مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

Myxococcus Xanthus

بكتيريا متعددة المواهب

سلسلة روائع الكائنات الدقيقة
الكاتب

الكاتب : أ. د. عبدالرؤوف المناعمة - روان ريدة

الجامعة الإسلامية - غزة

الوقت

12:36 مساءً

تاريخ النشر

22, فبراير 2018

عالم واسع وغير مرئي، لم نكن نعرف عنه شيئاً تقريبا قبل 100 عام، ومنذ اكتشاف هذه المخلوقات الدقيقة لم تتوقف عن إذهال البشر بقدراتها المتنوعة والرائعة التي مكنتها من استعمار معظم البيئات وأداء أدوارها المحورية على كوكب الأرض. كما أنها فتحت شهية البشر لترويضها والحصول على كنوزها المختلفة. في هذه السلسلة من المقالات نتعرض لمجموعات متنوعة من البكتيريا والكائنات الدقيقة ذات القدرات الخاصة التي تميزها وتجعلها محط الاهتمام والدراسة.

غالباً ما يكون الجواب الاول الذي يتبادر الى الذهن عند سماع الأسئلة المتعلقة بغذاء البكتيريا وطرق حركتها، وسلوكها الاجتماعي ينص على أنها كائنات دقيقة تحصل على المغذيات من البيئة المحيطة بها أو من الجزيئات العضوية في التربة، تتحرك بالسياط، وليس لها أي شبكات اجتماعية. لكن سنتطرق في هذا المقال لبكتيريا تحظى باهتمام كبير لما تحمله من صفات فريدة؛ فهي بكتيريا ذات سلوك اجتماعي وجماعي، مفترسة؛ تتغذى على أنواع بكتيرية أخرى، ولا تمتلك سياطاً (عضو الحركة في البكتيريا) لكنها تتحرك بالانزلاق (Gliding) وتمتلك القدرة على الاندماج لتكوين ما يعرف بالأجسام الثمرية.

بكتيريا Myxococcus xanthus هي بكتيريا غير ممرضة، سالبة الغرام (صبغة غرام هي نوع من الصباغة تستخدم لتصنيف البكتيريا إما موجبة أو سالبة)، توجد عادة في التربة الغنية بالمواد العضوية وقد تتواجد على الأسطح الصخرية، ولها القدرة على تكوين الأغشية الحيوية (Biofilms). لا تستطيع السباحة في الأوساط السائلة، لكنها تنزلق على الأسطح الصلبة حوالي 2 إلى 4 ميكرون/ دقيقة، أي أبطأ من البكتيريا ذات  السياط بما يقرب 1000 مرة. تم اكتشاف نوعين من الأنظمة المستخدمة في الحركة: النظام الأول هو النوع الرابع من الاهداب Type IV pilli والذي يستخدم كخطاف (Hook)، بينما النظام الثاني هو إفراز المخاط، الذي يميل إلى تشكيل مواقع مركزية للالتصاق.

يُعد الانزلاق على الأسطح الصلبة أمراً ضرورياً لنموها؛ فخلال نشاطات الافتراس والبحث عن الغذاء، تستغل بكتيريا M. xanthus الحركة الانزلاقية للوصول الى المغذيات غير الذائبة في التربة، أو لافتراس الكائنات الدقيقة الأخرى. تتضمن عملية الافتراس إطلاق البكتيريا لمواد سامة وإنزيمات هاضمة تعمل على شل الفريسة وتحليلها، ويتضمن الافتراس كذلك أكثر من 300 من نواتج الأيض الثانوية، مثل الميكسالاميد (Myxalamid) وهو مضاد حيوي يستهدف الخمائر والأعفان والبكتيريا المعوية.

 

كما تُعرف بكتيريا M. xanthus جيداً بقدرتها على التنظيم الذاتي. تشمل سلوكياتها المتسقة للغاية الانتقال في مجموعات منظمة تسمى الأسراب (Swarms) يتم وصفها بعصابات/مجموعات الذئاب، و تشمل كذلك تطويق البكتيريا لطعامها المفضل مثل بكتيريا E. coli  على سبيل المثال؛ فيساعد هذا السلوك أفراد السرب, حيث يزيد تركيز الانزيمات الهاضمة التي تفرزها البكتيريا, مما يُسهِّل عملية الافتراس.

أما في الظروف المُجهِدة وعند غياب الطعام، تمرُّ البكتيريا في عمليةٍ تتجمع خلالها وعلى مدى عدة ساعات حوالي 100000 خلية مفردة، لتشكل في النهاية هياكل يطلق عليها اسم الأجسام الثمرية (Fruiting bodies). تتمايز خلايا البكتيريا داخل الأجسام الثمرية الى أبواغ كروية، ذات جُدر سميكة، ومقاومة للإجهاد، حيث تبقى في مرحلة السكون لفترات طويلة، متحملة المجاعات او أي تغير بيئي آخر مثل: درجة الحرارة والجفاف. وعندما تتحسن الظروف، وتصبح المغذيات متوفرة، تنبت الأبواغ وتتخلص من معطفها البوغي، فتتحول إلى الصورة الخضرية (Vegetative cells) من جديد.

 

إن التواصل بين البكتيريا ليس بالأمر الجديد، وخلافا للأعصاب البشرية، لا يتطلب الاتصال البكتيري في معظم الأحيان أن تكون الخليتان في اتصال مادي مباشر.

فكيف تتواصل بكتيريا M. xanthus فيما بينها؟

بعد أن قام فريق من مختبر لورانس بيركلي الوطني باستخدام عدة تقنياتِ تصويرٍ متطورة من بينها 3-D scanning electron microscopy، لوحظت شبكة مُفصلّة من بكتيريا M. xanthus تتصل مع بعضها البعض بأغشية تشبه السلاسل، يُعتقد أنها تَستَخدِم هذه الشبكات لتقوم بنقل البروتينات والجزيئات الأخرى فيما بينها، وهذا قد يمكّن البكتيريا من تنسيق الأنشطة الاجتماعية مثل تعزيز القدرات الدفاعية والوصول الى الفرائس.

بعد دراسة بكتيريا M. xanthus عندما تكون في حالة الأغشية الحيوية، تمت ملاحظة أن البكتيريا تقوم بإرسال سلاسل من الحويصلات تشبه في اصطفافها حبات اللؤلؤ في العقد، بينما البعض الآخر يقوم بإرسال انابيب من الحويصلات. تعمل هذه السلاسل والانابيب على ربط الخلايا ببعضها، مكونة شبكة تواصل مجهرية. فلو قامت بكتيريا M. xanthus ببساطة بنشر اشاراتها الكيميائية، لتمكنت البكتيريا الأخرى من الكشف عنها، ولكن شبكة التواصل تلك تمنع حدوث ذلك، فيقتصر التواصل على خلايا بكتيريا M. xanthus فقط.

 

التواصل السلكي أكثر أماناُ من التواصل اللاسلكي

 

البريد الالكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x