.
تتسم المصادفات في تواريخ ولادة أو وفاة بعض الشخصيات المشهورة أحيانًا بطابع غريب وطريف. فعلى سبيل المثال، في التاريخ الإسلامي وقع أن توفي الخليفة العادل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في اليوم نفسه الذي وُلد فيه الشاعر الماجن عمر بن أبي ربيعة. ولهذا علّق بعض المؤرخين على تلك اللحظة العجيبة بقولهم: «أيّ حقّ رُفع وأيّ باطل وُضع».
وبما أننا في يوم السبت 30 أغسطس، فمن الملائم أن نشير إلى مصادفة أخرى في دنيا العلوم، إذ وُلد في هذا اليوم عالم فيزيائي كبير، كما توفي في اليوم ذاته عالم فيزيائي بارز.
زيارة وستمنستر
قبل عدة أسابيع، وأثناء زيارتي لمدينة لندن، حرصت على زيارة كنيسة وستمنستر لمشاهدة قبر إسحاق نيوتن، وما يُعرف بـ”ركن العلماء” و”ركن الأدباء”. فقد جرت العادة أن تُدفن أبرز الشخصيات السياسية والفكرية والعلمية والأدبية في الإمبراطورية البريطانية عبر القرون في هذه الكنيسة، الأمر الذي يتيح لزائرها الاطلاع على قبور أهم الشخصيات في التاريخ الحديث. (وذلك بالإضافة إلى زيارة “مقبرة العظماء” في باريس المعروفة بالبانثيون).
في “ركن العلماء” وتحديدًا أمام قبر إسحاق نيوتن، لفت نظري وجود بلاطتين متجاورتين لاثنين من أشهر علماء الفيزياء الذين يعرف طلاب المدارس أسماءهم، وهما: السير جوزيف جون طمسون، مكتشف الإلكترون، والسير إرنست رذرفورد، مكتشف تركيب الذرة. إلى جانب تقارب مرقديهما، فإن اكتشافاتهما العلمية متقاربة كذلك؛ فأحدهما يُلقب بـ”أبي النظرية الذرية”، والآخر يُعد “أبا الفيزياء النووية”. والأعجب أنهما عملا معًا في فترة من مسيرتهما البحثية في مختبر كافنديش التابع لقسم الفيزياء بجامعة كامبريدج العريقة.
طمسون ورذرفورد
رغم أن ج. ج. طمسون كان أكبر سنًا من رذرفورد ورئيسًا له رسميًا في مختبر كافنديش، إلا أن حصولهما على جائزة نوبل كان في سنوات متقاربة: فقد نال طمسون الجائزة في الفيزياء سنة 1906م، بينما حصل عليها رذرفورد في الكيمياء سنة 1908م، رغم امتعاضه من تصنيفه ككيميائي، إذ كان يقول: «العلم كله إما فيزياء أو جمع طوابع».
وتتجلى أوجه التشابه بينهما أيضًا في جهودهما المشتركة في استقطاب ألمع العقول العلمية بجامعة كامبريدج، مما أسفر عن تكوين “مدرسة” فيزيائية مميزة. ويكفي أن ثمانية من الباحثين في مختبر كافنديش ممن عملوا معهما حصلوا على جائزة نوبل، أبرزهم الفيزيائي العملاق نيلز بور. ومنذ عام 1904م وحتى 2019م، حاز 31 عالمًا فيزيائيًا من مختبر كافنديش جوائز نوبل. بل إنه في عام واحد (1932م) تمكن بعض تلاميذ طمسون ورذرفورد من إنتاج ثلاثة أبحاث علمية نالت جوائز نوبل، فيما يُعرف عند الفيزيائيين بـ”سنة العجائب” في مختبر كافنديش.
ومن غرائب المصادفات أن ولادة رذرفورد كانت يوم 30 أغسطس 1871م، بينما توفي طمسون في اليوم نفسه سنة 1940م.
مصادفات أخرى
من أبرز المصادفات في تاريخ العلماء كذلك ما جرى بين جاليليو ونيوتن؛ فقد وُلد نيوتن في 4 يناير 1643م، أي بعد عام واحد تقريبًا من وفاة جاليليو في 8 يناير 1642م. والأغرب أن تاريخ وفاة جاليليو نفسه (8 يناير) وافق يوم ولادة أحد أعظم علماء الفيزياء المعاصرين، ستيفن هوكينج، عام 1942م، أي بعد ثلاثة قرون كاملة. وعندما توفي هوكينج يوم 14 مارس 2018م، انتبه البعض إلى أن هذا التاريخ هو نفسه يوم ولادة ألبرت أينشتاين عام 1879م.
كما أن العمر الذي بلغه كلٌّ من أينشتاين وهوكينج عند الوفاة كان 76 سنة، وأن يوم 14 مارس هو أيضًا “اليوم العالمي للعدد باي (π)” في الرياضيات، حيث يرمز إلى 3.14، ولهذا جرى اختيار 14/3 للاحتفال به وبإنجازات كبار العلماء مثل أينشتاين.
سنة العجائب
لا تقتصر عجائب تاريخ العلوم على المصادفات الزمنية، بل نجد أيضًا سنوات مميزة شهدت قفزات علمية، وتُسمى باللاتينية Annus Mirabilis سنة العجائب.
1932م (سنة العجائب في الفيزياء): شهد مختبر كافنديش ثلاثة اكتشافات كبرى:
– اكتشاف جيمس تشادويك للنيترون.
– تجربة كوككروفت ووالتون في الانشطار الذري باستخدام جسيمات مسرعة.
– تصوير باتريك بلاكيت للتصادم النووي الذي أكد وجود البوزيترون.
1665م (سنة نيوتن العجيبة):
اضطر نيوتن، وهو في سن الثالثة والعشرين، للعودة إلى منزله في وولثورب بسبب وباء الطاعون، وهناك توصّل إلى قانون الجاذبية، وابتكر حساب التفاضل والتكامل، وحقق إنجازات في البصريات ونظرية الألوان، وأثبت نظرية ذات الحدين في الرياضيات.
1905م (سنة أينشتاين العجيبة):
نشر أينشتاين، وهو في السادسة والعشرين، أربعة أبحاث أحدثت ثورة علمية، تضمنت:
– تفسير ظاهرة التأثير الكهروضوئي (نال عنها جائزة نوبل).
– صياغة النظرية النسبية الخاصة.
– معادلة الطاقة الشهيرة (E = mc²).
– تأكيد وجود الذرات عبر تفسير الحركة البراونية.
ولهذا احتُفل عام 2005م بمرور قرن على سنة أينشتاين العجيبة باعتباره “السنة الدولية للفيزياء”. والتي سميت كذلك (سنة أينشتاين).
.
تواصل مع الكاتب: ahalgamdy@gmail.com
.
اقرأ ايضاً للكاتب
ليلة يوري غاغارين وتنشيط سياحة الفضاء
