إذا كنت تعمل على موضوع علمي معين وتجري بحثاً فيه، فإن أولى خطواتك هي، وكما ذكرنا في مقال "ما قبل الكتابة"، هي البحث فيما قد تم نشره حول الموضوع وأين وصل العلم فيه والمعرفة الجماعية حوله. ونتيجة ذلك، ستتكون لديك حصيلة من المعلومات وتصور لحالة العلم والمعرفة في ذلك الموضوع، ومن نتائجك الخاصة في بحثك أيضاً، هذه الحصيلة تؤهلك لكتابة مقال "مراجعة" حول ما تعلمته وتمنحك فرصة لمشاركة غيرك من الباحثين في المجال، وسيكون هذا مفيداً جداً لهم ولك. فإن كتابة مقال المراجعة هذا سيساعدك في ترتيب أفكارك وعملك في بحثك بشكل أكثر وضوحا.
الغرض من ورقة المراجعة هو تلخيص وترتيب ومؤالفة لآخر ما توصل إليه العلم في أحد مواضيع المعرفة، وتوفير فهماً لدى القارئ من خلال مناقشة النتائج المقدمة في الأوراق البحثية الأخيرة المنشورة حوله. أي أنها، وكما يوحي اسمها، تقدم تقييمًا نَقْديًّا للعمل المنشور سابقًا حول موضوع معين. ويمكننا أن نقول إنها ترسم صورة ذهنية لحقل المعرفة هذا، تساعد القارئ على الرؤية والتخطيط لبحثه.
وهي شائعة جدًا ومرغوبة لدى القراء لأنها توفر لهم الكثير من الوقت. لذا، فإن المؤلف لهذا النوع من الأوراق يقدم هدية عظيمة ومقدّرة للباحثين لأنه يقدم لهم تقريراً عن نتائج مراجعته الشاملة للموضوع، ويستحق بذلك شكرا كبيرا من العديد من القراء الذين يستفيدون من جهوده الضخمة والمُقَدَّرة.
ما الفرق بين المقالات البحثية ومقالات المراجعة؟
المقالات البحثية، التي يشار إليها أحيانًا بالمصادر التجريبية أو الأولية، هي المقالات التي تتحدث عن الأبحاث الأصلية. والتي تتضمن عادةً أقساماً مثل المقدمة والأساليب والنتائج والمناقشة، كما بيناها في المقالات السابقة من هذه السلسلة.
أما مقالات المراجعة، والتي تسمى أحيانًا المصادر الثانوية، فإنها تقوم بتوليف أو تحليل البحوث التي أجريت بالفعل في المصادر الأولية. وهي على عكس المقالات البحثية الأصلية أو الأولية، لن تقدم نتائج تجريبية جديدة. ومع ذلك، ومن خلال تحليل مجموعة كبيرة من البيانات من الدراسات السابقة، يمكن أن تصل بعض المراجعات المنهجية إلى استنتاجات جديدة. ويمكن أن توفر مقالات المراجعة أيضًا توصيات لمجالات البحث المحتملة للاستكشاف التالي.
حدد الإطار
توفر ورقة المراجعة تنظيماً وتجميعاً للأعمال السابقة حول موضوع معين، ولكنها ليست سرداً لقائمة من الأوراق حول ذلك الموضوع مع ملخص قصير للأهم منها، بل يجب أن تحتوي كل ورقة مراجعة على قصة ترويها وموضوع أو فكرة رئيسية theme ووجهة نظر. وبالتالي يجب أن يكون السياق مدفوعًا بالفكرة.
حدد إطار أو فكرة مقال المراجعة وسؤال البحث الذي ستجيب عليه من خلالها، وتأكد من أن مقالتك تساهم بشيء جديد في المجال وتقارير عن أفكار جديدة لم يتم التحقيق فيها بالفعل. وهذا التحديد للإطار يمكّنك من إدارتها، والتركيز على هدفك منها.
وفيما يلي بعض المواضيع أو الأطر الأكثر شيوعًا الموجودة في أفضل أوراق المراجعة:
- جدل: معسكران أو أكثر لهما نظريات متنافسة أو تفسيرات لظاهرة، مع دليل لكل منها. وهنا يستعرض الكاتب آراء وحجج الطرفين (من خلال البحوث الأصلية لهما)، ثم يناقش ويبدي رأيه وحجته.
- التقدم نحو تطوير أداة أو عملية أو طريقة أو نظرية جديدة رئيسية.
- التطور التاريخي الذي أدّى إلى اكتشاف معين أو مفهوم رئيسي، وانعكاساته على الحاضر والمستقبل.
- مقارنة المقاربات المختلفة تجاه قياس / تصميم / تصنيع / نمذجة شيء محدد ذي أهمية، ومزاياه وعيوبه. ومن أمثلة ذلك المقارنة بين تقنيات تستخدم لغرض معين. مثل المقارنات بين تكنولوجيات مختلفة تؤدي غرضاً معيناً، أو المقارنة بين تصميمات مختلفة لتكنولوجيا معينة … وهكذا.
- استخدام أداة أو عملية أو طريقة أو أسلوب لتخصصات أو لتطبيقات مختلفة.
- رؤية جديدة من وجهة نظر أوسع للتقدم في موضوع معين، أو التعرف على مشكلة جديدة حساسة أو قضية لم يلاحظها أحد من قبل، يمكن أن تراها من خلال النظرة الواسعة والمنظمة للبيانات.
- دعوة للعمل: لماذا يجب على المجتمع تخصيص موارد كبيرة لموضوع معين.
وإذا صح التعبير، يمكن تشبيه القصة أو الفكرة الرئيسية لورقة المراجعة، كتلك التي يحكيها فلم وثائقي، فمثلاً، لو كان الموضوع العلمي عبارة عن نظرية علمية، فإن كانت الفكرة الأساسية هي التطور التاريخي أو خطوات التقدم للوصول إليها، فإنك ستستعرض تلك الأوراق التي تمثل المراحل بمسارها التاريخي وتتحدث عن الخطوات والمنعطفات لتلك المسيرة، أما إذا كانت القصة أو الفكرة الرئيسية للورقة، هي جدل بين معسكرين أو مدرستين علميتين، إحداهما تؤيد تلك النظرية والأخرى تعارضها، فستعرض ورقة المراجعة حجج الطرفين وتصل إلى استنتاج للكاتب،… وهكذا.
وأياً كانت الفكرة الرئيسية، يجب أن يكون الهدف الأساسي لكل ورقة مراجعة هو تحقيق تنظيم وتوليف للأعمال السابقة حول الموضوع المختار من أجل تسريع تراكم واستيعاب المعرفة الحديثة ضمن سياق المعرفة الحالية.
هيكل مقال المراجعة
ضع في اعتبارك أن التركيز ضروري للنجاح في مقالة المراجعة، وأن موضوع المراجعة الضيق النطاق أكبر قيمة من واسع النطاق.
بمجرد اختيار الموضوع، يبدأ العمل الحقيقي لكتابة ورقة المراجعة بمراجعة شاملة للأدبيات المتعلقة به. تأكد من أن لديك جميع الأوراق التي تريد أن تخبر القارئ عنها والتي سوف ترتبها وتنظمها في سياق فكرتك وهدفك المحدد، كما ذكرنا سابقاً، فلا تتكلم عن عمل دون أن تضعه في قائمة المراجع لورقتك، ولا تضع مرجعاً لم تذكره في مراجعتك.
كتابة المقدمة:
تشبه المقدمة في مقالة المراجعة المقدمة لمقالة بحثية (انظر الهيكل والتنظيم).
حيث تبدأ بوصف الموضوع العلمي الأساسي وسبب أهميته، وذكر فجوة المعرفة فيه التي تم ملؤها مؤخراً بالعمل الذي سوف تراجعه في هذه الورقة.
ثم حدد الفكرة الرئيسية للمراجعة الحالية theme (الجدل أو التقدم أو التطور التاريخي، …وما إلى ذلك) وكيف تتناسب هذه الفكرة مع فجوة المعرفة في الموضوع العلمي. من المهم أن تحدد المقدمةُ بوضوح نطاقَ المراجعة حتى يعرف القارئ ما هو مدرج وما هو مستبعد من الاعتبار.
الأقسام الوسطى من الورقة:
يتم تصميم هيكل الأقسام الوسطى من ورقة المراجعة حسب الفكرة الرئيسية لسياق الورقة والقصة التي يتم سردها، وبالتالي يعتمد بشكل كبير على الفكرة التي تم اختيارها للمراجعة. الكاتب الجيد سيسمح للقصة بتوجيه تدفق المراجعة، مع الأخذ في الاعتبار دائماً أهداف التنظيم والتوليف، كما ذكرنا سابقا. إن عرض النتائج بالتسلسل الزمني مناسب فقط إذا كان موضوع المراجعة هو أحد التطورات التاريخية.
كتابة الخلاصة:
الخلاصة في ورقة المراجعة تشبه أيضاً الخلاصة في الورقة البحثية. الخلاصة تعمم وتبحث عن الدروس التي يمكن تعلمها. بعد ملخص موجز للغاية للمراجعة ورسالتها الأساسية، يجب على الكاتب أن يسلط الضوء على الآثار المترتبة على العمل الذي تمت مراجعته ويشير إلى الفجوات التي لا تزال موجودة في معرفتنا الحالية عن هذا الموضوع. بشكل عام، يتوقع القارئ بعد ذلك وصفًا للعمل المستقبلي المطلوب والأسئلة المستقبلية التي سيتم الرد عليها.
ما هي نقاط القوة في مقال المراجعة؟
تسعى الكتابة العلمية الجيدة دائمًا إلى الدقة والوضوح، وهذا بالتأكيد ينطبق على مقالات المراجعة أيضًا. تذكر أن جمهور مقال المراجعة أوسع من جمهور المقالات البحثية التي استشهدت بها في مراجعتك. وبالتالي، حاول (فهم) تلك المقالات البحثية التي استشهدت بها لهذا الجمهور الأوسع.
مرة أخرى، ورقة المراجعة تحكي قصة وتقدم فكرة رئيسية، والكاتب هنا مخرج لهذه القصة وناقداً للأوراق التي يستعرضها، والنقد هنا لا بد أن يكون موضوعياً لأقصى حد، فيجب أن تكون المراجعات حاسمة ولكن متوازنة. في ورقة المراجعة، ليس مطلوباً قبول جميع الاستنتاجات المنشورة مسبقًا في الأوراق البحثية التي تدرجها، بل لابد من رأي الكاتب أيضاً. ولكن لا تجعل الأمر شخصياً: عند النقد، دائماً انتقد العمل، وليس المؤلف.
وتذكر أن العلم يتقدم ببطء وبشكل غير متساوٍ في النوبات والبدايات، والظروف الزمانية والمكانية، فكم من ورقة هوجمت أو أهملت لفترة طويلة، ثم جاء من يعيد لها اعتبارها، والعكس صحيح أيضاً (الأميرة النائمة). لذا، يجب على كاتب المراجعة أن يكون متعاطفًا مع العديد من المنعطفات الخاطئة التي تملأ المسار العلمي، ولا يتحمس لفكرة أكثر من اللازم بل باعتدال وعلى أسس علمية موضوعية ناشئة عن فهم عميق للمادة التي يتكلم عنها.
قد يضمّن المؤلف عمله الخاص كجزء من المراجعة، فهو خبير في المجال قيد المراجعة لأنه قد يكون ساهم فيه بأبحاثه العملية ونشر أوراقه الأصلية، وهنا يجب تحقيق توازن صعب ودقيق عند ملاءمة عمل المؤلف في مجموع الأوراق في ذلك المجال.
مما لا شك فيه أن كتابة مقال المراجعة يستلزم الكثير من العمل، عادة يصل إلى ضعف الجهد المبذول في كتابة معظم المقالات البحثية العادية، وذلك لعمله ومراجعته لعشرات أو ربما مئات المراجع. ولكن يمكن إنجاز ما يسمى "المراجعة المصغرة". حيث تميل المراجعات المصغرة إلى التركيز على "موضوع ساخن" حديث يحتوي فقط على كمية محدودة من المؤلفات المتراكمة، ربما تضم حوالي نصف طول وعدد المراجع في المراجعات الكاملة بسبب نطاقها الأضيق. ومع ذلك، يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة للقراء إذا حققت الهدفين التوأمين للتنظيم والتوليف.
ومن المفيد أيضاً، لمن يريد أن يكتب ورقة مراجعة لأول مرة، أن ينظر في أوراق المراجعات المنشورة في المجلات العالمية التي لها نفس الفكرة الأساسية التي يريد أن يجعلها لورقته، ويطبق ما ذكرناه ليزداد إدراكه لها ويساعده ذلك في تحديد هدفه وبناء الهيكل المناسب للورقة.
بقي أن نقول، إن العديد من المجلات العلمية التي تنشر البحوث الأصلية لا تقبل مقالات المراجعة، وبالمقابل هناك أيضًا مجلات مخصصة فقط لنشر مقالات المراجعة.
دائماً، لا تنس أن تراجع شروط النشر ودليل المؤلفين في المجلة التي تريد النشر فيها.
البريد الالكتروني للكاتب: mmr@arsco.org