.
وثقت دراسة حديثة قام بها باحثون من جامعة إدنبرة ومعهد علم النفس في جامعة تارتو في إستونيا أن حالات الصحة العقلية الشائعة مثل الاكتئاب والقلق والرهاب ترتبط بشكل وثيق بشخصيات الناس أكثر مما كان يُعتقد سابقًا، ونشرت هذه الدراسة فى مجلة ونشرت فى مجلة الأمراض النفسية والعلوم السريرية.
وللوصول إلى هذه النتيجة قام الباحثون بتحليل بيانات 16226 شخص مسجلين في البنك الحيوي الإستوني والذين قاموا بإكمال استبيانات الاضطراب النفسي والشخصية الشاملة، وتم أيضا تصنيف سمات شخصيتهم الخمسة الكبرى من قبل أنفسهم أوالمخبرين المقربين منهم.
ووجدت الدراسة أن حوالي ربع حالات مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق والرهاب تفسر على أنها مرتبطة بالسمات الشخصية للأفراد. وأن سمات الشخصية هي واحدة من أكثر المؤشرات موثوقية على ظهور واستمرار مشاكل الصحة العقلية.
ووفقا للدراسة فإن سمات الشخصية والأمراض النفسية تتداخل بشكل أقوى مما تُظهره الدراسات التقليدية الأخرى. إلا أن الدراسة توضح أيضا أن هذا التداخل لا يحدث بشكل كبير أو مبالغ فيه.
ماهو نموذج السمات الخمسة FFM
في هذه الدراسة قام الباحثون بمسح شخصية الناس وفقا للسمات الخمس التي يحددها علماء النفس باعتبارها الأبعاد الرئيسية للشخصية البشرية، والتي تصف الفروق الفردية الموزعة بشكل طبيعي بين عامة الناس. وهذه السمات الخمس هي : العصابية (وتسمى أحيانًا بنقيضها القطبي، الاستقرار العاطفي)، والانبساط ، واللطف ، والضمير، والانفتاح على التجربة (وتسمى أحيانًا بالذكاء).
وبالإضافة إلى هذه السمات الخمس الرئيسية، نظر الباحثون إلى سمات شخصية أخرى فردية أكثر دقة وذات مستوى أدنى – مثل الميل إلى الشعور بالحرج، والحاجة إلى الطمأنينة، والحاجة إلى المساعدة من الآخرين – باعتبارها مؤشرات على مشاكل الصحة العقلية العامة.
ووجد الباحثون أن سمات الشخصية FFM تتوافق مع أمراض الشخصية، على سبيل المثال، يميل الأشخاص الذين لديهم مخاطر صحية عقلية عامة أعلى إلى أن يكون لديهم قدر أكبر من العصابية (وهي ميل إلى الشعور بالمشاعر السلبية). وكانوا يميلون أيضًا إلى أن يكون لديهم قدر أكبر من اللطف (وهو توجه إيجابي تجاه الآخرين).
وترتبط العصابية العالية بعدم الاستقرار العاطفي وبالضيق والخوف، بينما كان عدم الانتباه أكثر ارتباطًا بالضمير، وارتبط انخفاض اللطف بالميول المعادية للمجتمع. وفرط النشاط بالانبساط، والتعب بالانفتاح، والأرق بالضمير. ولم تكن بعض مجالات الصحة العقلية مثل مشاكل النوم، مرتبطة بشكل قوي بأي جانب من جوانب الشخصية.
ربط الباحثون في هذه الدراسة بين مشاكل الصحة العقلية مثل الخوف والأرق والتعب وعدم الانتباه وفرط النشاط وبين سمات الشخصية للمشاركين في الدراسة بناءا على وصف المشارك أو على تقييم كل مشارك من قبل شخص آخر يعرفه جيدًا.
ووجد الباحثون أن سمات الشخصية كانت مرتبطة بشكل أقوى بمشاكل الصحة العقلية مقارنة بما اقترحته الدراسات السابقة. كما أشارت دراسات سابقة أن سمات الشخصية واضطراباتها واضطرابات الصحة العقلية الشائعة تشترك معا في ارتباطات وراثية وارتباطات تشريحية عصبية.
ما فائدة استخدام بيانات متعددة المصادر
في هذه الدراسة قام الباحثون بدمج طرق تقييم متعددة لتقدير الارتباطات بين سمات الشخصية المختلفة والأمراض النفسية. حيث استخدموا بيانات متعددة الطرق اعتمدت على الجمع بين تقارير الذات والمخبرين المطلعين مثل الشركاء أو الأصدقاء أو الأقارب، ورسم خريطة شاملة للشخصية.
وتميزت طرق التقييم المتعددة المصادر بأنها خالية من عيوب تحيزات الناس في الإبلاغ عن شخصياتهم وصحتهم النفسية والتي تحدث في الطريقة الأحادية القائمة على التقارير الذاتية وحدها والتي ينتج عنها نتائج أضعف. مما جعل الباحثين يدعون مستقبلا إلى تقييمات متعددة التصنيفات وأكثر دقة لكلٍّ من الشخصية والأمراض النفسية للكشف الكامل عن مدى وتفاصيل تداخلهما.
حيث أن سمات الشخصية والأمراض النفسية تتداخل بشكل أقوى مما تُظهره الدراسات التقليدية أحادية المنهج. ومن عيوب الطريقة الأحادية أيضا أن تأثيرات الحالة مثل التعب والمزاج والألم يمكن أن تؤثر على جميع التقارير الذاتية، مما يؤدي إلى إنشاء ارتباطات زائفة.
نظريات مختلفة تفسر العلاقة
وفقا للدراسة يمكن لنظريات علمية مختلفة تفسير هذه العلاقة بين السمات الشخصية والاضطرابات النفسية. فوفقا لنموذج الضعف قد تُهيئ سمات شخصية معينة الناس للإصابة باضطراب نفسي، بينما يذكر نموذج الندبة أن الاضطراب النفسي قد يترك أثرًا على شخصية الفرد. ويقدم نموذج السبب المشترك تفسيرا مختلفا حيث يرى أن الشخصية والاضطراب النفسي قد تشترك في جذور سببية. ووفقا لنموذج الطيف فقد يعسكان استمرارية مشتركة.
ولكن وفقًا لجميع هذه النماذج، فإن أبعاد الشخصية والاضطراب النفسي مترابطة إلى حد ما.
ورغم وجود علاقة بين السمات الشخصية والاضطرابات النفسية إلا أن المؤلف الرئيسي، هيلو ليس سودلا، من جامعة تارتو يقول “يتمتع العديد من الأشخاص الذين قد تُنبئ سماتهم إحصائيًا بضعف الصحة النفسية برفاهية ممتازة. في المقابل، لا يبدو أن العديد من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية في مرحلة ما من حياتهم معرضون للخطر بناءً على سمات شخصيتهم”.
ويرى دكتور هيلو أنه يمكن لعوامل عديدة أن تؤثر على الصحة النفسية لأى إنسان، بدءًا من المتغيرات الجينية ووصولًا إلى أحداث الطفولة العصيبة. وأن كل عامل بمفرده لا يُمثل سوى نسبة ضئيلة من خطر ضعف الصحة النفسية.
ويرى الباحثون أنه كلما زادت معرفتهم بدور السمات في زيادة مخاطر الصحة العقلية، زادت احتمالية قدرتهم على تصميم علاج ناجح للحد من هذه المخاطر .
.
المصادر
– https://psycnet.apa.org/fulltext/2025-88272-001.html
– https://www.eurekalert.org/news-releases/1082429
– https://www.researchgate.net/publication/264476432_Five-Factor_Model_of_Personality
.
تواصل مع الكاتب: alsaudi86@gmail.com