توفر المياه الجوفية ما يقرب من نصف مياه الشرب في جميع أنحاء العالم، وحوالي 40% من المياه للزراعة المروية وحوالي ثلث إمدادات المياه اللازمة للصناعة. وهي تحافظ على النظم الإيكولوجية، وتحافظ على التدفق الأساسي للأنهار، وتمنع تسلل مياه البحر إلى الأرض. كما تعتبر المياه الجوفية حلاً مهماً لمشاكل الجفاف وتغير المناخ حيث تكاد تكون مصدر المياه شبه الوحيد للأشخاص الذين لا يحصلون على مياه آمنة على السطح إما بسبب ندرتها أو بسبب تلوثها. فطبقات المياه الجوفية تمتلك قدرة تخزينية أكثر مقاومة من الناحية الطبيعية للتأثيرات الخارجية مقارنة بالمياه السطحية. هذا بالإضافة إلى أن تفاوت توافر المياه السطحية يتزايد بسبب تغير المناخ.
من هنا، فإن الأهمية الاستراتيجية لطبقات المياه الجوفية من أجل الأمن المائي والغذائي تتزايد بشكل واضح. وعلى الرغم من كل هذه الأهمية، فإن المياه الجوفية غير المرئية تكون بعيدة عن الأعين وتغيب عن البال بالنسبة لمعظم الناس.فعلى الصعيد العالمي والعربي، تتعرض موارد المياه الجوفية لضغط متزايد بسبب الأنشطة البشرية وتغير المناخ. وغالباً، لا تكون استجابتنا لهذا الضغط كافية، بسبب محدودية الوعي بأهمية موارد المياه الجوفية.
كمياً، تتعرض المياه الجوفية لضغوط متزايدة بسبب التحضر المستمر، وتغير المناخ وعدم كفاية إدارة المياه ؛ على سبيل المثال، يعد استنزاف المياه الجوفية وهبوط الأراضي أو تسرب مياه البحر المالحة في المناطق الساحلية مشكلات خطيرة في العديد من المناطق. ويلزم تخفيض معدلات الضخ في المدن الضخمة وتعويضها، وتغذية طبقة المياه الجوفية عن طريق تجميع مياه الأمطار أو بمياه الصرف الصحي المعالجة وغيرها من التدابير المماثلة.
ونوعياً، لا تزال الأمراض المرتبطة بالمياه أحد أهم المخاوف الصحية في العالم. وإن تحسين مراقبة جودة المياه الجوفية إلى جانب تحسين الصرف الصحي والنظافة الشخصية، هي الإستراتيجية الرئيسية للحد من الأمراض المرتبطة بالمياه. يمكن تلوث المياه الجوفية من ممارسات الزراعة مثل الاستخدام غير الرشيد للأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، وتسرب مياه الصرف الصحي، ومخلفات الصناعة والتعدين، ومدافن النفايات، وكذلك من العمليات الكيميائية الطبيعية في البيئة الجيولوجية، و بقايا الأسلحة والإشعاع. وإن المراقبة المنتظمة لنوعية المياه الجوفية وتقييم مدى التأثر والحماية من مصادر التلوث الناشئ وإزالة الملوثات هي بعض الإجراءات الضرورية من أجل الحفاظ على جودة المياه الجوفية وتحسين صحتنا.
إذن، فالمياه الجوفية التي جعلها الله سبحانه، برحمته وحكمته، خزاناً وأماناً لبني البشر على هذه الأرض، لها أهمية قصوى للحياة بكافة أشكالها، الإنسانية والحيوانية والنباتية. ولذلك فإن الاهتمام بها من حيث الكمية والنوعية يجب أن يكون من أولويات الدول العربية، التي تقع في منطقة من أكثر مناطق الأرض ندرة في المياه، حتى تلك التي تتوفر فيها أنهار أو تلك التي تعتمد على تقنيات تحلية مياه البحار. فكما هو معلوم، تعتمد الكثير من الدول العربية وخاصة في منطقة شبه الجزيرة العربية على تحلية مياه البحر باستخدام طاقة البترول، ولكن قد يتسائل البعض، ماذا لو حدث تلوث لمياه البحر بالنفايات النووية مثلا أو أية سموم أخرى؟ ماذا بعد نضوب البترول أو زيادة تكلفته أو تغير التكنولوجيا؟ وماذا لو انخفض منسوب مياه الأنهار لأي سبب طبيعي أو بيد الإنسان، أو حدث تلوث ما فيها؟ ألا يجدر بنا أن نحافظ على الخزانات الجوفية الآمنة لنا ولأجيالنا من بعدنا؟
تشير البيانات الأممية أن العديد من الخزانات الجوفية في منطقتنا العربية تعاني من انخفاض في كمية المخزون أدى إلى انخفاض في مستوى المياه، وهو مشاهد في الكثير من المناطق حيث يضطر الناس للحفر إلى أعماق كبيرة للحصول على الماء. كما تدل أيضاً على تغير نوعية المياه في تلك الخزانات.
لقد قمنا بإعداد هذه المعلومات عن البحوث العربية حول المياه الجوفية لتعزيز تبادل المعارف والتعاون، وزيادة الوعي حول أهم مواردنا الخفية: المياه الجوفية. ونأمل أن تلقي الضوء على وضع تلك البحوث العربية وعلى مدى التشارك بين الباحثين حول الخزانات المشتركة.
- الدراسة كاملة تجدونها في ملف الـ PDF المرفق أعلى الصفحة
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة