.
تتعرض منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل طبيعي لارتفاع درجات الحرارة والجفاف، في تناقض صارخ مع بقية العالم. ويُعد المناخ الجاف في المنطقة العامل الرئيسي وراء حالة ندرة المياه أو شح المياه، وهي حالة تعجز فيها موارد المياه العذبة عن تلبية الطلب المتزايد واحتياجات السكان.
ومع محدودية مصادر المياه العذبة وزيادة الطلب عليها، تواجه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستويات مرتفعة من الإجهاد المائي. وتُهدد التأثيرات المتسارعة لتغير المناخ بتوسيع الفجوة بين العرض والطلب من خلال تفاقم ظروف الجفاف، الأمر الذي ينعكس في آثار طويلة الأمد تتجاوز نقص المياه لتشمل مخاوف تتعلق بجودة الموارد المائية والبنية التحتية الحيوية والتعاون عبر الحدود، مما يزيد من تعقيد التحديات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.
ووفقًا لموقع Science Direct، تستعد دورية Next Research لنشر دراسة للدكتورة منار بني مفرّج، أستاذة مساعد في علوم الاستدامة والإدارة البيئية بجامعة زايد، تبحث العلاقة بين تغير المناخ وندرة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتهدف إلى تقديم تحليل شامل يوضح الارتباط بين تغير المناخ وتزايد نقص المياه، مع تسليط الضوء على حلول قابلة للتطبيق للحد من المخاطر المرتبطة بهذه الظاهرة.
تشير الدراسة إلى الوضع المائي الحرج في المنطقة خلال العقدين الماضيين، إذ شهدت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجعًا كبيرًا في نصيب الفرد من المياه بسبب النمو السكاني والطلب الاقتصادي والاستنزاف الناتج عن سوء الإدارة والاستخراج المفرط. ويُستخدم اليوم نحو 90% من موارد المياه المتاحة، فيما يعاني نحو 83% من سكان المنطقة من ضغط مائي مرتفع.
تُعد دول مثل البحرين وقبرص والكويت ولبنان وسلطنة عمان وقطر من أكثر الدول تأثرًا بهذه الأزمة، التي تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وتدهور البيئة وظهور مشكلات صحية وانكماش اقتصادي. وتوضح الدراسة أن المنطقة تواجه ضغوطًا بيئية مكثفة بسبب تغير المناخ، مع توقعات بارتفاع درجات الحرارة بشكل يفوق المعدلات العالمية. وتُظهر النماذج المناخية احتمال زيادة درجات الحرارة بين 3 و5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، مصحوبة بانخفاض في هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 20%.
ومن المتوقع أيضًا ارتفاع وتيرة الكوارث الطبيعية، ما يزيد من احتمالات التوترات الجيوسياسية حول الموارد المائية المشتركة. وتؤكد الدراسة أن التوجه البحثي لم يعد يقتصر على مناقشة التهديدات المناخية، بل أصبح يركز على كيفية إدارتها والحد من آثارها، لا سيما في ظل احتمالية أن تؤدي ندرة المياه إلى تعزيز النزاعات المرتبطة بإدارة الموارد المائية. وتوضح الدكتورة منار بني مفرّج أن المنطقة شهدت بين عامي 1950 و1990 ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة وتزايدًا في الجفاف، وتشير التوقعات المستقبلية إلى أن هذه الاتجاهات ستتسارع بفعل تغير المناخ. وبحسب الأمم المتحدة، يُعد الجفاف من أكثر الكوارث الطبيعية تدميرًا، إذ يؤدي إلى فشل المحاصيل وحرائق الغابات والإجهاد المائي، وقد زادت وتيرته وشدته بنسبة 29% منذ عام 2000، ما يؤثر سنويًا على نحو 55 مليون شخص.
كما تشير النماذج المناخية إلى احتمال ارتفاع درجات الحرارة عالميًا بمقدار 2 إلى 4 درجات مئوية بحلول منتصف القرن، بينما قد تواجه المنطقة ارتفاعات أشد، مما يرفع مخاطر الكوارث المناخية ويزيد من الضغط على المجتمعات الهشة. ويسلط الفريق الدولي المعني بتغير المناخ الضوء على أن الأراضي الجافة والمناطق الهامشية تعاني تأثيرات أكثر شدة من المناطق الأكثر إنتاجًا، خصوصًا مجتمعات شمال أفريقيا الريفية، التي قد تضطر إلى الهجرة نحو المدن أو تغيير أنماط كسب العيش، مما يفاقم انعدام الأمن الغذائي والصراعات على الموارد.
كما تواجه المدن هي الأخرى تهديدات كبيرة نتيجة ارتفاع وتيرة الكوارث المناخية التي تلحق الضرر بالبنية التحتية والإسكان. ويتوقع الفريق أيضًا ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1 إلى 3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، مما يؤدي إلى موجات حر شديدة، وتراجع مواسم الزراعة، واحتمال تحول بعض الأراضي الخصبة إلى أراضٍ جافة.
وتشير التوقعات إلى انخفاض في هطول الأمطار الشتوية يصل إلى 30% في بعض المناطق، مع تزايد معدلات الفيضانات المفاجئة والجفاف الطويل. ومن المتوقع أن تؤثر هذه التحولات بعمق على البيئة والمجتمعات، حيث ستسهم أنماط الطقس غير المنتظمة في زيادة ندرة المياه وارتفاع معدلات التبخر، مما يضع موارد المياه تحت ضغط أكبر. وبحلول عام 2025، قد يواجه ثلث سكان المنطقة ندرة مطلقة في المياه، مع اعتماد متزايد على الموارد الجوفية.

وقد يؤدي هذا الوضع إلى نشوب صراعات حول الموارد المائية، وارتفاع احتمالات عسكرة الأمن المائي. وتعاني المنطقة من توزيع غير متكافئ للموارد المائية، سواء داخل الدول أو بينها، مما أدى إلى الاعتقاد بأن بعض الدول محظوظة بأرصدة مائية أفضل بينما تعاني أخرى من نقص شديد، رغم أن هذا التصور غير دقيق تمامًا. ومع ذلك، فإن تأثير الخلل في التوزيع كبير في النقاش المتعلق بندرة المياه والصراعات المحتملة.
تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم معاناة من ندرة المياه، حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد 1068 مترًا مكعبًا سنويًا، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 370 مترًا مكعبًا فقط بحلول عام 2050، وهو رقم أقل بكثير من الحد الأدنى البالغ 500 متر مكعب اللازم للاحتياجات الأساسية. ويعيش اليوم نحو 64% من سكان المنطقة في مناطق تواجه ضغطًا مائيًا عاليًا، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 86% بحلول عام 2025. وتظهر التفاعلات بين تغير المناخ وندرة المياه تعقيدًا كبيرًا، حيث تتأثر الموارد المائية بعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية إلى جانب المحددات المناخية. وغالبًا ما تصبح المياه محورًا للصراعات الإقليمية والدولية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
تُعد موارد المياه العذبة في العراق وشبه الجزيرة العربية ذات أهمية استراتيجية للمنطقة، مما يجعل أي تغيير في توافرها نتيجة تغير المناخ ذا تأثير عميق. وفي ظل الندرة الشديدة الحالية، فإن الاتجاه العالمي لزيادة الطلب وتراجع الإمدادات يمثل تهديدًا متصاعدًا للأمن المائي. ويتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الضغط على إمدادات المياه من خلال التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار، مما يسبب موجات جفاف أكثر تواترًا وشدة.
وقد دفعت هذه التوقعات إلى إجراء تقييمات متعددة باستخدام نماذج المناخ العالمية لتقدير أثر تغير المناخ على الموارد المائية في المستقبل، ورغم اختلاف نتائج الدراسات، إلا أن هناك إجماعًا قويًا على أن تغير المناخ سيزيد من الضغط على الموارد المائية الشحيحة أصلًا. وفي السنوات الأخيرة، اكتسبت المخاوف المتعلقة بالأمن المرتبط بالتغيرات البيئية اهتمامًا واسعًا لدى الباحثين وصنّاع القرار، مع تزايد الحاجة لفهم الروابط السببية وتفاعلات التأثير المتبادل بين التغيرات البيئية والتحديات الأمنية.
.
المصادر
1- Exploring the nexus between climate change, water scarcity, and security dynamics in the Middle East and North Africa
2- The Intergovernmental Panel on Climate Change
3- The Looming Climate and Water Crisis in the Middle East and North Africa
.
البريد الإلكتروني للكاتب: abdulhakimkaid8@gmail.com