.
شهدت السنوات الأخيرة طفرة لافتة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومعها تغيّر شكل البحث العلمي وأدواته بشكل ملحوظ. من بين هذه التطورات برز ChatGPT، الذي لم يعد مجرد تطبيق للمحادثة، بل أصبح أداة يعتمد عليها الكثير من الباحثين في جمع المعلومات وتوسيع آفاق المعرفة.
بالنسبة للباحثات على وجه الخصوص، فإن هذه التقنية تحمل قيمة مضافة كبيرة، إذ تساعدهن على تجاوز عقبات الوصول إلى المصادر والمراجع، وتمنحهن وسيلة أسرع وأكثر مرونة في التعامل مع متطلبات العمل الأكاديمي.
في يونيو 2025، نُشر بحث مهم في مجلة Creative Education ركز على تقييم أثر ChatGPT في تحسين مهارات الوصول إلى المصادر والمعلومات لدى الباحثات. تناولت الدراسة تجربة مجموعة من الباحثات قبل وبعد استخدام الأداة، وقاست قدرتهم على البحث عن المراجع، ودقة النتائج التي يحصلن عليها، وملاءمتها لموضوعاتهن العلمية. وأظهرت النتائج أن الأداء تحسّن بشكل واضح بعد الاستعانة بـ ChatGPT، سواء من حيث سرعة الوصول إلى المعلومات أو من حيث جودة المصادر التي جرى الاعتماد عليها.
ومن الجوانب اللافتة في هذه الدراسة أنّها جاءت بمبادرة من باحثين عرب من فلسطين، حيث أعدّها محمد أبو عودة وياسمين زقوت من قسم المناهج وطرق التدريس في الجامعة الإسلامية غزة/فلسطين. ويُظهر هذا أن الاهتمام بتأثير أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT لم يقتصر على الجامعات الغربية فحسب، بل امتد ليشمل مؤسسات أكاديمية عربية تسعى بدورها إلى تقييم فرص وتحديات هذه التقنيات في بيئاتها البحثية. إن مساهمة باحثين من فلسطين في هذا الحقل تبرز البعد العالمي للنقاش حول الذكاء الاصطناعي، كما تعكس إصرار الباحثين العرب على الانخراط في القضايا العلمية المعاصرة رغم التحديات التي يواجهونها.
لم يكن أثر ChatGPT محصورًا في الجانب التقني فحسب، بل امتد ليترك بصمة واضحة على ثقة الباحثات بأنفسهن وبقدراتهن على قيادة عملية البحث. فقد أتاح لهن صياغة أكثر دقة للكلمات المفتاحية، وربط موضوعاتهن بأبحاث ودراسات ذات صلة مباشرة، الأمر الذي وفر عليهن جهدًا ووقتًا كان يُستنزف في طرق البحث التقليدية. ومع تكرار التجربة، شعرت المشاركات بارتياح أكبر تجاه خطواتهن البحثية، وانفتحت أمامهن آفاق أوسع لخوض مشاريع علمية أكثر طموحًا، مدعومات بأدوات ذكية تمنحهن شعورًا بالقوة والتمكين.
تكمن قيمة هذه النتائج في أنها تسلط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي كعامل تمكين، وليس مجرد وسيلة تقنية. فالدراسة أوضحت أن الاستعانة بـ ChatGPT ساعدت الباحثات على تجاوز بعض العقبات التي طالما رافقت مسيرتهن، مثل ضيق الوقت وصعوبة الحصول على المراجع الملائمة أو ضعف الإلمام بقواعد البيانات المتخصصة. بعبارة أخرى، لم يكن الأثر محصورًا في المعلومة ذاتها، بل في التجربة الإنسانية للباحثة التي شعرت بأنها أقل عزلة في رحلتها الأكاديمية، وأكثر قدرة على التفاعل مع المعرفة وإعادة توظيفها.
ومع ذلك، فإن هذه النتائج تحتاج إلى قراءة متوازنة. إذ يحذر عدد من المتخصصين من أن الإفراط في الاعتماد على ChatGPT قد يؤدي إلى تبسيط مفرط للقضايا العلمية أو إلى إغفال بعض التفاصيل الدقيقة التي تُعد أساسية في البحث الأكاديمي. كما أن الأداة قد تقدم أحيانًا معلومات غير دقيقة أو غير موثقة بما يكفي، وهو ما يستدعي حضور العقل النقدي للباحثة والتأكد من مصداقية ما يُعرض عليها. بمعنى أن ChatGPT يمكن أن يكون رفيقًا مفيدًا في عملية البحث، لكن لا غنى عن الحس الأكاديمي والخبرة الشخصية في التحقق والتدقيق.
الخلاصة التي يمكن استخلاصها من دراسة Creative Education أن ChatGPT بات يمثل نقطة تحول في طريقة تعاطي الباحثات مع البحث العلمي. فهو يفتح الباب أمام فرص جديدة للوصول إلى المعلومة بسرعة وفعالية، ويوفر بيئة أكثر دعمًا لإنجاز البحوث في ظل الضغوط الأكاديمية.
ومع استمرار تطور هذه التقنية، ستظل الحاجة قائمة إلى المزيد من الدراسات التي تقيم أثرها على الباحثين والباحثات على حد سواء، بما يضمن أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة داعمة للعلم والمعرفة، لا كبديل عن الجهد الإنساني الذي يمنح البحث الأكاديمي قيمته الحقيقية.
.
المصادر
1- The Effect of Employing ChatGPT to Enhance the Searchability among Female Researchers.
2- Experimental evidence on the productivity effects of generative artificial intelligence.
3- So what if ChatGPT wrote it? Multidisciplinary perspectives on opportunities, challenges.
.
تواصل مع الكاتب: mohamedmouradgamal@gmail.com