المقدمة
رغم كل التحديات والقصور، فإن هناك قدرات لا يُستهان بها في العلم وتطبيقاته التقنية والطبية والهندسية، متوفرة حالياً في معظم الدول العربية وفي مجموعها، وإذا نجح الشباب العربي في تحقيق تحول جذري في الاقتصاد السياسي السائد في بلدانهم، فإنهم سيكونون قادرين بحول الله، على إحداث التغيير نحو مستقبل أفضل. إن ربط العلم ومخرجاته بالاقتصاد والمجتمع والمستخدم النهائي له، هو العقدة والعقبة التي يجب تخطيها. أي التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج، وإلى الاعتماد على الذات بدل التبعية العلمية والتقنية.
في هذه الدراسة المسحية لمخرجات البحث العلمي، ونقصد بها هنا عدد الأوراق العلمية المنشورة في المجلات العلمية العالمية كأحد مؤشرات تلك المخرجات، سنسلط الضوء على الإنتاج البحثي العربي خلال العشرين سنة الأخيرة، أي في الفترة بين 2001 إلى 2020.
لقد ارتفع عدد الأوراق المنشورة من حوالي ثمانية آلاف ورقة في العام 2001 إلى حوالي أربعة وثمانين ألفاً في العام 2020، أي بما يزيد عن عشرة أضعاف. وهذا النمو في العدد ليس مقتصرا على الدول العربية، وإنما هو ظاهرة عالمية يشجعها الاهتمام المتزايد بدور العلم في الاقتصاد والرفاه، وتوفر وتطور الأدوات وأجهزة القياس والبحث، ثم الثورة العالمية في وسائل الاتصالات والمواصلات. فقد ازداد الإنتاج العالمي من حوالي 747,855 ورقة في العام 2001 إلى 2,047,897 ورقة في العالم 2020، أي بأقل قليلاً من ثلاثة أضعاف، وذلك أن معظم الإنتاج العالمي يأتي من دول وصلت أو اقتربت من تسطح المنحنى لديها، بعكس الدول النامية التي لا تزال تسعى لزيادة انتاجها البحثي.
الرسم البياني رقم (1) يبين النمو في عدد الأوراق البحثية من الدول العربية مجتمعة خلال فترة الدراسة. وتتضح الزيادة في عدد الأوراق خاصة منذ العام 2015. ولكن هذه الزيادة غير مرتبطة بمعدل النمو في إجمالي الناتج المحلي، كما يبينه الرسم البياني (2)، ولا بنصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي اللذان شهدا انخفاضاً منذ العام 2015.
رسم بياني 1: عدد الأوراق المنشورة بين 2001-2020 من كل الوطن العربي.
رسم بياني 2: معدل النمو السنوي في إجمالي الناتج المحلي العربي، حسب بيانات البنك الدولي.
المصدر: https://databank.worldbank.org/reports.aspx?source=2&country=ARB
مجموع ما أنتجه الباحثون من الدول العربية خلال فترة الدراسة كان 601,425 ورقة بينما أنتج العالم 25,600,368 ورقة. أي أن نسبة الإنتاج العربي إلى العالمي حوالي 2.35 % علماً بأن نسبة عدد سكان الوطن العربي لسكان العالم حسب احصائيات البنك الدولي هي حوالي 5.2 %، وهو ما يدل على ضعف في الإنتاج العلمي بالنسبة للعالم. وللمقارنة، فإن انتاج جامعة كاليفورنيا لوحدها في نفس الفترة كان 635,663 ورقة بحثية، أي أكثر من انتاج الدول العربية جميعا. ومع ذلك، فإن أكثر من 600 ألف ورقة بحثية عربية في مجال العلوم والطب والهندسة وما وراءها من أعداد الباحثين والبنى التحتية والأموال المنفقة عليها، كافية لإحداث انطلاقة علمية في الوطن العربي، لم تحدث بعد.
وللمقارنة مع دول الجوار، فإن الرسم البياني (3) يبين كيف ارتفع عدد الأوراق المنشورة من إيران وتركيا بالنسبة لتلك المنشورة من الوطن العربي خلال نفس الفترة. ويبين الجدول رقم (1) متوسط أعداد السكان للمقارنة. ويتضح الفرق بين سكان الوطن العربي وكلا من دول الجوار.
يتضح من الرسم أنه في عام 2001 كان مجموع الأوراق التي نشرت من الدول العربية مجتمعة(8018) متقاربة مع كلا من تركيا (6481)، وإسرائيل (9025) والتي استمرت في نفس النطاق. ولكن الإنتاج العربي حينها كان أكثر بكثير من إيران والتي كان مجموع أوراقها المنشورة لا يتعدى 1587 ورقة. عند العام 2011 كان الإنتاج العربي والتركي والإيراني يكاد يكون متساويا، لتبدأ بعده زيادة ملحوظة للدول العربية وإيران عن تركيا.
رسم بياني 3: عدد الأوراق المنشورة بين 2001-2020 من كل من الوطن العربي وإيران وتركيا ودولة الاحتلال الصهيوني.
الجدول رقم (1) يبين مقارنة بين انتاج الوطن العربي مع دول الجوار.
وقد اعتمدنا متوسط عدد السكان خلال العشرين سنة الماضية، بناء على احصائيات البنك الدولي.
ويتضح من الجدول أن نسبة الإنتاج البحثي للوطن العربي تقل كثيرا عن متوسط النسبة العالمية. وفي حين تتقارب نسبة إيران وتركيا وتقل قليلا عن ضعف متوسط النسبة العالمية، نجد أن دولة الاحتلال الصهيوني تقارب عشرة أضعافها.
أما أكثر المؤسسات البحثية في الوطن العربي ودول الجوار من حيث عدد الأوراق المنشورة، فيبينها الجدول رقم (2)، حيث يبين عدد الأوراق المنشورة خلال العشرين سنة الماضية، ولغة تدريس المواد العلمية فيها.
ويبدو واضحاً أثر لغة التدريس في انتاج ومستوى الجامعات، فكلما تمكّن الباحث من علمه زاد انتاجه وارتفع مستواه، ومن المؤكد أن اللغة لها دور حاسم في مدى فهم واستيعاب المفاهيم. ومما يؤسف له أن جامعاتنا (العربية) لا تدرس بالعربية، بدعوى عدم قدرتها على استيعاب العلم، أو لتطوير العلوم في البلدان العربية. وقد يتساءل المرء، هل هناك وجه مقارنة بين اللغة العربية والعبرية من حيث عدد المتكلمين بها على الأقل، وكذلك بين مستوى الجامعات العبرية والجامعات (العربية) التي تدرس بلغة غير لغتها سواء كانت إنجليزية أو فرنسية أو غيرها، ليس فقط من حيث عدد الأوراق، ولكن أيضاً، في مستوى العلم الذي تنتجه، وأصالته؟!!
الجدول رقم (2) يبين مقارنة بين أكثر المؤسسات العلمية نشراً للأوراق في الوطن العربي مع دول الجوار. كما يبين لغة التدريس في تلك المؤسسات الأكثر نشرا وانتاجا للمعرفة العلمية.
البحث في الوطن العربي (2001-2020)
من الصعب أن تعامل الدول العربية كمجموعة متجانسة أو كدولة واحدة، وذلك لتباين البيانات وعدم التنسيق بينها وعدم وجود استراتيجية أو سياسة علمية موحدة لهذه الدول. الجدول رقم (1) يبين انتاج الدول العربية في فترة الدراسة 2001 – 2020. والتي بلغ فيها مجموع الأوراق البحثية المنشورة بمشاركة مؤسسة بحثية عربية واحدة على الأقل 601,425 ورقة بحثية. وهي أعداد كافية لإحداث تغيير جذري في الوضع الاقتصادي والاجتماعي العربي لو أُحسن استخدامها.
وكما يظهر من الجدول (2)، تتصدر السعودية ومصر قائمة الدول العربية بالنسبة لعدد الأوراق المنشورة، وهناك عدد من الأوراق مشترك بينهما، وصافي مجموع الأوراق من البلدين هو 313,466 ورقة أي ما يمثل حوالي 52 بالمئة من الإنتاج العربي.
في حين تتصدر قطر قائمة الدول العربية في قائمة عدد البحوث لكل مليون نسمة تليها السعودية في ذلك بفارق كبير يقارب الضعف، ثم تونس والإمارات بنسبة متقاربة، ثم الكويت والأردن ثم لبنان وهذه الدول السبع هي التي تزيد فيها هذه النسبة عن المتوسط العالمي بينما تقع باقي الدول العربية في نسبة أقل من النسبة العالمية والتي تساوي 3,672 ورقة بحثية لكل مليون نسمة، كما يبينها الجدول رقم (1). وقد اعتمدنا متوسط عدد السكان بين سنة 2001 وسنة 2020 حسب احصائيات البنك الدولي.
كما نلاحظ من الجدول رقم (3) أنه وبالرغم من احتلال مصر المرتبة الثانية في مجموع عدد الأوراق فإن نسبة عدد تلك الأوراق لعدد السكان منخفضة جداً، حيث تقترب من نصف النسبة العالمية. وكذلك الحال بالنسبة للجزائر والمغرب بنسبة تقترب من ثلث النسبة العالمية. كما نلاحظ أن النسبة السعودية تقارب النسبة في كل من إيران وتركيا، وهي قريبة من ضعف النسبة العالمية.
الجدول رقم (3) يبين يبين انتاج الدول العربية في الفترة 2001 – 2020.
تم حساب عدد السكان من احصائيات البنك الدولي
وكما هو ملاحظ من الجدول أعلاه، أن السعودية ومصر متقاربان من حيث مجموع عدد الأوراق المنشورة، ولكننا نلاحظ أن مصر كانت تزيد عن السعودية في عدد الأوراق المنشورة إلى منتصف 2011 ثم زادت السعودية بشكل ملحوظ بعد 2012، وذلك امتداداً لزيادة بدأت منذ 2010. وما زالت أعداد المنشورات العلمية السعودية تزداد بمعدل أسرع. كما نلاحظ تشابه في شكل المنحنى بين الدولتين مما يدل على تعاون بحثي بينهما. الرسم البياني (3) يبين ذلك.
الرسم البياني (4) يبين العلاقة بين عدد الأوراق المنشورة مع سنة النشر لكل من السعودية ومصر وإيران وتركيا ودولة الاحتلال الصهيوني. ونلاحظ معدل الزيادة السريع للإنتاج الإيراني، حيث زاد عدد الأوراق المنشورة منها على جميع دول المنطقة منذ العام 2011. بينما الرسم البياني (5) و(6) يبينان تغير أعدد البحوث خلال السنوات العشرين الماضية لعدد من الدول العربية.
رسم بياني 3: عدد الأوراق المنشورة بين 2001-2020 من كل السعودية ومصر.
رسم بياني 4: عدد الأوراق المنشورة بين 2001-2020 من كل من السعودية ومصر ودول الجوار.
رسم بياني 5: عدد الأوراق المنشورة بين 2001-2020 من قطر والعراق والأردن والإمارات والمغرب والجزائر وتونس.
رسم بياني 6: عدد الأوراق المنشورة بين 2001-2020 من لبنان والكويت وعمان والسودان
أما أكثر المؤسسات البحثية العربية نشراً فيبينها الجدول رقم (4)، حيث يبين عدد الأوراق المنشورة خلال العشرين سنة الماضية ونسبة ذلك العدد من مجموع الأوراق التي صدرت عن جميع المؤسسات العربية خلال نفس الفترة.
ويتضح أن جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز في السعودية أتيا في المركز الأول والثاني عربياً، تلتهما في المرتبة الثالثة جامعة القاهرة في مصر.
الجدول رقم (4) يبين مقارنة بين أكثر المؤسسات العلمية نشراً للأوراق في الوطن العربي، ونسبة إنتاجها لمجموع الإنتاج العربي من النشر العلمي.
تواصل مع الكاتب: mmr@arsco.org
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة