مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

واقع استخدام الطاقات المتجددة في تحلية المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

09:21 صباحًا

تاريخ النشر

25, ديسمبر 2022

تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أكثر مناطق العالم ندرة في المياه، لذلك تلجأ دول المنطقة إلى تحلية المياه لسد حاجياتها منها. غير أن تحلية المياه تستهلك الكثير من الطاقة ولها آثار بيئية ضارة بسبب استخدام الطاقة الأحفورية.

لذلك فإن استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الجوفية لتحلية المياه سيكون الخيار الأفضل لتوفير حاجة السكان المنطقة المتزايدة من هذه المادة الأساسية في المستقبل مع المحافظة على البيئة، بحسب دراسة مراجعة جديدة نشرت مؤخرا في دورية (Journal of Advanced Research).

حاجة متزايدة لتحلية المياه

تعتبر المياه ضرورية لجوانب الحياة اليومية مثل الشرب والري والتصنيع. وقد ارتفع الطلب عليها حول العالم في العقود الأخيرة بسبب توسع الأنشطة الصناعية والنمو السكاني وتطور الزراعة، في الوقت الذي زادت فبه بعض العوامل، مثل الجفاف واستنزاف المياه الجوفية، من حدة نقص المياه في بعض مناطق العالم.

ورغم أن الماء يغطي أكثر من ثلثي سطح الأرض، إلا أن أكثر من 96 بالمائة من هذه المياه في حالة مالحة أو معتدلة الملوحة، مما يجعلها غير صالحة للاستعمال لأغراض الشرب أو الزراعة. في المقابل لا تمثل المياه العذبة المتاحة للبشر سوى أقل من واحد بالمائة. لذلك تتزايد الحاجة إلى عمليات معالجة المياه المالحة لجعلها مناسبة للشرب. وتعتبر عمليات تحلية المياه تقنية واعدة يمكن أن تكون بمثابة حل لمشكلات نقص المياه العذبة لأغراض مختلفة مثل الاستخدام المنزلي والري.

لكن أنظمة تحلية المياه عادة ما يتم تشغيل بواسطة الوقود الأحفوري. وبما أن هذا النوع من الوقود معروف بمساهمته الهامة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وأضراره الكبيرة على الوسط البيئي، فقد تم بذل العديد من الجهود لاستخدام بديل له لتشغيل أنظمة تحلية المياه. ويعد تطبيق الطاقات المتجددة أحد أكثر الحلول العملية في السنوات الأخيرة للتغلب على المشكلات البيئية المتعلقة بالوقود الأحفوري. وقد أثبتت التجارب أن تحلية المياه باستخدام مصادر متجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ممكنة عمليا في محطات تحلية مياه البحر والمياه قليلة الملوحة.

أهمية الطاقات المتجددة في تحلية المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أكثر مناطق العالم إجهادا مائيا، وأصبحت ندرة المياه تحديا للتنمية في بلدان المنطقة. وبسبب الزيادة السكانية والتأثيرات المتوقعة لتغير المناخ، من المرجح أن تزداد فجوة الطلب على المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار خمسة أضعاف بحلول عام 2050، من 42 كيلومتر مكعب سنويا اليوم إلى 200 كيلومتر مكعب بحلول عام 2050.

ورغم أن تحلية المياه تلعب بالفعل دورا مهما في تأمين إمدادات المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنها مكلفة وتستهلك الكثير من الطاقة إلى جانب آثارها البيئية الضارة. وقد وجدت دراسة أجرتها وكالة الطاقة الدولية أن أكبر ستة اعتمادا على تحلية المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والجزائر والكويت وليبيا- يستخدمون ما يقرب من 10 بالمائة من الطاقة الأولية لتحلية المياه.

بحسب دراسة المراجعة الجديدة التي قام بها باحثون من جامعة الشارقة، يمكن تقليل الآثار السلبية لتحلية المياه، باستخدام الطاقة المتجددة لتشغيل المحطات. فدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتع بإمكانيات هائلة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية تعادل 1.5 مليار برميل من النفط الخام سنويا. ويمكن استخدامها بشكل فعال في تشغيل أنظمة تحلية المياه المختلفة مثل التناضح العكسي (Reverse osmosis)، وفلاش متعدد المراحل (Multistage flash)، والترشيح متعدد التأثير (Multi-effect distillation) وغيرها من التقنيات.

الطاقة الشمسية الأكثر استخداما

يتضح من الدراسات التي شملتها المراجعة، أن الطاقات المتجددة تم استخدامها بأشكال مختلفة في تحلية المياه في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكانت الطاقة الشمسية، الحرارية والفولضوئية على حد سواء، هي الأكثر استخداما نظرا لتوافرها وكثافتها العالية. وقد تم استغلال الطاقة الشمسية الكهروضوئية بشكل أساسي لتشغيل أنظمة تحلية المياه بالتناضح العكسي، ووجد الباحثون أنها الأنسب والأكثر فعالية من حيث التكلفة نظرا لأن الخلايا الشمسية الكهروضوئية تنتج طاقة تيار مستمر تعمل مباشرة على تشغيل هذه الأنظمة. كما وجدوا أن الطاقة الشمسية المركزة أكثر كفاءة من الخلايا الكهروضوئية العادية. وتوفر الطاقة الشمسية المركزة خيارا جذابا لتشغيل محطات تحلية المياه على نطاق صناعي وتوفير إمداد مستقر للطاقة.

وتشير التقديرات التي أوردتها دراسات سابقة، إلى أن اعتماد الطاقة الشمسية المركزة لتحلية المياه من شأنه أن يجلب مزايا بيئية كبيرة. فإلى جانب كفاءتها العالية، ستقلل عملية تحلية المياه عبر تقنية التناضح العكسي بهذا النوع من الطاقات المتجددة، من إنتاج المحلول الملحي السنوي المضر بالبيئة بمقدار النصف تقريبا. كما ستؤدي زيادة استخدام هذه الطاقة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في المنطقة.

وتعد طاقة الرياح واحدة من أكثر البدائل جاذبية لأنظمة توليد الطاقة المستخدمة حاليا باستخدام الوقود الأحفوري. ويمكن استخدامها في أنظمة تحلية المياه، بمفردها أو مع الشبكة أو دمجها مع أنظمة الطاقة المتجددة الأخرى.

بحسب دراسة المراجعة، فإن الطاقة الكهرومائية مجدية اقتصاديا فقط في مواقع محددة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أثبتت الدراسات التي جرى معظمها في الأردن، جدوى استخدامها في أنظمة التناضح العكسي. أما موارد الطاقة الحرارية الجوفية فهي محدودة للغاية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لذلك فإن يجعل استخدامها في تحلية المياه متاح فقط في الجزائر وتونس.

في المقابل، تستخدم أنظمة الطاقة المتجددة الهجينة في أماكن مختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وثبت أنها مناسبة للتطبيق. وكانت المجموعة الهجينة الأكثر استخداما هي الطاقة الشمسية الكهروضوئية مع طاقة الرياح.

توصيات

دعا الباحثون إلى إجراء مزيد من الدراسة والاستكشاف حول تحلية المياه الهجينة القائمة على الطاقة المتجددة لأنها توفر إمكانات هائلة لتحسين الأداء من حيث التكلفة والإنتاجية. وتتمثل إحدى الطرق الواعدة في استخدام الطاقة الشمسية مع طاقة الرياح في تشغيل أنظمة التناضح العكسي، لزيادة إنتاجية المياه إلى أقصى حد مع استهلاك أقل للطاقة.

بحسب الباحثين، فإن تحلية المياه القائمة على مصادر الطاقة المتجددة يجب أن تصبح أولوية سياسية واضحة لمعالجة ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأوصوا ببناء المزيد من محطات التحلية التي تعمل بالطاقات المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة في دول الخليج العربي، حيث تمتلك ما يقرب من نصف قدرة تحلية المياه في جميع أنحاء العالم، إلى جانب موارد الطاقة الشمسية الوفيرة. وسيؤدي ذلك إلى تقليل انبعاثات الكربون والبصمة الكربونية في هذه البلدان، التي لديها بعض من أعلى انبعاثات الكربون للفرد في جميع أنحاء العالم. كما ستساعد زيادة حصة تحلية المياه القائمة على الطاقة المتجددة في هيكلة بيئة أنظف وإمدادات طاقة ومياه أكثر استدامة للعقود القادمة.

 

المصدر:

Recent progress in renewable energy based-desalination in the Middle East and North Africa MENA region
www.ecomena.org/csp-desalination-mena/

 

 

تواصل مع الكتاب: gharbis@gmail.com​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

      

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
12/27/2022 2:42 مساءً
عنوان التعليق
تحلية المياه
Anonymous
Anonymous
01/02/2023 12:05 صباحًا
عنوان التعليق
الطاقات المتجددة في تحلية المياه
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x