يَفتِك داء السُّل بحياةِ مليونٍ ونصفِ المليونِ إنسانٍ سنوياً، وينجُمُ داءُ السُّلِّ الفتَّــاك عن جرثومة خبيثة (المتفطرة السُّلية)، التي تصيب الرئتيْن في معظم الأحيان، ينتشر السُّل عن طريق العدوى من شخص مصاب إلى شخص سليم عن طريق الهواء في حال العطس والسعال، أو اللعاب الناتج عن البصق في حال اللمس؛ والسُّلُّ مرضٌ يُمكن الشفاء منه؛ ويمكن الوقاية منه كذلك. حوالي ثلثِ سكانِ العالَم مصابون بداء السُّل الخفيّ أو الكامِن، مما يعني أن هؤلاء الأشخاص قد أصيبوا بالعدوى بجرثومة السُّل، لكن بَلْعَمِيَّاتِهم المناعِية تُطوِّق هذا الفيروس وتجعلُه في حالة كمون، وهذه العينة من المصابين لا ينقلون العدوى للآخرين. الأشخاص الذين لديهم عدوى بجرثومة السل معرضون خلال حياتهم لخطر الوقوع بمرض السل بنسبة 10%. لكن الأشخاص الذين لديهم أجهزة مناعة ضعيفة – كالأشخاص المصابين بفيروس العوز المناعي البشري أو بسوء التغذية أو بالسكري – أو الأشخاص الذين يتعاطون التبغ، معرضون أكثر بكثير لخطر تمكن الفيروس من السيطرة عليهم وظهور أعراض المرض.
عندما يصاب شخص ما بسل نشِطٍ (السل المرضي)، فالأعراض عادة تكون عبارة عن سعال حادٍّ وحمّى وتعرق ليلي وفقد سريع في الوزن. ويعتقد كثير من الناس أن السل يصيب الرئة فحسب، ولكن يستهدف أيضا العظام، فعصيات السل تهاجم العظام وتسبب تآكلها. وتكمن مشكلة مرض السُّل في تأخر المريض عن إجراء فحوصات الكشف عن جرثومة السّل، حيث يمكن للشخص المصاب بهذا الداء؛ أن يُعديَ ما بين 10 إلى 15 شخصاً عن طريق المخالطة القريبة. كما تكمن خطورة هذا الداء في قابليتِه للظهور من جديد وبشكل أقوى إذا لم يلتزم المريض ببرنامج العلاج التام، وتقدِّر الإحصائيات أن ثلثيْ الأشخاص المصابين بالسُّل سيموتون. لقد تم – منذ عام 2000م إنقاذ حياة أكثر من 49 مليوناً، وشفاءُ 56 مليون شخصٍ من خلال برامج المعالجة الوافية والتامة. حيث تتم معالجة مرض السُّل النَّشِطِ والحساس للأدوية بدورة علاجية معيارية؛ مدتها ستة أشهر مؤلفة من أربعة أدوية مضادة للمكروبات، تقدَّم للمريض مع المعلومات والإشراف من قِبَلِ المشرف صحي أو الممرض أو متطوع مدرَّب. الغالبية العظمى من حالات السل يمكن أن تُشفى عندما تُقدَّم لها الأدوية المناسبة ويلتزم المريض بأخذِها بانتظام وبشكل صحيح.
اليوم العالمي للسُّل
في 24 مارس 1882م نجح العالِم الألماني "روبرت كوخ" في عزْلِ الجرثومة التي تُسبب داء السُّل والتِّيفُوِّيد، وقد فتح اكتشاف "روبرت كوخ" الباب واسعا نحو تشخيص وعلاج هذا الداء الخطير والفتَّاك. لذلك استحقَ هذا اليومُ الاحتفالَ به كمناسبة رمزية لمكافحة مرض السل والتوعية والتحسيس بخطورَتِه.ودعَتْ منظمة الصحة العالمية؛ الحكومات والمنظمات الأهلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص؛ إلى "الاتحاد للقضاء على داء السُّل". وتسعى المنظمة والشركاء الفاعلون إلى تعزيز الحوار والتعاون وإيجاد طرق وبدائل صحية مناسبة ومتاحة للقضاء على وهذا الداء الخطير. وكذا تطوير نظم الوقاية والحماية منه؛ عبر تحقيق التنمية المستدامة من خلال الإسهام في مجالات أخرى بما في ذلك القضاء على الفقر، والتغطية الصحية الشاملة، وصحة الأمهات والأطفال، والحماية الاجتماعية والعدالة الاقتصادية.
أهدافُ اليوم العالميّ لِداءِ السُّل
يهدف اليوم العالمي لمكافحة داء السُّل إلى تحقيق عددٍ من الأهداف أهمُّها:
- زيادة الوعي بوباء السُّل في جميع أنحاء العالم.
- بدل جميع سُبُل الوقاية من المرض ونشر الوعي بخطورَتِه.
- بَدْلُ الرِّعاية الصحية الكاملة للمصابين بالداء.
- تطويق مواطن انتشار داء السُّل والعمل على القضاء عليه ومنع تفشيه وانتشار العدوى إلى المناطق الأخرى
- تجديد الالتزام بضرورة مواصلة الجهود العلمية والمادية الرامية للقضاء على داء السل.
الوقاية: تتمثل الوقاية من داء السل بشكل أساسي في المحافظة على نظافة اليدين باستمرار، والحرص على عدم ملامسة الأنف والفم والعنينيْن في فترات التسوق أو استعمال المصعد (أزرار المصعد) أو عربات التسوق في المراكز التجارية، كما يجب الاحتياط عند استعمال وسائل النقل العمومي، كما أن القوارض التي تعيش في دورات المياه كالجرذان والفئران يمكن تشكل خطراً على صحة الإنسان، خاصة إذا استطاعت العبور إلى داخل المنازل واستطاعت الوصول إلى أمتعتِه كالأكل والماء، لذا وجب الحرص على إغلاق كل المنافذ التي قد تتسلل منها إلى داخل البيت، ومراقبة أقنية دورة المياه باستمرار. يوصي الأطباء بتجنب الأماكن والأشخاص المصابين، وتهوية المكان باستمرار، واتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة. كما يجب نشر الوعي لدى المصابين بضرورة الالتزام بوصفات العلاج وإكمالِها، وأخذ الاحتياطات الضرورية لعدم نقل العدى للآخرين. خاصة فيما يتعقل باستعمال مناديل صحية أو كمامات لمنع انتشار ذرات اللعاب في البيئة المحيطة حتى لا تتسعَ دائرة العدوى.
خطَرُ السُّلِّ المقاومِ للأدوية
ظهرتْ سلالة جديدة من السّل مقامةٌ للأدوية، وهي النوع القادر على مقاومة "الإيزونيازيد" و"الريفامبيسين"، وهما أكثر الأدوية نجاعة ضد عُصيات السّل. وقد تطورتْ هذه السلالة بسبب الاستعمال غير المنضبط للمضادات الحيوية، وعدم تقيُّد المرضى بإرشادات الطبيب في التعاطي لهذه المضادات. وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية؛ بيانا أكدتْ فيه على ضرورة بحث وتطوير مضادات حيوية جديدة لمواجهة تهديد السُّل المقاوم للأدوية. ووفقا للمنظمة، فإن السنوات الـ 50 الماضية، وصل اثنان فقط من المضادات الحيوية الجديدة لمعالجة السل المقاوم للأدوية إلى المرحلة الثالثة من التجارب. ويتم حاليا اختبار هذه الأدوية على المرضى لتقييم كفاءتِها وفعاليتِها العلاجية، ومازالت هذه الأدوية تحت التجارب في انتظار الموافقة عليها للخروج للاستعمال الآدمي. وقالت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية مارغريت تشان، "الاهتمام ببحوث السُّل المقاوِم للأدوية يُمثل أولويةً قصوى للمنظمة والعالَم. ومن الضروري الآن توفير أكثر من 800 مليون دولارٍ سنويا، لتمويل البحوث الطبية من أجل استحداث مضادات حيوية جديدة لعلاج مرض السُّل".
وحسب تقديرات فإن هناك حوالي 580 ألف حالة إصابة بهذا النوع من السل، و250 ألف حالة وفاة مرتبطة بالسل المقاوم للأدوية في عام 2015، أي نحو 14 في المائة من أجمالي الوفيات الناجمة عن مرض السل لهذا العام. وخلال اجتماع لزعماء العالم في أيلول سبتمبر عام 2016، حذر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك "بان كي مون" مِن أنَّ السُّل المقاوِم للأدوية انتشر في 105 بلداً. ويمكن علاجُ هذا المرض والشفاء منه باستخدام أدوية الخط الثاني. إلا أن خيارات علاج الخط الثاني محدودةٌ جداً وتتطلب العلاج الكيميائي المكثف (يصل إلى سنتين) بالأدوية المكلفة والسامة. وتقول منظمة الصحة العالمية؛ إن السُّل المقاوم للأدوية والبحوث المتعلقة به؛ ستكون من المواضيع الرئيسية التي سيناقشُها مؤتمر المنظمة المقرر عقده في موسكو في تشرين الثاني نوفمبر القادم. كما سيُشكل داء السل موضوعاً أساسياً في الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة حول مرض السُّل في عام 2018.
لمزيد من المعلومات حول داء السّل يُرجى الاطلاع على الروابط التالية:
البريد الالكتروني: abualihakim@gmail.com