من المعروف أن بعض أنواع المضادات الحيوية تدمر الحمض النووي للإشريكية القولونية، ولكن ماهو رد فعل بكتيريا الإشريكية القولونية تجاه هذا الأمر؟ وكيف تعمل على تغيير النشاط داخل الخلايا بعد تدمير الحمض النووي. وكيف تنشط ما يعرف باسم استجابة النجدة (SOS) ؟
تدمر المضادات الحيوية الحمض النووي للإشريكية القولونية، ولكن عندما تكتشف الإشريكية القولونية تلفًا في مادتها الوراثية، فإنها تعمل على تغيير النشاط داخل الخلايا وتنتقل البكتيريا إلى وضع يشبه وضع الطوارئ . عندما تذهب للطبيب ويصف لك مضادا حيويًا فقد يساعدك في التغلب على العدوى البكتيرية، ولكن البكتيريا في جسمك قد تواجه هذا الأمر بسلوك مختلف فيما يعرف بمقاومة المضادات الحيوية.
فالعلاج بالمضادات الحيوية يسبب ضررا للبكتيريا. ولكن البكتيريا بعد تلف الحمض النووي قد تنشط ما يسمى باستجابة النجدة.
في هذه الدراسة التي نشرت في السادس والعشرين من مارس السابق في مجلة فرونتيرز، وقام بها باحثون من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، تمت دراسة كيفية تفاعل بكتيريا الإشريكية القولونية المسببة للأمراض عند تعرضها لكميات صغيرة غير مميتة من المضاد الحيوي سيبروفلوكساسين لتنشيط استجابة النجدة مع تجنب موت الخلايا. و تمت تنمية البكتيريا في مفاعل حيوي، مما سمح بسيطرة كاملة على ظروف النمو.
يعد سيبروفلوكساسين أحد المضادات الحيوية الأكثر استخدامًا في العالم حاليًا، ويعمل عن طريق مهاجمة الحمض النووي للخلايا البكتيرية مما يؤدي إلى تلف الحمض النووي. ويحدث ذلك عن طريق ارتباطه بالبروتين الذي يساعد في الحفاظ على البنية الصحيحة للحمض النووي عند الإنقسام ويوقف عمله، وبالتالي يتوقف عمل شوكة التكرار ويتكسر الحمض النووي في الإشريكية القولونية. ويؤدي هذا إلى تكون خيوط مفردة من الحمض النووي أحادي السلسلة غير المكتمل. ويتم تعليق العديد من الأنشطة الشائعة في البكتيريا مثل التكاثر. ويحدث تغير في شكل البكتيريا حيث عادةً ما تكون بكتيريا الإشريكية القولونية على شكل قضيب، ولكن عند تعرضها للسيبروفلوكساسين فإنها تصبح على شكل خيوط طويلة.
إن تكون الخيوط المفردة من الحمض النووي أحادي السلسلة داخل البكتيريا يكون بمثابة جرس الإنذار الذي يدفع البكتيريا لمحاولة إصلاح الحمض النووي التالف فيما يعرف باستجابة النجدة. وعند حدوث الإنذار يتم تنشيط 60 جينا مختلفا داخل الخلية لتفعيل الاستجابة وإصلاح تلف البكتيريا. وكان يُعتقد سابقًا أن الجينات يتم تنشيطها في أوقات مختلفة، إلا أن الباحثين وجدوا أن جميع الجينات يتم تنشيطها في نفس الوقت، وأن الاختلاف في توقيت الاستجابة بعد التنبيه يحدث فقط للبروتينات التي تقوم بعملية الإصلاح.
ماهي استجابة النجدة (SOS)؟
استجابة النجدة هي استجابة تحدث بعد تلف الحمض النووي، حيث يتم إيقاف دورة الخلية وتحفيز إصلاح الحمض النووي والطفرات. تم اكتشافها وتوصيفها من قبل إيفلين ويتكين وميروسلاف رادمان في أوائل ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي. وتعتبر خط الدفاع الأول في الحفاظ على استقرار الجينوم للبكتيريا. حيث تُظهر البكتيريا ذات استجابة النجدة المنخفضة أو المعدومة استجابة أعلى للمضادات الحيوية.
تستخدم هذه الاستجابة بروتين ريكا (recA) المسؤول عن إصلاح وصيانة الحمض النووي لتغليف الحمض النووي أحادي السلسلة الذي تكون بعد التلف، ومن ثم يعمل على إعادة التركيب المتماثل للحمض النووي، كما تعمل على إيقاف عمل بروتين ليكسا (lexA) الذي يوقف استجابة النجدة، حيث تنخفض كمية بروتين ليكسا بشكل كبير جدا بعد دقائق معدودة من بدء الاستجابة لإصلاح التلف ويتوقف نشاطه القمعي وتعمل الاستجابة بشكل طبيعي.
ولكن إذا لم تكن هذه الإصلاحات فعالة فإن البكتيريا تلجأ إلى تغيير الحمض النووي، وهكذا تصبح البكتيريا قادرة على التكيف ومقاومة المضادات الحيوية.
من الملاحظ في هذه الدراسة أن الباحثين تجنبوا إعطاء جرعة كاملة وكبيرة من المضادات الحيوية الكفيلة بإحداث ضرر كبير للبكتيريا لا يمكن إصلاحه. ولكن بدلا من ذلك قام الباحثون بإعطاء كميات صغيرة غير مميتة من المضاد الحيوي وذلك لأن الباحثين مهتمين بمعرفة ما يحدث عند فوز البكتيريا وتغلبها على المضاد الحيوي من خلال استجابة النجدة. حيث سيساعد معرفة كيفية حدوث عملية الإصلاح والطفرات وكيفية استخدام البكتيريا للبروتينات والجزيئات الصغيرة لإصلاح الضرر الناجم عن المضاد الحيوي في دراسة طرق جديدة لمواجهة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
هل من الممكن أن تساهم هذه الأبحاث في تطوير أدوية جديدة؟
يهتم الباحثون بفهم كيفية عمل الاستجابة من أجل محاولة الوصول إلى أدوية جديدة قادرة على التغلب على مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. فقد يعتقد البعض أنه لمنع مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية يكفي إعطاء جرعات كبيرة وكافية من المضاد الحيوي. ولكن هذا ليس صحيحا دائما، فعند العلاج بالمضادات الحيوية قد لا تتعرض جميع البكتيريا للمضادات الحيوية بنفس التركيز بسبب اختلاف الامتصاص بين الأنسجة المختلفة وأن بعض البكتيريا لها قدرة أكبر على المقاومة، ولذا فإنه حتى مع إعطاء جرعات عالية وكافية قد تتمكن بعض البكتيريا من تطوير مقاومة للمضادات الحيوية.
ولكن من خلال معرفة المزيد حول كيفية عمل استجابة النجدة، يمكن للعلماء تطوير مواد تهاجم آليات هذه الاستجابة وتجعل البكتيريا غير قادرة على إصلاح تلف الحمض النووي. ويمكن إعطاء هذه المواد التي تسمى المثبطات كدواء إضافي يأخذ مع المضادات الحيوية.
لذا فإن إجراء مزيد من الأبحاث حول استجابة النجدة قد يمكّن الباحثين مستقبلا من إيجاد طرق وأدوية جديدة لمكافحة تطور المقاومة. خاصة أن العالم حاليا يحتاج إلى مضادات حيوية جديدة مع تفاقم ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية.
المصادر:
www.frontiersin.org/journals/microbiology/articles/10.3389/fmicb.2024.1373344/full
www.eurekalert.org/news-releases/1048096
www.sciencedirect.com/topics/agricultural-and-biological-sciences/sos-response
البريد الإلكتروني للكاتب: alsaudi86@gmail.com