.
طور باحثو MIT جهازًا زرعيًا صغير الحجم يُمكن زراعته تحت الجلد، يتضمّن خزانًا لمخزون من هرمون الغلوكاغون محفوظ في صورة مجففة، جاهز لإطلاقه تلقائيًا وقت الانخفاض الحاد في مستوى السكّر بالدم، دون الحاجة إلى حقن بهدف حماية مرضى السكري من نوبات نقص السكر الحادة التي قد تكون مميتة.
هذا الابتكار يمثل ثورة في إدارة المرض، خصوصًا لمرضى السكري من النوع الأول، فهؤلاء يعتمدون عادةً على حقن الأنسولين يوميًا، وهو إجراء ضروري للسيطرة على ارتفاع السكر، لكنه يحمل خطر هبوط مفاجئ في مستويات الجلوكوز، خصوصًا أثناء النوم أو في حالات الأطفال الذين قد لا يلاحظون الأعراض مبكرًا.
يمثل هذا الابتكار نقلة نوعية في فهمنا لدور التكنولوجيا الحيوية في إدارة الأمراض المزمنة، فهو لا يقدّم مجرد جهاز طبي جديد، بل يؤسس لفلسفة علاجية مختلفة قائمة على الاستجابة الذاتية بدلًا من الاعتماد الكامل على وعي المريض أو سرعة تدخله. من الناحية العلمية، يفتح هذا الابتكار الباب أمام مستقبل تُصبح فيه أجسام المرضى مجهّزة بأنظمة ذكية للتدخل الدوائي الفوري، تعمل كما تعمل الغدد في جسم الإنسان، لكن بصورة هندسية محسوبة.
يُعَدّ الجهاز وسيلة طارئة “شبكة أمان” تبقى تحت الجلد، جاهزة للتدخل في اللحظات الحرجة. يمكن تفعيله يدويًا أو تلقائيًا عبر ارتباطه بجهاز مراقبة مستمرة للسكر “CGM”، بحيث يُطلق الغلوكاغون فور اكتشاف انخفاض خطير في الجلوكوز.
بحسب أول تجارب في المختبر وعلى حيوانات “فئران مصابة بالسكري”، كان إطلاق الدواء كافيًا لرفع السكر إلى مستوى آمن خلال أقل من 10 دقائق، ما أنقذ الفئران من الغيبوبة المرتبطة بنقص السكر.
المخزون الدوائي داخل الجهاز محفوظ في شكل مسحوق، ما يمنع تحلّل الغلوكاغون سريعًا كما يحدث في صورته السائلة ويُحتجز داخل خزان محكم يُغلق بغطاء من سبيكة معدنية “alloy” قابلة للتشكل عند التسخين. عند تلقي إشارة (يدوية أو من جهاز السكر)، تُمرّر إشارة كهرومغناطيسية تسخّن الغطاء المعدني، فينثني ويُفرغ محتوى الخزان في الجسم.
ورغم أن الجهاز ما زال تجريبيًا إذ بقيت التجارب حتى الآن على الحيوانات ولم تمتد بعد إلى البشر، إلا أن الفريق يخطط لبدء أولى التجارب السريرية خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع العمل على تمديد عمر الجهاز داخل الجسم إلى سنة أو أكثر.
ما يجعل هذا الابتكار مهماً ليس فقط لمرضى السكري، بل يحمل إمكانية أوسع حيث أظهر الباحثون إمكان استخدام نفس النظام لتوصيل أدوية طارئة أخرى، مثل الأدرينالين (إيبينفرين) الذي يستخدم في حالات الأزمات القلبية أو الصدمات التحسسية ما يفتح آفاقًا لنظام عالمي ذكي لتوصيل الأدوية عند الحاجة، بلا حقن أو تدخل بشري.

يبقى تحدّي تحقيق هذا الحل على نطاق واسع عاماً لا بد أولًا من إجراء تجارب بشرية تمنح الجهاز تصريح الاستخدام والتأكد من سلامته وفعاليته على المدى الطويل. كذلك، سيكون من المهم ضمان أن تكنولوجيا المراقبة “مستشعرات السكر” قادرة على التكامل معه، وأن البنية التحتية الصحية تتيح الوصول إليه بأسعار معقولة.
لكن إذا تحقق هذا التوجه، فقد يمثل الجهاز طفرة حقيقية في حياة ملايين مرضى السكري حول العالم، يقيهم من الخوف اليومي من “انخفاض السكر” المفاجئ، ويمنح الأطفال وذويهم راحة البال، ويقلّل الاعتماد على الحقن الطارئة، ما يضفي بعدًا إنسانيًا وتكنولوجيًا جديدًا على إدارة المرض.
قد يكون هذا الجهاز بداية حقبة جديدة في الطب حيث تُصبح الأدوية الطارئة محمولة دائمًا داخل الجسم، جاهزة للنَفَس في لحظة الخطر، ليس فقط في السكري، بل في أمراض القلب أو الحساسية أو غيرها.
والأهم أن نجاح هذا النظام مع الغلوكاغون قد يشكل حجر الأساس لمنصة علاجية متعددة الوظائف يمكن تكييفها لإطلاق أي دواء طارئ في اللحظة الحرجة، وهو ما قد يعني إذا تطورت تقنياته وتوفرت له البنية التشخيصية المناسبة، أننا أمام جيل جديد من العلاجات الزرعية التي لا تحمي المرضى فقط، بل تغيّر علاقتنا بالأمراض المزمنة نفسها، لتصبح أكثر قابلية للسيطرة وأقل تهديدًا للحياة.
.
المصادر
– Implantable device could save diabetes patients from dangerously low blood sugar
– MIT’s Tiny New Device Could Save Diabetics From Deadly Blood Sugar Crashes
– This implant could save diabetes patients from low blood sugar
– This tiny implant could save diabetics from silent, deadly crashes
– New tiny implant could protect people with diabetes from dangerous blood sugar lows
– New MIT implant automatically treats dangerously low blood sugar in people with type 1 diabetes
.
تواصل مع الكاتب: mohamedmouradgamal@gmail.com