على مدى العقود القليلة الماضية، وبالنظر إلى الارتفاع المستمر في الطلب على الطاقة، أصبح استخدام الطاقة المتجددة المستدامة كالرياح والطاقة الشمسية والطاقة الهيدروليكية والكتلة الحيوية، نشاطا علميا وصناعيا في تونس. من بين جميع البدائل المقترحة، تشكل الكتلة الحيوية مصدرا واعدا للطاقة المتجددة نظرا لقدرتها على توفير أنواع مختلفة من الوقود الحيوي والمواد الكيميائية الحيوية بطريقة صديقة للبيئة.
في دراسة علمية جديدة، طوّر فريق علمي تونسي من مركز بحوث وتكنولوجيات الطاقة ببرج السدرية -تونس، عملية غير تقليدية تعتمد على تقنية الانحلال الحراري، من أجل تحويل كامل نفايات دباغة الجلود إلى وقود حيوي عالي الجودة ومواد حيوية ذات قيمة مضافة.
وستنشر الدراسة في دورية "Fuel " العلمية في شهر يونيو القادم 2021.
وبحسب الدكتورة عايدة بن حسن الطرابلسي المؤلفة المشاركة في الدراسة في تصريح خاص بموقع منظمة المجتمع العربي فقد " أظهرت النتائج أن 80 بالمائة من كتلة الجلود يمكن تحويلها إلى طاقة واستخدام 20 بالمائة المتبقية لتصنيع مواد أخرى ذات قيمة مضافة".
يقول الباحثون إن صناعة معالجة الجلود ودباغة الجلود تعتبر من أكثر القطاعات ديناميكية في تونس. وينتج عن هذا القطاع كميات كبيرة من نفايات الجلود مما يوفر بالتالي كتلة حيوية كبيرة قابلة للتحول إلى طاقة متجددة. في الواقع، تمثل هذه المخلفات العضوية الصناعية مادة وسيطة واعدة لتقنيات تحويل الطاقة تشمل إمكانات كبيرة لإنتاج الوقود الحيوي المستدام والمواد الحيوية المبتكرة (المواد الكيميائية الحيوية، والمواد الماصّة الحيوية، والأسمدة الحيوية) لتعزيز البروتوكولات البيئية في المصانع وتحسين الانتقال إلى اقتصاد دائري فعّال قائم على النفايات.
تنتج صناعة الجلود، التي تتكون من تحويل جلد الحيوان إلى جلود محدودة قابلة للاستخدام في مختلف مجالات الحياة، كميات كبيرة من المنتجات الثانوية (قطع من الجلود الكبيرة والصغيرة، والنفايات الدهنية)، وحمأة مياه الصرف، والمواد الكيميائية، والأملاح، إلخ. تشير التقديرات إلى أنه من طن واحد من الجلود المملحة الرطبة، يتم إنتاج 200 كيلوغرام فقط من الجلود وحوالي 700 كيلوغرام من النفايات إضافة إلى ما بين 30و35 متر مكعب من المياه العادمة. ويظهر تحليل أشكال مختلفة من المخلفات الصلبة أثناء معالجة الجلود الخام أنها تتمثل خاصة في نفايات دباغة الجلد (50-60%) . ويتم إنتاج هذه النفايات الصلبة من عدة نقاط في مصنع الدباغة والجلود 80% منها يتم توليدها من عمليات بيوت الدعامة في مراحل قبل تجفيف الجلد ودباغته و19% من عملية الدباغة و 1% فقط تنشأ من أعمال التشطيب.
تنتج صناعة الجلود في تونس حوالي عشرة آلاف طن في السنة الواحدة من النفايات الصلبة والتي تمثل حوالي 2% من الإنتاج السنوي للنفايات الصلبة المحلية، بالإضافة إلى المواد ذات الرائحة الكريهة والمواد القابلة للتحلل والمركبات الدهنية. يتم إنتاج الحمل الرئيسي للتلوث في مرحلة عمليات ما قبل عملية الدباغة حيث تنبعث من إعادة تمييه الجلود المملحة عمومًا روائح دهنية متطايرة وأحماض أمينية. بالإضافة إلى ذلك، أثناء أنشطة مرحلة ما قبل الدباغة، تتوافق الخطوة الأكثر تلوثًا مع عملية تقطيع الجلد، حيث تتكون من إزالة اللحم والدهون الزائدة وتعزيز تغلغل المواد الكيميائية من أجل منتجات صناعية أفضل. وتتمثل نفايات دباغة الجلود خاصة في منتجات لزجة وقابلة للتحلل الحيوي وتتكون من 80% من الماء ؛ 8% ملح؛ 8% كولاجين؛ و 4% دهون. علاوة على ذلك، عادة ما تكون لزوجة نفايات دباغة الجلود وشحنة الملوثات عالية مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف عمليات الإدارة والمناولة.
على سبيل المثال، ينطوي التخلص من نفايات دباغة الجلود في الموقع والنقل إلى مكب النفايات الخاضع للرقابة على تكاليف العمالة، والتعامل الحذر حتى عند تطوير المعدات المتخصصة. لتجنب مثل هذه المشاكل البيئية والاقتصادية، تم الإبلاغ في دراسات سابقة عن طرق مختلفة لتثمين نفايات دباغة الجلود في الأدبيات التي تشمل الهضم اللاهوائي لإنتاج الغاز الحيوي والتسميد البكتيري لنفايات دباغة الجلود وإنتاج وقود الديزل الحيوي عبر عملية الاسترة التبادلية.
من ناحية أخرى، تم إجراء دراسات سابقة واسعة النطاق على إنتاج مواد من نفايات دباغة الجلد. واتضح أنه تم اكتساب طرق استرداد قيّمة لكن كانت تشوبها بعض الصعوبات مثل انخفاض كفاءة الإزالة، والتلوث الثانوي (توليد المنتجات الثانوية)، وتكاليف التشغيل المرتفعة وخطوات التشغيل المعقدة.
للتغلب على مشاكل طرق الاسترداد التقليدية، اقترحت الدكتورة عايدة بن حسن الطرابلسي وفريقها بديل جديد، باستخدام عملية غير تقليدية وهي تقنية الانحلال الحراري، من أجل تحويل كامل نفايات دباغة الجلود إلى وقود حيوي عالي الجودة ومواد حيوية ذات قيمة مضافة.
والانحلال الحراري هو تحلل حراري في جو خامل للنفايات العضوية مثل نفايات الأغذية والزراعة، وحمأة الصرف الصحي، لإنتاج الزيت الحراري (الزيت الحيوي).
قام الفريق بأخذ نفايات دباغة الجلود كمادة وسيطة لإعداد الوقود الحيوي ذي القيمة المضافة والفحم الحيوي الاقتصادي. وتم الحصول على أعلى إنتاجية من الزيت الحيوي (60% وزن) عند 600 درجة مئوية. وسمحت خصائص الوقود الجيد من الزيت باستخدامه كوقود سائل. في حين تشير تركيبة بقية العناصر المستخلصة إمكانية استخدامه كسماد حيوي للتربة أو كممتص منخفض التكلفة للأصباغ من مياه الصرف الصحي المدبغة.
تقول الدكتورة بن حسن الطرابلسي الأستاذة المحاضرة ورئيسة فريق التثمين الطاقي للنفايات بمركز بحوث وتكنولوجيات الطاقة إن " تحويل الجلود إلى طاقة يحقق هدفين في نفس الوقت هدف بيئي للحد من نفايات صناعة الجلود وهدف تثمينها إلى طاقة ناحية أخرى"
وخلص الباحثون إلى أنه يمكن اعتماد الانحلال الحراري لنفايات دباغة الجلود كحل مبتكر من قبل الدباغة ومنتجي الجلود، حيث يمكنه تقليل تكاليف إدارة نفايات دباغة الجلود (نقل النفايات ودفنها)، مع توفير مصدر دخل إضافي لصناعة دبغ الجلود من خلال إنتاج منتجات مبتكرة واقتصادية (الوقود الحيوي ، والأسمدة الحيوية و المواد الماصة الحيوية) وبالتالي ضمان ممارسات أعمال مستدامة وصديقة للبيئة.
يسعى الباحثون حاليا إلى إصدار براءة اختراع حول هذه العملية المبتكرة في تثمين نفايات دباغة الجلود بتحويلها بكفاءة عالية إلى وقود مع بناء نموذج قابل للتطبيق على نطاق صناعي يمكن الاستفادة منه على نطاق واسع.
يذكر أن البحث أجري في إطار برنامج تثمين البحوث العلمية الذي تشرف عليه الإدارة العامة لتثمين البحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الذي يشجع على إرساء تعاون وثيق بين مخابر البحث والمحيط الاقتصادي والاجتماعي.
المصادر
- حوار خاص مع الدكتورة عايدة بن حسن الطرابلسي المؤلفة المشاركة في الدراسة تونسي من مركز بحوث وتكنولوجيات الطاقة ببرج السدرية -تونس.
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة