في أغسطس 2015 قدم عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكنج محاضرة هامة في العاصمة السويدية استكهولم، ومن خلال هذه المحاضرة طرح هوكنج نظرية جديدة حول الثقوب السوداء، مفادها أنها قد تقود إلى أكوان أخرى، وأنها ليست "سوداء"، كما يتم وصفها، أو "سجنا أبديا" كما كان يعتقد. في تلك المحاضرة أوضح هوكنج الخطوط العريضة لنظريته حول الثقوب السوداء في الفضاء الكوني التي تكون فيها قوة الجاذبية كبيرة جداً لدرجة تمنع حتى أشعة الضوء المارّة في تلك المناطق من الهروب. وقال هوكنج: "إن هناك مخرجاً من الثقوب السوداء، مضيفاً أنه اكتشف آليَّة يمكن بواسطتها استعادة أي معلومات من الثقوب السوداء".
وأضاف، "أن المعلومات المفقودة في الثقوب السوداء يمكن أن تتحول إلى شكل من أشكال الهولوغرام Hologram، أو أن تنبثق إلى كون آخر بديل. وتابع هوكنج: "إن وجود تواريخ بديلة مع الثقوب السوداء يشير إلى أن هذا الأمر ممكن وأن الثقب الأسود سيحتاج إلى أن يكون كبيراً.. وأنه إذا كان يدور، فإنه قد يكون لديه ممراً إلى كون آخر". وقال عالم الفيزياء والفلك البريطاني الشهير: "ومع ذلك، لا يمكنك أن تعود إلى كوننا، ولذلك على الرغم من أنني مغرم بالسفر في الفضاء، فإنني لن أحاول ذلك". وفي العام 2016 نشر هوكنج في مجلة الرسائل الفيزيائية المتخصصة دراسة علمية هامة قال فيها: "إنّ الأشياء التي تقع أو تمر من خلال الثقوب السوداء، تذهب إلى كون آخر بديل".
كما قال هوكنج، مُوضحًا إن الفكرة السابقة عن الثقوب السوداء، الخاصة بأنها تعمل على تدمير كل ما يقترب منها، ربما علينا استبدالها بأخرى جديدة، هي موضوع دراسته. وقال هوكنج إن الجسم الذي يتم ابتلاعه، لا يتدمر ولا تُفقَد معلوماته، بل ينتقل إلى مكان آخر، حتى ولو كان إلى كون بديل، هو افتراض يؤكد أننا نملك الماضي بالفعل، وأن هويتنا ناشئة عن معلومات الماضي التي لم تُفقد. وحتى الآن، فإن العلماء غير متأكدين بالضبط كيف يمكن الحفاظ على تلك المعلومات عندما يسقط جسم ما في الحفرة السوداء للثقب الأسود. لكن افتراض هوكينج يؤكد أنها تفعل ذلك من خلال فكرة وجود شعيرات للثقوب السوداء، وهو الافتراض الذي كان العلماء يرفضونه سابقًا.
لقد شكلت نظرية هوكنج الجديدة حول الثقوب السوداء ودراساتُه اللاحقة نقطة تحول في مسيرة البحث عن أكوان أخرى إلى جانب عالمنا الذي نعيش فيه وهي فرضية الأكوان المتعددة التي كانت بداياتها في العام 1954م، وذلك عندما قام المرشح لجائزة نوبل العالم هيو إيفيرت Hugh Everett بالإتيان بفكرة جديدة كليًّا تقول بأنه توجد أكوان متوازية تشبه كوننا بالضبط متفرعة من كوننا وكوننا متفرع منها. خلال هذه الأكوان المتوازية حروبنا لها نهاية مختلفة عما نعرفه، والكائنات التي انقرضت في كوننا لا تزال موجودة في أحد الأكوان الموازية.
هذه الفرضية المذهلة جاء بها هذا العالم الشاب في محاولة للإجابة على سؤال صعب يتعلق بفيزياء الكم، وهو لماذا الأجسام الكمية تتصرف بشكل غير منضبط؟ وميكانيكا الكم هي أحد أهم نظريات الفيزياء الحديثة وأصغر ما اكتشفه علم الفيزياء حتى الآن بعد أن أشار العالم الشهير ماكس بلانك لهذا المفهوم عام 1900م. لكن العالم الراحل ستيفن هوكنج كان قد أنجز قبل وفاته ب 10 أيام آخر ورقة علمية بحثية بعنوان: خروج سلس من التضخم الأبدي A Smooth Exit from Eternal Inflation? ، والتي من المقرر أن تُنشر بعد اكتمال مراجعتها، في مجلة علمية رائدة لم يشر لاسمها بعد، إلا أن موق ArXiv.org ، الذي يتتبع الأبحاث العلمية قد نشرها في يوليو 2017، ويملك نسخة محدثة من هذه الورقة العلمية، يعود تاريخ تحديثها إلى 4 مارس 2018.
إن الخروج السلس من التضخم الأبدي هي ورقة بحث رياضي تهدف إلى تسهيل فهم الأكوان المتعددة، وتحويلها إلى إطار علمي قابل للاختبار، وكذا إلى تسليط الضَّوء على الأدلة على وجود أكوان متعددة موجودة، وقابلة للقياس، من خلال الإشعاع الذي يعود تاريخه إلى بداية الزمن، والذي بدوره يمكن اختبار وجوده من خلال مسبار فضاء عميق (مكوك فضائي من دون طاقم، يستخدم لاستكشاف الفضاء) بأجهزة استشعار دقيقة وذلك حسب ما أوردته صحيفة الصنداي تايمز THE SUNDAY TIMES. كما يشير عنوان الورقة "خروج سلس من التضخم الأبدي"، إلى عنصر في نظرية هوكنغ "اللاحدود"، حيث اقترح أن عالمنا تطور من نقطة صغيرة بعد الانفجار الكبير الذي أدى إلى نشوء كوننا، وهو يشكل واحدا من أصل عدد لا نهائي من الانفجارات العظمى، التي أنتجت أكواناً خاصة بكل منها، كما تنبأ بأن الكون سينتهي عندما تنفد طاقة النجوم.
من ناحية أخرى أوضح بروفيسور الفيزياء توماس هيرتوغ Thomas Hertog، أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة ليوفين KU Leuven ببلجيكا والمشارك في الورقة البحثية أن الورقة تهدف إلى وضع فكرة الأكوان المتعددة في إطار عملي قابل للاختبار ، مؤكدًا أنه التقى هوكينغ شخصيًا، للحصول على الموافقة النهائية قبل تقديم الورقة. لقد اعتمد هوكينج وهيرتوغ على إطار رياضي لربط نظرية الكم والجاذبية، لكن هذا الإطار يعتمد على عدد من الفرضيات غير المثبتة وليس هناك حتى الآن إطار نظري متكامل للجاذبية الكمومية. وقد أعترف هوكينج وهيرتوغ بأن النظام الذي درسوه بورقتهم لا يسمح بوصف الانتقال للتضخم الأبدي من كون في مجال الكم إلى كون في مجال الجاذبية الشبه كلاسيكي. وان هذا الموضوع يتطلب الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. وذكرت صحيفة "صنداي تايمز" أن ورقة علمية كهذه، قد تجعل من العلماء الذين ألفوها، مرشحين محتملين للحصول على جائزة نوبل، إلا أن قوانين هذه الجائزة، التي تقضي بعدم منحها لأي شخص بعد وفاته، تنفي بشكل مؤسف إمكانية حصول هوكينغ عليها.
المزيد من المعلومات تجدونها في الروابط التالية:
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com