ما هو دور تصميم المباني في نقل الأمراض، وهل يمكننا تغيير طريقة تصميم البيئة المبنية لجعلها أكثر صحة؟
جائحة كورونا أوجدت ما يسمى بالتباعد الاجتماعي، والحجر المنزلي، وألزمت الكثير منا بالبقاء في البيت والعمل عن بعد. ولكن، لابد أن ينتهي هذا الوضع يوماً ما، نأمل أن يكون قريباً بإذن الله، ونعود إلى مكاتبنا وأسواقنا وأماكن تجمعاتنا، ولكن لا بد ستبقى تأثيراتها على أسلوب حياتنا المستقبلي. ويلزم التفكير والاستعداد لفترة ما بعد الكورونا في كل جوانب الحياة. هذا الوباء ما زالت الكثير من جوانبه غامضة وسبب سرعة انتشاره بين الناس، ومن هنا تم طرح السؤال التالي: ما هو دور تصميم المباني في نقل الأمراض، وهل يمكننا تغيير طريقة تصميم البيئة المبنية لجعلها أكثر صحة؟
على مدى العقد الماضي، قام باحثون من مركز الجينوم في جامعة كاليفورنيا وكلية الطب ومن مركز علم الأحياء والبيئة المبنية، جامعة أوريغون في الولايات المتحدة، بإجراء بحث كبير حول وجود الميكروبات وكمياتها وتنوع وطريقة انتقالها في البيئات المبنية، (والمقصود بها كل بيئة من صنع الإنسان، سواء كانت بيت أو مدرسة أو جامعة أو سوق، أو مركبات نقل أو سجون أو مكاتب شركات أو مبانٍ حكومية أو وغيرها)، وكشفت عن مسارات وآليات تبادل مسببات الأمراض الشائعة في تلك البيئات المبنية.
في السابع من إبريل 2020 ومع بروز جائحة كورونا وازدياد عدد المصابين وانتشار العدوى السريع بين الناس، وأهمية الاستعداد للحياة بعدهذه الجائحة، قام الباحثون بكتابة مراجعة جمعت دراساتهم السابقة ودراسات غيرهم حول علم الأحياء الدقيقة الخاص بأبحاث البيئات المبنية والمعلومات المعروفة حول SARS-CoV-2 لتوفير إرشادات عملية وقابلة للتحقيق لصناع القرار، ومشغلي الأبنية ومصمميها، وجميع المقيمين داخل المنازل الذين يحاولون تقليل انتقال الأمراض المعدية من خلال المسارات التي تتوسط فيها البيئة.
ويقول الباحثون، نحن نعتقد أن هذه المعلومات مفيدة للمسؤولين من الشركات والعامة والأفراد المسؤولين عن عمليات البناء والخدمات البيئية في عملية صنع القرار الخاصة بهم حول درجة ومدة تدابير التباعد الاجتماعي أثناء الأوبئة الفيروسية والأوبئة، وآليات مكافحة انتقال العدوى بين رواد تلك الأماكن والبيئات المبنية.
من بين أبسط الاقتراحات المقدمة في هذه الورقة بخصوص المباني الصحية: فتح النوافذ لتحسين دوران الهواء وفتح الستائر لنفاذ ضوء النهار الطبيعي.
إننا نقضي معظم حياتنا اليومية تقريبًا داخل بيئات من صنع الإنسان سواء كانت منازل أو مركبات أو أماكن عمل. ولهذه البيئات (المبنية) دور كبير في توفير الفرص للأشخاص للتعرض للفيروسات والبكتيريا، من خلال تدفق الهواء، أو من ملامسة الأسطح، وأيضًا من الطريقة التي تجعلنا تلك المباني نتفاعل مع بعضنا البعض من خلال تصميمها.
حسب المعلومات المتوفرة حتى الآن، فإن الطريقة الوحيدة الموثقة لانتقال السارس CoV-2 هي مباشرة من شخص لآخر، لكن الفيروسات تستقر أيضًا على الأسطح، والتي يمكن أن تصبح ملوثة بشدة بسرعة كبيرة. ما زالت فترة بقاء السارس- CoV-2 على الأسطح مطروحة للنقاش. تتراوح التقديرات من ساعتين إلى بضعة أيام، اعتمادًا على المواد والشروط. لذلك، من المهم تنظيف الأسطح بانتظام وغسل اليدين بشكل شامل.
يعتبر عامل تدفق الهواء والتهوية واحداً من أبرز خصائص تصميم المباني الصحية، وهي بلا شك ستكون في مقدمة المعايير المهمة التي يجب الأخذ بها في إعادة التصميم في مرحلة ما بعد كورونا. نوعية الهواء ودرجة رطوبته في المبنى لها دور في تكاثر الميكروبات. بالإضافة إلى أن تصميم المبنى وما يوفره من أماكن تجمع لها دور في انتقال العدوى بين المستخدمين له وكذلك أسلوب المعيشة فيه، بالإضافة إلى المواد الموجودة فيه ونوعيتها.
ولكن يبقى لكل مبنى خصوصية تتمثل في طرق استخدامه وعدد المستخدمين له وأنواعهم، لذلك يلزم التعاون بين علماء الأحياء الدقيقة مع المهندسين والمصممين للمباني ومديري أنشطة تلك المباني، للوصول إلى خطط استراتيجية للتقليل من فرص توالد وانتقال مسببات الأمراض بين الناس.
المرجع
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com