في خضم التطور السريع للتكنولوجيا، يتسارع نمو استخدام الأجهزة الالكترونية في العديد من مجالات الحياة، ويتزايد تراكم النفايات الالكترونية. هذه النفايات المتراكمة أصبحت تمثل خطرا متزايدا على البيئة لما تحتويه من مواد ملوثة لكنها أيضا أصبح ينظر إليها كمصدر مهم للمعادن الثمينة. لكن ما هو واقع انتشار هذه الأجهزة وكميات النفايات المنجرة عنها وكيف تتم معالجتها في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وما مدى اهتمام البحث العلمي في دول المنطقة بظاهرة تزايد النفايات الالكترونية ومساهمته في إيجاد حلول للمشاكل المنجرة عنها؟
منظمة المجتمع العلمي العربي
في دراسة مراجعة جديدة نشرت في دورية (Environmental Technology & Innovation) تناول مجموعة من الباحثين من كلية الهندسة بجامعة قطر بالدرس والتحليل هذا الموضوع بناء على البحوث المنشورة خلال الفترة المتراوحة بين عامي 2011 إلى عام 2021.
النفايات الإلكترونية في العالم
وفق الباحثين، تتضمن نفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية، مجموعة واسعة من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية التالفة والمهملة والتي عفا عليها الزمن مثل الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر والملحقات وأجهزة التلفزيون والثلاجات ومكيفات الهواء. وتنقسم إلى ستة أنواع رئيسية، وهي معدات التبريد والتجميد، والشاشات، والمصابيح، والمعدات الكهربائية الكبيرة، والمعدات الكهربائية الصغيرة، ومعدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصغيرة.
وتشير الاحصائيات إلى تزايد استهلاك المعدات الكهربائية والإلكترونية عالميا في السنوات الأخيرة، بمعدل ينذر بالخطر يبلغ 2.5 مليون طن سنويا. فكلما تجد التكنولوجيا تحديثا أو يتم إصدار أفضل قليلا من منتج موجود، تصبح شريحة كبيرة من المنتجات قديمة. نتيجة لذلك تسارع نمو النفايات الإلكترونية ليصل حوالي 53.6 مليون طن في عام 2019 في جميع أنحاء العالم مقارنة بحوالي 44.4 مليون طن عام 2014. ومن المتوقع أن تناهز كمية هذه النفايات 74.7 مليون طن في عام 2030.
بالتوازي مع ذلك، زاد نسق معالجة هذه النفايات وإعادة تدويرها بسبب ما تمثله من مخاطر بيئية وصحية ولكن أيضا للاستفادة مما تحتويه من معادن نفيسة. وقفزت كمية النفايات المعالجة من 1.8 إلى 9.3 مليون طن خلال الفترة من 2014 إلى 2019، أي بمعدل نمو سنوي يبلغ 0.2 مليون طن، لكن هذا النمو يظل متواضعا نسبيا مقارنة بمعدل نمو النفايات الإلكترونية (ما يقرب من 2 مليون طن سنويا).
عند النظر في المكونات الموجودة في النفايات الإلكترونية، فإن النفايات الإلكترونية تعد مستودعا هائلا للمواد مثل العناصر الثمينة، والمواد الخطرة في نفس الوقت، فهي تحتوي، كما يقول مؤلفو الدراسة، على أكثر من 1000 مادة موزعة على معادن حديدية ومعادن غير حديدية وبلاستيك وزجاج وخشب وسيراميك ومطاط وعناصر أخرى. ويتكون 50 بالمائة من النفايات الإلكترونية من الحديد والصلب، يليها البلاستيك 21 بالمائة، والمعادن غير الحديدية 13 بالمائة، إضافة إلى مكونات أخرى. وتنتمي المعادن مثل النحاس والألمنيوم إلى مجموعة المعادن الحديدية، والمعادن الثمينة مثل الفضة والذهب والبلاديوم هي المعادن غير الحديدية.
البحوث حول النفايات الالكترونية بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
في هذه المراجعة قام الباحثون بتحليل الأوراق البحثية التي صدرت خلال الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2021 حول المخلفات الإلكترونية في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، دراسة تطور كميات النفايات الإلكترونية، والوضع الحالي لإدارة النفايات الإلكترونية وتأثيراتها المختلفة. شملت المراجعة 35 بحثا منها 23 بحثا أنتجتها مؤسسات بحث عربية (8 في مصر، و6 في الأردن و3 في العراق و2 في كل من الجزائر والكويت والبحرين). وأرجع الباحثون، الذين لاحظوا وجود قيود على البيانات المتعلقة بالنفايات الإلكترونية في دول المنطقة، تدني عدد المنشورات إلى أن موضوع النفايات الإلكترونية لم يحظ بعد بالاهتمام الواجب في هذه البلدان.
عدد الأوراق البحثية المنشورة حول النفايات الالكترونية
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عامي 2011 و2021
انتاج النفايات الالكترونية في بعض البلدان العربية
استعرض الباحثون في الدراسة أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسات السابقة والبيانات التي أوردتها حول انتاج النفايات الالكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخاصة في بعض الدول العربية.
ففي الجزائر وجد استطلاع نشرت نتائجه عام 2017 حول أجهزة الكمبيوتر والشاشات أن تقادم التكنولوجيا كان السبب الرئيسي للتخلي عن الأجهزة وليس تقادمها الوظيفي. وفي دراسة أخرى قدر الباحثون أنه بحلول عام 2030 ، سيكون المخزون قيد الاستخدام من أجهزة الكمبيوتر الشخصية واحدًا لكل خمسة أشخاص (0.22) -أي أكثر من 8 ملايين جهاز- مقابل حوالي 3 ملايين جهاز فقط عام 2010.
وفي مصر، قدرت دراسة نشرت عام 2017 حول الهواتف المحمولة التي انتهى عمرها والمعادن الثمينة التي يمكن استردادها منها. ووجدت أن عدد الهواتف المحمولة التي انتهى عمرها سيرتفع إلى 130 مليونا بحلول عام 2025. وقدرت الدراسة أن كميات الذهب التي يمكن استعادها من الهواتف المحمولة 3 أطنان، وستكون الفضة 31 طنا في عام 2025.
أما في العراق، فقد استخدمت دراسة علمية أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) لتحديد النسبة المئوية للنفايات الإلكترونية في البلاد فيما يتعلق بالمواقع المختلفة. وأظهرت النتائج تصدر بغداد قائمة المدن العشر في قائمة توليد النفايات الإلكترونية، حيث تولد الحكومة والقطاع العام 71 بالمائة من النفايات الإلكترونية وتنتج الأسر حوالي 16 بالمائة من هذه النفايات.
وفي الأردن، قدرت دراسة علمية كمية النفايات الإلكترونية للهواتف المحمولة والحواسيب الشخصية وأجهزة التلفزيون والثلاجات والغسالات بحوالي 16874 طنا في عام 2015، وبزيادة قدرها 1.8 بالمائة عن العام السابق. وأظهرت أن هذه النفايات يعود 35.9 بالمائة منها إلى الغسالات و31.8 بالمائة إلى أجهزة التلفزيون و22.2 بالمائة إلى أجهزة التلفزيون. وفي المغرب، أظهرت دراسة استقصائية إلى تزايد عدد أجهزة الكمبيوتر في المنازل بنسبة 20 بالمائة سنويا منذ عام 2007 وقدرت النفايات الإلكترونية من أجهزة الكمبيوتر بنحو 5 آلاف طن من القطاع المنزلي، و 13 ألف طن من القطاع الخاص، و 500 طن من القطاع العام، بإجمالي 18500 طن.
وفي الكويت، استخدم الباحثون تطور نسبة الاقبال على اقتناء الهواتف المحمولة كمقياس لحساب كميات نفايات الإلكترونية وقدروا الكميات المنتجة من هذه النفايات بحوالي 3 آلاف طن سنويا وبمتوسط زيادة بنسبة 12.7 بالمائة. ولاحظ الباحثون بصفة عامة، وجود علاقة تربط بين نصيب الفرد الواحد من كميات النفايات الالكترونية المنتجة في كل دولة بقيمة ناتجها الداخلي الخام. وقد تراوح نصيب الفرد بين 17.3 كيلوغرام من النفايات الالكترونية في العربية السعودية و1.5 كيلوغرام في اليمن، في حين أن المتوسط العالمي يبلغ 7.5 كيلوغرام للفرد الواحد.
نصيب الفرد من النفايات الإلكترونية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
الوضع الحالي للتخلص من النفايات الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
بحسب مؤلفي دراسة المراجعة، ورغم زيادة استهلاك النفايات الإلكترونية في المنطقة فإنه لا يوجد قطاع رسمي للنفايات الإلكترونية في معظم بلدان المنطقة، لذلك يتم التخلص منها عشوائيا بخلطها مع النفايات الصلبة أو تصديرها. ففي الجزائر، على سبيل المثال، يتم جمع النفايات الإلكترونية جنبًا إلى جنب مع النفايات المنزلية والسائبة، ويقوم القطاع غير الرسمي بأنشطة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، يتم تصدير النفايات الإلكترونية بسبب غياب أنظمة إدارة النفايات الإلكترونية وخردة البطاريات. وقد ارتفعت صادرات النفايات الإلكترونية بين عامي 2012 و2014 من حوالي 33 ألف إلى 52 ألف طن، وبمعد نمو سنوي يصل إلى حوالي 24.5 بالمائة.
أما في مصر، فتتم إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية من خلال بيع الأجهزة والمعدات المجمعة في خمسة أسواق رئيسية منتشرة في أنحاء القاهرة في المناطق الفقيرة والمكتظة بالسكان وفقًا للتقارير التي أعدتها وزارة شؤون البيئة، وقد بلغت نسبة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية في مصر حوالي 1 بالمائة في عام 2014 في العراق، أشارت دراسة باستخدام استبيان إلى أن نسبة عالية (95 بالمائة من 87 مستجوبا) تلقي نفاياتهم الإلكترونية في حاويات النفايات العامة، وأن 14 بالمائة فقط يعرفون درجة مخاطر النفايات الإلكترونية على البيئة والصحة.
النفايات الإلكترونية موضوع جديد في الدراسات العلمية في المنطقة
عند النظر في الدراسات العلمية التي تناولت الآثار المرتبطة بالنفايات الإلكترونية في المنطقة، ذكر المؤلفون أنه لم يتم الإبلاغ عن أعمال مهمة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إلا أنه من الممكن افتراض أن تأثيرات المخلفات الإلكترونية مماثلة للدراسات التي أجريت في بلدان أخرى مثل الصين والهند ونيجيريا؛ ومع ذلك، فإن الاختلاف الجغرافي في الموقع يمكن أن يسبب تغيرات في توزيع الملوثات ووجودها في مختلف مراحل الهواء والماء والأرض وفي النهاية في الجسم البشري.
وأشار المؤلفون إلى بعض المبادرات التي تسعى إلى معالجة هذه النفايات والحد من خطورتها على البيئة والصحة. من ذلك المبادرة التي قامت بها مؤسسة قطر، وتم في إطارها جمع 4.5 طن من النفايات الإلكترونية على مدار سبعة أيام في عام 2019. وتم فرز هذه النفايات الإلكترونية وتصنيفها وتعبئتها في منشأة محلية قبل تصديرها. وسجلت مبادرة إيجابية أخرى من قبل شركة الميرة للسلع الاستهلاكية لإعادة التدوير لجمع البطاريات المستعملة. وقامت دولة عمان، من ناحيتها، ببعث منشأة لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية وهي الأولى من نوعها، وتوفر إعادة التدوير الكامل للنفايات الالكترونية من التجميع إلى مرحلة إعادة التدوير.
استنتج الباحثون من هذه المراجعة، أن النفايات الإلكترونية هي موضوع جديد نسبيا في الدراسات العلمية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولم يحظى بالاهتمام المطلوب على الرغم من أن هذه النفايات تمثل مجموعة من المخاطر البيئية والصحية. كما لم تخضع تأثيرات المخلفات الإلكترونية في بلدان المنطقة لدراسة مفصلة. وتوقعوا أن تتبع النفايات الإلكترونية، إذا لم يتم إيلائها الاهتمام اللازم، المسار الذي اتخذته مادة البلاستيك، التي بدت ذات يوم نعمة، لكنها الآن تخنق البحيرات والأنهار والتربة وتتسبب في أضرار مأساوية للكوكب.
المصدر:
– Electronic waste considerations in the Middle East and North African (MENA) region: A review
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة