخر، فإنه ينتقل من مكان العض إلى الدماغ عن طريق التحرك داخل الأعصاب. حيث لا يبدو الحيوان مريضاً خلال هذا الوقت. ويُطلق على الوقت بين العضة وظهور الأعراض فترة الحضانة وقد تستمر من أسابيع إلى شهور. لا تحمل عضة الحيوان أثناء فترة الحضانة خطر نقل داء الكلب لأن الفيروس لم يصل إلى اللعاب بعد. في وقت متأخر من المرض، وبعد وصول الفيروس إلى الدماغ وتكاثره هناك لإحداث التهاب في الدماغ، ينتقل من الدماغ إلى الغدد اللعابية ومن ثم الى اللعاب.
وبعد أن يتكاثر الفيروس في الدماغ، تبدأ جميع الحيوانات المصابة تقريباً في إظهار العلامات الأولى لداء الكلب. معظم هذه العلامات تكون واضحة وبارزة، ولكن في غضون فترة قصيرة من الوقت، عادة ًفي غضون 3 إلى 5 أيام، يتسبب الفيروس في تلف الدماغ بدرحة كافية لأن يبدأ الحيوان المصاب بإظهار علامات لا لبس فيها من داء الكلب.
تعرض إنسان أو حيوان الى العض من قبل حيوان مسعور، يتسبب بدخول فيروس داء الكلب من خلال اللعاب إلى الجرح، ومن ثم ينتقل فيروس عبر الأعصاب إلى النخاع الشوكي والدماغ. يمكن أن تستمر هذه العملية تقريباً من 3 إلى 12 أسبوعاً. وفي تلك الفترة لا علامات للمرض على الانسان أو الحيوان خلال هذا الوقت. عندما يصل الفيروس إلى الدماغ، يتكاثر بسرعة وينتقل إلى الغدد اللعابية. يبدأ الحيوان في إظهار علامات المرض. يموت الحيوان المصاب عادة في غضون 7 أيام من إصابته بالمرض.
الأشكال المرضية لداء الكلب
ويتخذ المرض شكلين اثنين على النحو التالي:
- داء الكلب الهياجي (الغضبي): Furious rabies الانسان المصاب بهذا الشكل من داء الكلب يظهر علامات فرط النشاط والسلوك الغريب والعدواني، والخوف من المياه أو الهواء (رهاب الماء والهواء) أحياناً. وتحدث الوفاة بعد بضعة أيام نتيجة للتوقف القلبي والتنفسي. قد تكون الأعراض مصحوبة ايضاً بالأرق، والقلق، والالتباس، والإثارة، والهلوسة، وزيادة إفراز اللعاب، بالإضافة الى مشاكل في البلع.
- داء الكلب الشللي: Paralytic Rabies والذي يشكل نحو 30% من مجموع الحالات البشرية. ولا يتطور هذا الشكل على نحو مفاجئ مثل الشكل الهياجي، ويتخذ مساراً أطول في العادة. وتُصاب العضلات بالشلل بشكل تدريجي ابتداءً من موضع العضّة أو الخدش، ويدخل الشخص ببطء في حالة غيبوبة ويتوفى في نهاية المطاف. وكثيراً ما يُساء تشخيص الشكل الشللي لداء الكلب ما يسهم في عدم التبليغ الكامل عن المرض.
فترة الحضانة
تتراوح عادة ما بين شهر الى ثلاثة أشهر. كما قد تتراوح ما بين أسبوع وسنة؛ من الجدير بالذكر أن فترة الحضانة تعتمد على موقع الجرح والحمل الفيروسي Viral Load.
الأعراض
تشمل الأعراض الأولية لداء الكلب الحمى المصحوبة بألم والشعور غير العادي أو غير المبرر بالنخز أو الوخز أو الألم الحارق (تنمل الأطراف) في موضع الجرح. صداع، غثيان، عدم القدرة على النوم، زيادة إفراز اللعاب، رهاب الماء أو الهواء، الهلوسة، صعوبة البلع، تشنجات وشد عضلي. ومع انتشار الفيروس في الجهاز العصبي المركزي، يحدث التهاب تدريجي ومميت في الدماغ والحبل النُخاعي
مضاعفات محتملة
قد تشمل شلل الجهاز التنفسي، الغيبوبة، والوفاة.
التشخيص
قد يصعب التشخيص السريري لداء الكلب ما لم توجد علامات رهاب الماء أو رهاب الهواء. اما بالنسبة للتحاليل المخبرية فيتم التشخيص عن طريق المستضدات الفيروسية أو الأحماض النووية الموجودة في الأنسجة المصابة بالعدوى (الدماغ أو الجلد أو البول أو اللعاب).
العلاج
لا يوجد علاج محدد لداء الكلب؛ لكن سرعة تنظيف وتطهير الجروح وأخذ اللقاح النشط والسلبي بعد التعرض فعال جداً، بالإضافة إلى علاج الالتهابات الأخرى المحتملة.
عوامل الخطورة
السفر أو العيش في البلدان النامية، ممارسة الأنشطة الرياضية (مثل: استكشاف الكهوف)، والتخييم دون اتخاذ الاحتياطات، ووجود جروح في الرأس أو الرقبة.
الفئات الأكثر عرضة
العاملون بشكل مباشر مع الحيوانات (مثل البيطرين، عمال حدائق الحيوانات)، العاملون بشكل غير مباشر (مثل العاملين في المختبر)، المصابون بضعف في جهاز المناعة، المسافرون إلى المناطق النائية، الرياضيون (مثل هواة تسلق الجبال)، ذوو الإعاقة، وأيضاً الأطفال.
الوقاية
إن فهم مخاطر داء الكلب ومعرفة ما يجب فعله بعد الاتصال بالحيوانات يمكن أن ينقذ الأرواح. يمكن لأي حيوان ثديي أن يصاب بداء الكلب، ولكن الحيوانات الأكثر إصابة في الولايات المتحدة هي حيوانات الراكون والظربان والخفافيش والثعالب -لذا فإن أفضل طريقة لتجنب داء الكلب هي الابتعاد عن الحياة البرية. اترك كل الحيوانات البرية وشأنها، بما في ذلك الحيوانات المصابة. إذا وجدت حيواناً مصاباً، فلا تلمسه وإن كان بالاستطاعة الإبلاغ عن الحيوانات الضالة.
كيفية معرفة أن الحيوان مصاب بالفيروس؟
لأن المرض يؤثر في الجهاز العصبي، فإن معظم الحيوانات المصابة تتصرف بشكل غير طبيعي وربما تهاجم الشخص دون ان تشعر بتهديد بخلاف الحيوانات غير المصابة والتي في الغالب لا تهاجم البشر الى إذا شعرت بالتهديد. وفي حال التعرض للعض يفضل الإمساك بالحيوان وحجزه لفحصه.
العلاج الوقائي بعد التعرض
العلاج الوقائي بعد التعرض لداء الكلب عن طريق العض او خدوش يمنع دخول الفيروس إلى الجهاز العصبي المركزي الذي قد يؤدي إلى الموت المحقق. ويتمثل العلاج الوقائي بعد التعرض فيما يلي:
غسل الجرح فوراً بالماء الجاري والصابون أو بمادة منظّفة إن أمكن لمدة خمس دقائق على الأقل، حماية العينين والأنف والفم من رذاذ الذي قد يخرج من الجرح أثناء التنظيف، وضع مطهر وضمادات بسيطة على الجرح، طلب الرعاية الطبية في أقرب وقت حتى إذا كان المصاب قد تم تحصينه مسبقاً، وإزالة الملابس التي قد تكون ملوّثة والتخلص منها فوراً. الخضوع لدورة لقاح داء الكلب الناجع والفعّال، والحصول على الغلوبيولين المناعي المضاد لداء الكلب في حال التوصية بذلك. ومن شأن بدء العلاج فور التعرض لفيروس داء الكلب أن يمنع على نحو فعّال من ظهور الأعراض والوفاة.
يتكون العلاج الوقائي بعد التعرض من جرعة من الجلوبيولين المناعي (مصل) لداء الكلب البشري (HRIG) ولقاح داء الكلب الذي يُعطى في يوم التعرض لداء الكلب، ثم جرعة من اللقاح تُعطى مرة أخرى في الأيام 3 و 7 و 14. لمن لم يتم تطعيمهم ضد داء الكلب من قبل، يجب أن يشمل العلاج الوقائي بعد التعرض دائماً إعطاء كل من مصل HRIG ولقاح داء الكلب. يجب أن يتلقى الأشخاص الذين تم تطعيمهم مسبقاً أو الذين يتلقون لقاحاً مُسبقاً ضد داء الكلب لقاحاً فقط.
التفاعلات العكسية للقاح داء الكلب والجلوبيولين المناعي ليست شائعة. أحدث اللقاحات المستخدمة اليوم تسبب ردود فعل سلبية أقل من اللقاحات المتوفرة سابقاً. تم الإبلاغ عن تفاعلات موضعية خفيفة للقاح داء الكلب، مثل الألم أو الاحمرار أو التورم أو الحكة في موقع الحقن. نادراً ما تم الإبلاغ عن أعراض مثل الصداع والغثيان وآلام البطن وآلام العضلات والدوخة. قد يحدث ألم موضعي وحمّى خفيفة بعد حقن الجلوبيولين المناعي لداء الكلب.
يجب إعطاء اللقاح في الفترات الموصى بها للحصول على أفضل النتائج. ولا ينبغي إجراء تغييرات في جدول الجرعات. لا يستطيع الناس نقل داء الكلب إلى أشخاص آخرين إلا إذا كانوا هم أنفسهم مرضى بداء الكلب. إجراءات ما بعض التعرض تحمي من الإصابة بداء الكلب، حيث يمكن الاستمرار في المشاركة في الانشطة العادية.
لا يزال داء الكلب في الكلاب شائعاً في العديد من البلدان، لذا يوصى بتحري ما إذا كان داء الكلب موجوداً في الكلاب أو الحيوانات البرية في الدولة التي قد ترغب في السفر اليها. ونظراً لأن الحيوانات الأليفة يمكن أن تصاب بداء الكلب من الحيوانات البرية ومن ثم يمكن أن تنقله إلى البشر، فإن منع داء الكلب في الحيوانات الأليفة يعد أيضاً خطوة مهمة في الوقاية من حالات الإصابة بداء الكلب في البشر. وربما تشكل الولايات المتحدة الامريكية نموذجاً بارزاً حيث لم تعد الكلاب والقطط مصدرا لأي من حالات الإصابة بداء الكلب بل كانت الخفافيش هي المصدر.
يمكن القضاء على هذا المصدر الرئيسي لداء الكلب في البشر من خلال ضمان التطعيم الكافي للحيوانات ومكافحتها، وتثقيف المعرّضين للخطر، وتعزيز وصول الذين تعرضوا للعض إلى الرعاية الطبية المناسبة. تجمع حملة اليوم العالمي لداء الكلب، التي تم الاحتفال بها لأول مرة في عام 2007، الباحثين والشركاء لتحقيق هذه الأهداف من خلال حشد الوعي والموارد لدعم الوقاية من داء الكلب في البشر ومكافحة داء الكلب في الحيوانات حول العالم.
لقاح داء الكلب يعطى قبل التعرض لبعض الأشخاص
في العادة وكما ذكرنا سابقاً يتم إعطاء لقاح داء الكلب للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بداء الكلب لحمايتهم في حالة تعرضهم له. يجب أن يُمنح الأشخاص المعرضون لخطر كبير للإصابة بداء الكلب لقاح داء الكلب قبل التعرض، بما في ذلك:
- الأطباء البيطريون ومتعاملو الحيوانات وطلاب الطب البيطري
- العاملين في مختبرات داء الكلب
- الأشخاص الذين يستكشفون الكهوف
- الأشخاص الذين يعملون مع لقاح حي لإنتاج لقاح داء الكلب وجلوبيولين مناعي ضد داء الكلب.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة