يتجه الاقتصاد عالمياً نحو اقتصاد قائم على المعرفة. ومن النظريات الاقتصادية الحديثة التي تصف هذا التوجه: "نظرية النمو الجديدة" ، تبيّن هذه النظرية أهمية المعرفة العلمية والتكنولوجية في النمو المستدام، ومن ثمّ في توليد فرص العمل، وزيادة دخل الفرد، وفي التنويع الاقتصادي. كما تتجه المجتمعات نحو ما يسمى "بمجتمع المعرفة".
إن تعليم العلوم والتكنولوجيا بهدف استعمال القوى العاملة العربية لهذه اللغة، أصبحت مسألة جوهرية، ولها دور فاعل في النمو الحقيقي للاقتصاد العربي، وفي تحوّله من اقتصاد ريعي متواكل علمياً وتكنولوجياً إلى اقتصاد ينمو نمواً مستداماً مع إحراز قيمة مضافة عالية. ومن جهة أخرى، فإن الجهود والاستثمارات الكبيرة التي تضعها الدول العربية للتوجه نحو "مجتمع المعرفة" لن تكون مجدية إذا لم يرافقها وجود المعرفة والمعلومات العلمية والتكنولوجية باللغة العربية لكي تكون في متناول الفرد العربي. إذ لن يقوم مجتمع المعرفة في الدول العربية بدون وجود معرفة باللغة العربية.
سنركز في هذا البحث على دور استعمال القوى العاملة للّغة العلمية والتكنولوجية في زيادة النمو الاقتصادي. وهذا الدور "حسب رأي بعض الاقتصاديين" أكبر أثراً بكثير من الدور الثقافي أو الفني أو الأدبي. على أن استعمال القوى العاملة للّغة العلمية والتكنولوجية لن يتحقّق إلا إذا كان تعليم العلوم والتكنولوجيا يجري باللغة الوطنية لهذه القوى العاملة.
سنتجنب في هذا البحث موضوع الاستثمار الاقتصادي في تعلّم اللغة الوطنية (أو اللغة الثانية) في الوجوه الثقافية، أو الفنية، أو الأدبية. فبعض الاقتصاديين يرى أن المبالغ المصروفة في هذه الحالة هي من (الناحية الاقتصادي) استهلاكاً وليست إنتاجاً، إلا إذا أخذنا بالحسبان موضوع وحدة الأمة (Socio Political Integration) والحالة النفسية الجماعية للأمة (Socio Psychological Identity) فعندها يعدّ هذا الاستثمار من باب المصاريف الثقافية غير الاستهلاكية.
هناك حقيقة هامّة تجدر الإشارة إليها، وهي أن البحوث والدراسات في اقتصاد اللغة تكاد تكون معدومة في الدول النامية. على حين أن الاهتمام باقتصاد اللغة بدأ منذ عقدين في العديد من الدول المتقدمة، وما زالت البحوث والدراسات في هذا المجال تتزايد باطراد. آية ذلك إنشاء مجموعات بحثية لدى مختلف أقسام الاقتصاد في الجامعات و مراكز البحوث لهذه الغاية.
يعالج هذا البحث أيضاً مسألة تعاظم أهمية اللغة في عملية النمو الاقتصادي والاجتماعي، ووظيفة اللغة في هذه العملية. ثم يتطرق باختصار إلى علاقة اللغة بالاقتصاد، ودورها في الاقتصاد العالمي، وخاصة في زمن المناداة بالعولمة من جهة، وبروز التكتلات الاقتصادية من جهة أخرى. ثم نأتي على ذكر النظريات أو النماذج الأساسية في اقتصاد اللغة، وأهمها: نظرية رأس المال البشري (Human Capital)، ونموذج التجارة (Trade Model)، ونموذج العائدات المتأتية عن انتشار اللغة (Network Externalities). ثم ننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أثر الترجمة ونشر اللغة العلمية والتكنولوجية في نقل التكنولوجيا (أو نقل المعرفة عموماً).
وأخيراً، نوجز القول في بعض الآثار السلبية التي تنتط عن التقصير في تعريب العلوم، وفي تعليم العلوم بغير اللغة الوطنية، أو لغة القوى العاملة. وننهي البحث ببعض الاستنتاجات والتوصيات.
- الدراسة كاملة تجدونها عبر ملف الـ PDF أعلى الصفحة
بريد الكاتب الالكتروني: mmrayati@gmail.com