مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

واقع تعليم الطاقة المتجددة في الجامعات العربية

الكاتب

الصغير محمد الغربي

كاتب علمي

الوقت

09:07 صباحًا

تاريخ النشر

27, أكتوبر 2025

.

رغم كونها من أغنى مناطق العالم بثروات النفط والغاز، تتجه دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفة عامة، والدول العربية بشكل خاص، إلى الاعتماد بشكل متزايد على الطاقة المتجددة. وفي هذا الخضم، يُطرح سؤال جوهري: هل أن أنظمة التعليم في هذه الدول مستعدة لتدريب هذا الكم الهائل من المهندسين والباحثين والفنيين اللازمين لقيادة هذا التحول؟

في دراسة رائدة نُشرت في دورية Social Sciences & Humanities Open، قام باحثون من جامعات أردنية وإماراتية بإلقاء الضوء على واقع تعليم الطاقة المتجددة في جامعات المنطقة. واستنادًا إلى مسح شمل 29 جامعة في ثماني دول عربية بالإضافة إلى إيران، رسم الباحثون صورة دقيقة تكشف عن ديناميكية تعليمية متنامية، وإن كانت لا تزال غير متجانسة، تركز بشكل كبير على تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتعتمد نموذجًا تدريبيًا أقرب إلى النهج الأمريكي الشمالي منه إلى النموذج الأوروبي.

مشهد تعليمي سريع التوسع، وإن كان غير متكافئ المعالم

من أبرز النتائج التي كشفتها الدراسة هو التبنّي الواسع للطاقة المتجددة من قبل كليات الهندسة في المنطقة؛ فمن بين 29 جامعة شاركت في الاستطلاع، تقدّم 86% (أي 25 مؤسسة) بالفعل دورات مخصصة للطاقة المتجددة. يُظهر هذا الرقم وعيًا واسع النطاق بالأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع. ومع ذلك، فإن هذا التوسع يبدو غير متكافئ ولا يجري بالوتيرة نفسها.

أشار المؤلفون إلى أنهم تواصلوا مع 205 مؤسسات، وحصلوا على معدل استجابة بلغ 19%، وسجلوا مشاركة قوية على وجه الخصوص من العراق والأردن، مما يُشير إلى وعي أكبر بهذا الموضوع في هذين البلدين.

في أي قسم من أقسام الهندسة يُدرَّس موضوع الطاقة المتجددة؟

يكشف التحليل عن تكامل عملي ضمن الهياكل القائمة، حيث تتصدر أقسام الهندسة الميكانيكية قائمة هذه البرامج وتستضيف هذه الدورات في 52% من الحالات، تليها أقسام الهندسة الكهربائية، ثم الأقسام المخصصة للطاقة المتجددة، ويمثل كل منها نحو 20% من الإجابات. ويُفسَّر هذا التفوق للهندسة الميكانيكية بأن المبادئ الأساسية للديناميكا الحرارية وديناميكيات الموائع وعلوم المواد تُعدّ أساسية لتصميم أنظمة الطاقة الشمسية الحرارية وتوربينات الرياح ومحطات الطاقة الحرارية الأرضية.

والجدير بالذكر أن 20% من الجامعات التي شملها الاستطلاع قد اتخذت بالفعل خطوة إنشاء أقسام مخصصة بالكامل للطاقة المتجددة، مما يشير إلى تنامي الطابع المؤسسي لهذا التخصص.

الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في صدارة الاهتمامات

عند دراسة محتوى البرامج، تتضح استراتيجية جامعات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المتمثلة في التركيز على أكثر التقنيات نضجًا وملاءمة للسياق الإقليمي. فجميع الجامعات التي تقدّم برامج في مجال الطاقة المتجددة تُدرّس مقررات دراسية في مجال الطاقة الشمسية، وهو أمر غير مستغرب في منطقة تتمتع بأعلى مستويات سطوع شمسي في العالم. تليها مباشرة طاقة الرياح التي تُدرّس في الغالبية العظمى من المؤسسات. ويمثّل هذا التركيز استجابة مباشرة للواقع الاقتصادي ولمشروعات الاستثمار الضخمة في الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب.

في المقابل، ما زالت مصادر الطاقة المتجددة الأخرى بحاجة إلى ترسيخ مكانتها في برامج التدريس الجامعية، إذ لا تتوافر دروس الطاقة المتأتية من الكتلة الحيوية والطاقة الكهرومائية سوى في نحو 25% من الحالات مجتمعة، بينما تُدرَّس الطاقة الحرارية الأرضية في 17% فقط من المناهج الدراسية، في حين تكاد طاقة المد والجزر تكون غائبة تمامًا.

يعكس هذا التسلسل الهرمي المعرفي نهجًا عمليًا يعطي الأولوية للمجالات ذات إمكانات التوظيف العالية والرواج التجاري، وهو ما يتماشى تمامًا مع دوافع الطلاب كما كشف الاستطلاع؛ فبينما يظل اكتساب المعرفة العامة الدافع الرئيسي (44%)، فإن البحث عن فرص بحثية جديدة (32%) والسعي وراء آفاق عمل جديدة (24%) هما العاملان الحاسمان. ومن خلال التركيز على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تُعِدّ الجامعات طلابها مباشرة لتلبية الاحتياجات الفورية لسوق العمل.

تدريب نظري في الغالب، من البكالوريوس إلى الماجستير

تتناول الدراسة أيضًا هيكلية هذه البرامج ومنهجيتها، حيث تتوزع المقررات الدراسية بين مستوى البكالوريوس الذي يمثل 42% من البرامج المقدَّمة، ومستوى الدراسات العليا الذي يُمثل 58%.

ولاحظ المؤلفون أن برامج الماجستير بدأت في الانتشار مؤخرًا، بينما تشكّل برامج الدكتوراه المتخصصة استثناء، ويُعزى ذلك غالبًا إلى غياب برامج الدكتوراه في الهندسة في العديد من المؤسسات المشاركة. وبحسب المؤلفين، فإن منهجية التدريس والتقييم لا تزال تقليدية إلى حد كبير، إذ تشكّل الكتب المدرسية (41%) والمقالات البحثية (36%) الأساس الوثائقي الرئيس للمقررات، مما يعكس نهجًا أكاديميًا متينًا.

ويعتمد تقييم الطلاب بشكل أساسي على الامتحانات التحريرية (32%)، بالإضافة إلى الندوات والعروض التقديمية (25%) والمشاريع والواجبات (25%). ورغم أن هذه المنهجية تشير إلى تدريب نظري صلب، فإنها تثير تساؤلات حول البعد العملي والتطبيقي للتدريس. كما أن غلبة التقييمات الكتابية والموارد الأكاديمية، إلى جانب التوصيات التي قدّمها المدرسون أنفسهم، تؤكد الحاجة الملحة إلى تعزيز الجانب العملي للتدريب.

من نتائج ملموسة إلى توصيات استراتيجية للمستقبل

في حين أن توفير الدورات التدريبية في مجال الطاقات المتجددة يعد خطوة أولى حاسمة، فإن أثرها الحقيقي يُقاس من خلال المشاريع والبحوث التي تنتج عنها. وفي هذا الصدد، تكشف الدراسة عن وجود مجال واسع للتحسين، حيث أفادت الغالبية العظمى من الجامعات (76%) بإشرافها على أقل من 10 مشاريع بكالوريوس تتعلق بالطاقة المتجددة خلال العام الدراسي 2022/2023. وتتشابه النتيجة بالنسبة للإنتاج العلمي، إذ نشر 68% من المشاركين أقل من 10 مقالات بحثية في هذا المجال خلال الفترة نفسها.

تشير هذه الأرقام المتواضعة إلى أنه على الرغم من إرساء الأسس النظرية، فإن تحويل هذه المعرفة إلى ابتكار ملموس وبحوث متطورة لا يزال في مراحله الأولى. وإدراكًا لهذه التحديات، قدّم الأكاديميون الذين شملهم الاستطلاع توصيات واضحة وعملية لتحسين جودة التدريس. وكان الاقتراح الأكثر شيوعًا الذي ذكره 26% من المشاركين هو الحاجة إلى تحسين مرافق المختبرات، سواء من خلال إنشاء مختبرات مخصصة أو تحديث البنية التحتية القائمة.

أما الأولوية الثانية، التي ذكرها 21% من المشاركين، فتتعلق بتعزيز التعاون الأكاديمي والصناعي من خلال شراكات مع مراكز البحوث الدولية والشركات الصناعية والجامعات الأخرى. وتشمل الاقتراحات الأخرى زيادة عدد المقررات الإلزامية، ودمج المزيد من المشاريع العملية، وتنظيم المؤتمرات العلمية. وتتقارب هذه التوصيات نحو هدف مشترك يتمثل في الانتقال بتعليم الطاقة المتجددة من مرحلة التعلم النظري إلى مرحلة التطبيق العملي والابتكار.

تبنّي النموذج الأمريكي الشمالي على حساب النموذج الأوروبي

إن المساهمة الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الدراسة هي بلا شك منظورها لنموذج التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنة بالمعايير العالمية. واستنادًا إلى بيانات من دراسة أجرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) عام 2018، قارن المؤلفون توزيع المقررات الدراسية حسب المستوى الجامعي ووجدوا تباينًا واضحًا؛ ففي أوروبا يتركز تعليم الطاقة المتجددة بشكل كبير على مستوى الماجستير باعتباره تخصصًا دقيقًا، أما في أمريكا الشمالية فيتسم النهج بتوازن أكبر، حيث يبدأ جزء كبير منه في مرحلة البكالوريوس.

ومع ذلك، تُظهر البيانات من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (42% من برامج البكالوريوس) تشابهًا ملحوظًا مع نموذج أمريكا الشمالية. تشير هذه الملاحظة إلى استراتيجية تعليمية مدروسة تهدف إلى تزويد عدد كبير من المهندسين بثقافة ومهارات أساسية في مجال الطاقة المتجددة منذ بداية مسيرتهم الأكاديمية.

وكما أشارت دراسة سابقة نُشرت عام 2014، فإن الدمج المبكر لهذه المفاهيم ضروري لبناء منظومة مهارات مستدامة. وباختيارها هذا المسار، لا تكتفي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللحاق بالركب فحسب، بل تتبنى نموذجًا أكثر مرونة لنشر القوى العاملة الماهرة اللازمة لتحقيق أهدافها الطموحة بسرعة.

ويتمثل التحدي الآن في إثراء هذه القاعدة المتينة لتدريس الطاقات المتجددة بأبحاث متطورة وثقافة الابتكار العملي، وبالتالي تحويل قاعات الدراسة اليوم إلى محركات لتحول الطاقة في المستقبل.

.

المراجع

Renewable energy education in Middle Eastern and North African universities. Social Sciences & Humanities Open, 11, 101496. 

Education and training gaps in the renewable energy sector. International Renewable Energy Agency (IRENA).

Renewable energy education: A global perspective. Renewable and Sustainable Energy Reviews, 39, 1134-1143.

.

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x