تعتبر الألياف نوعاً من الكربوهيدرات التي لا يستطيع الجسم البشري هضمها. معروفٌ أن جميع أنواع النشويات تتكون من جزيئات السكر البسيطة، ولكنها تختلف في طريقة ترابطها وفي عدد الجزيئات التي يتكون منها جزيء نوع الكربوهيدرات، وبالتالي تختلف تلك الأنواع في خواصها الفيزيائية والكيميائية وما تحتويه من طاقة وكذلك في تعامل الجهاز الهضمي معها. وفي حين أن معظم الكربوهيدرات تتكسر إلى جزيئات السكر البسيط ويتم هضمها، نجد أن الألياف لا يمكن تكسيرها إلى جزيئات السكر ومن ثم امتصاصها، بل تمضي خلال القناة الهضمية للانسان بدون هضم. ولكن، وكما رأينا في المقال السابق الذي نشرناه على هذا الموقع بعنوان: "نوعية الكربوهيدرات وصحة الإنسان… الألياف الغذائية" فإن للألياف دوراً كبيراً وهاماً في صحة الإنسان، ليس أقلها رفع المناعة والحماية من أمراض القلب والسكري من النوع الثاني وأنواع من السرطان، سنحاول في هذا المقال فهم هذا الدور بإذن الله.
هناك نوعان من الألياف الغذائية: ألياف تذوب في الماء وألياف لا تذوب في الماء، ولكل منهما فوائده للجسم والصحة.
يمكنها أن تخفض مستوى الجلوكوز في الدم وتخفض الكولسترول. ومن الأطعمة المحتوية على الألياف القابلة للذوبان: الشوفان والمكسرات والفاصوليا والعدس والتفاح والتوتيات.
- الألياف غير القابلة للذوبان:
يمكن أن تساعد في تحريك الطعام في الجهاز الهضمي وتمنع الإمساك. ولها أيضاً تأثير في تخفيض الجلكوز في الدم ولكن بنسبة أقل من الألياف القابلة للذوبان. ومن أنواع الأطعمة التي تحتوي هذا النوع من الألياف: القمح وخبز القمح الكامل والأرز البني والبقول وبعض أنواع الخضروات مثل الجزر والخيار والطماطم.
وإجمالاً، فإن أفضل المصادر للألياف هي المصادر الطبيعية لها، وبالتالي ينصح بأكل الفواكه كاملة بدلاً من العصائر، واستبدال الخبز الأبيض والمعكرونة بمنتجات القمح الكامل ولا تنس ادخال البقول في وجباتك.
أما لما بين الوجبات فاحرص على تناول الخضروات الطازجة، والفواكه والمكسرات.
الألياف الغذائية والأمراض
أثبتت ورقة بحثية نشرت في مجلة نيتشر ميكروبيولوجي في نوفمبر 2018، دور الألياف الغذائية في تقليل خطر الإصابة وتطور أمراض متعددة تؤدي إلى الوفاة، منها أمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والكولسترول وسرطان القولون والمستقيم والسكري من النوع الثاني (متلازمة الأمراض الاستقلابية)، هذا بالإضافة إلى تنظيف الأمعاء والحد من الإمساك وما ينتج عنه من مشاكل صحية. فكيف إذن تعمل الألياف في الجسم كل هذا، وهي غير قابلة للهضم؟ إنها البكتيريا المفيدة ودورها في صحة جدار الأمعاء…
أمراض القلب
يعتقد باحثون أنهم قد حددوا مساراً أيضياً، يتوسط فيه جنس من بكتيريا الأمعاء التي تدعى Roseburia، والذي يدعم الارتباط الميكروبي بين الألياف وصحة القلب. حددت نتائج الدراسة التي نُشرت في نوفمبر 2018 في مجلة Nature Microbiology وجود حمض دهني معين باعتباره الآلية وراء بعض الآثار الوقائية للنظام الغذائي الغني بالألياف في الفئران. ينتج هذا الحمض الدهني، المعروف باسم الزبد butyrate، بواسطة بكتيريا مثل Roseburia، في الأمعاء لأنها تهضم الألياف النباتية.
في هذه الدراسة، أظهر الباحثون أن الفئران التي تؤوي البكتيريا المنتجة للزبد Roseburia والتي تغذت أيضاً على نظام غذائي غني بالألياف انخفضت لديها نسبة الإصابة بتصلب الشرايين والالتهاب مقارنة بالفئران التي لم تكن لديها هذه البكتيريا. كما أن الفئران التي تؤوي هذه البكتيريا Roseburia ولكنها غُذيت بطعام منخفض الألياف، لم تنخفض لديها نسبة الإصابة بالالتهابات وتصلب الشرايين، لأنه بدون الألياف فإن البكتيريا تنتج لقليل من الزبدات.
سابقاً، كان مرض تصلب الشرايين يُعتبر مرض استقلاب الشحوم، وكانت السيطرة على المرض عادةً ما تركز على خفض مستويات الكوليسترول وغيره من الدهون في الدم، لكن على مدار العقود القليلة الماضية، تغير هذا المفهوم عن المرض ليصبح مرضاً التهابياً مزمناً. لذلك، قد يكون المفتاح للحد من تصلب الشرايين هو الحد من حدوث الالتهابات وخاصة في مجرى الدم.
عندما تنفصل الجزيئات الالتهابية من الغذاء وتتسرب من القناة الهضمية إلى مجرى الدم، فإنها يمكن أن تؤدي إلى التهاب واسع النطاق فيه، ولإبقاءها في الأمعاء، تشكّل خلايا الأمعاء الصحية ارتباطات قوية فيما بينها، مما يخلق حاجزًا متيناً؛ ولكن، يمكن لهذا الحاجز أن ينكسر أو تسوء حالته، وعندها تصبح القناة الهضمية أكثر تسريباً وبالتالي يؤدي ذلك لحدوث الالتهابات أكثر. إذن يعتمد الحد من الالتهاب جزئياً على وجود حاجز أمعاء متين.
إحدى الوظائف المهمة للأمعاء هي إيواء البكتيريا الصديقة فيها. أشارت الدراسات السابقة إلى أن المصابين من البشر بأمراض القلب والأوعية الدموية يؤوون أعداداً قليلة من بكتيريا Roseburia وغيرها من البكتيريا المنتجة للزبد butyrate. وأظهرت هذه الدراسة دور هذا الزبد في صحة الأمعاء، وبالتالي دور البكتيريا المنتجة له، والتي كما يبدو من النتائج أنها تنتجه في وجود الألياف وأثناء هضمها لها.
وتعد هذه الدراسة واحدة من أوائل الدراسات التي حددت سببًا واضحًا لارتباط كان غامضاً في الماضي بين الألياف الغذائية والميكروبيوم وصحة القلب. يبدو أن الألياف من الأطعمة الطبيعية الكاملة هي الطريقة المثلى لدعم الأمعاء الصحية والقلب والصحة بشكل عام.
السمنة والنوع الثاني من مرض السكري
الوجبات الغذائية منخفضة الألياف والمرتفعة في النشويات والسكر (مؤشر سكري عالي) تسبب زيادات مفاجئة في نسبة السكر في الدم قد تزيد من خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري بنسبة تزيد بأكثر من الضعف. فكيف تعمل الألياف الغذائية للوقاية منه؟
تساعد الألياف على تنظيم تعامل الجسم مع السكريات، وبالتالي تساعد على الحفاظ على مستوى السكر في الدم والإحساس بالجوع. فمرة أخرى، أثبتت الدراسات وجود علاقة بين هضم الألياف القابلة للذوبان في الماء بواسطة ميكروبات الأمعاء وحفظ صحة الأمعاء وجدارها من النفاذية التي تتسبب في حدوث التهابات تؤدي إلى اختلالات في تمثيل الجلوكوز وزيادة نسبته في الدم.
إدارة الألياف القابلة للذوبان، مثل oligofruc- tose و inulin طويل السلسلة، تساعد على تصحيح اختلال توازن ميكروبات الأمعاء، وهو مايؤدي إلى تحسين استقلاب الجلوكوز وانخفاض وزن الجسم وتخفيف الالتهابات المنخفضة الدرجة. وبالتالي، يمكننا أن نتوقع أن بعض أنواع السمنة ناتج عن انخفاض تناول الألياف، وعليه فإن نقص البكتيريا المفككة للالياف والتي تنتج الزبدات قد يفضي إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
سرطان القولون والمستقيم
سرطان القولون والمستقيم (CRC) هو أحد أكثر أنواع السرطانات التي يتم تشخيصها شيوعًا، ويُمَيّز عن طريق التغيرات الوراثية والجينية، وكذلك عن طريق تسرب الخلايا الالتهابية بين الخلايا الخبيثة والسرطانية. ولكن، هذا التسرب الديناميكي للخلايا الالتهابية يمكن أن يتأثر بالبيئة الدقيقة لتعزيز انتشار الورم، أو بقاءه أو تثبيطه. من هنا يأتي دور ميكروبات الأمعاء في الحد من هذا التسريب من خلال حماية جدار الأمعاء ورفع المناعة. يُعدل النظام الغذائي بشدة تكوين الكائنات الحية الدقيقة في القناة الهضمية، والذي يلعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على توازن ميكروبات الأمعاء ويرتبط بتعديل الاستجابات الالتهابية والمناعة للشخص المضيف. لذلك، نجد أن النظام الغذائي له دور أساسي في بدء سرطان القولون وتقدمه والوقاية منه. على وجه الخصوص، يمكن أن يكون للأطعمة الوظيفية مثل البروبيوتيك والبريبايوتك والسينبيوتك تأثير إيجابي على الصحة تتجاوز التغذية الأساسية ولها تأثيرات مضادة للالتهابات وتحفيز الجهاز المناعي، وبالتالي الحد من حدوث السرطانات.
سرطان الثدي
دراسة واسعة النطاق لعام 2016 بقيادة باحثين في جامعة هارفارد. أظهرت أن تناول الألياف بشكل أكبر يقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي. وأشارت إلى أن تناول الألياف خلال فترة المراهقة وسن البلوغ المبكر قد يكون له أهمية خاصة. وقد وجد أن النساء اللواتي تناولن الكثير من الأطعمة الغنية بالألياف خلال فترة المراهقة وسن البلوغ، بما في ذلك الخضار والفواكه، قد يكون لديهن خطر أقل بكثير للإصابة بسرطان الثدي من أولئك اللاتي تناولن كميات أقل من الألياف الغذائية في بداية شبابهن.
الألياف والإمساك
الإمساك شكوى ربما تكون هي الأكثر شيوعًا، ويبدو أن استهلاك الألياف وخاصة تلك غير القابلة للذوبان، يخفف الإمساك ويمنعه. الألياف في نخالة القمح ونخالة الشوفان تعتبر أكثر فعالية من الألياف من الفواكه والخضروات في هذا الشأن. يوصي الخبراء بزيادة تناول الألياف بشكل تدريجي وليس فجأة ، ولأن الألياف تمتص الماء، يجب زيادة تناول المشروبات مع زيادة تناول الألياف.
الخلاصة
يجب الاهتمام بصحة جدار الأمعاء لكي يحمي من خطر تسرب مسببات الالتهاب إلى مجرى الدم وبالتالي التسبب في الإصابة بأمراض كثيرة وخطيرة. ومن أهم ما يجب علينا فعله هو الحرص على وجود وصحة وفعالية الميكروبات النافعة داخل الأمعاء وتغذيتها بالألياف الغذائية، لكي نحصل منها على ما يساعد الأمعاء لتبقى في صحة جيدة.
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org