مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

© نبراس | nBRAS 

نحو مجتمع علمي عربي

رؤية الرائد أنطوان زحلان
الكاتب

المحرر

وحدة الدراسات والأبحاث "نبراس"

الوقت

10:48 مساءً

تاريخ النشر

03, سبتمبر 2025

.

لطالما كان العلم هو البوصلة التي توجّه المجتمعات نحو المستقبل. ومن دون مجتمع علميٍّ حيّ، يظلّ التطوّر معلّقًا بين الرغبة والواقع. في ورقته البحثية “نحو تكوين مجتمع علمي عربي“، يضع عالم الفيزياء والمفكّر العربي الرائد الدكتور أنطوان زحلان (رحمه الله) رؤيةً مُلهمة تدعو العرب إلى استعادة زمام المبادرة العلمية، ليس فقط لإنتاج المعرفة، بل لبناء مستقبلٍ مشترك قائمٍ على الابتكار والاعتماد على الذات.

 العلم شبكة لا أفراد

يُذكّرنا د. زحلان بأنّ التقدّم العلمي ليس نتاج عبقرية فردية معزولة، بل ثمرة شبكة من العلماء والمؤسسات والصلات العابرة للحدود. فهي منظومة معقّدة تضمّ آليات للتحكيم والمراجعة وإضفاء الشرعية على المعرفة الجديدة. هذه العمليات (والتي تتمّ من خلال الدوريات العلمية المتخصّصة والجمعيات العلمية) تشكّل “القوّة الرابطة” للمجتمع العلمي.

ويشير إلى أنّ العلم نظام يديره الأقران وليس نظامًا ديمقراطيًا، حيث تعود الكلمة النهائية إلى الطبيعة لا إلى التصويت. هذا المبدأ الأساسي يفسّر لماذا قد تُخطئ غالبية العلماء أحيانًا في تفسير الظواهر الطبيعية، كما حدث مع اكتشاف دور البكتيريا في التسبّب بقرحات المعدة ومقاومة المجتمع الطبي لها لسنوات قبل قبولها.

التاريخ شاهد والمستقبل ممكن

يستشهد د. زحلان بالنموذج التاريخي للمجتمع العلمي العربي-الإسلامي في القرون الأولى من الإسلام، والذي كان رائدًا في عدد كبير من التطوّرات العلمية والتكنولوجية. كان الاعتماد على الذات سمةً ثقافيةً عربية، كما يوضّح من خلال مثال نقل تكنولوجيا صناعة الورق من الصين، حيث لم يكتفِ العرب باستيراد الورق، بل تعلّموا صناعته وطوّروها.

غير أنّ هذا التفوّق العلمي بدأ في الانحطاط حوالي القرن الرابع عشر نتيجة عوامل متعدّدة، منها الطاعون (الموت الأسود) عام 1340، والحملات الصليبية، والغزوات المنغولية. أمّا الضربة القاتلة فكانت تفكيك الإمبراطورية التجارية العربية بين عامي 1498 و1630 حين هيمنت الشركات الأوروبية على التجارة في آسيا.

ويشير كذلك إلى أنّ الوطن العربي يمتلك اليوم إمكانات بشرية ومؤسسية واسعة لم تكن متاحة في الماضي؛ فعدد الجامعات والخريجين في تزايد مستمر، كما ينشر آلاف الباحثين العرب أبحاثهم في المجلات العلمية العالمية. غير أنّ هذا التوسّع الكمّي لم يتحوّل بعد إلى تقدّم نوعي ملموس لأسباب عديدة، أبرزها ضعف الإنفاق على البحث والتطوير، إذ لا يتجاوز في معظم البلدان العربية 0.3% من الناتج القومي الإجمالي، مقارنةً بدول مثل الصين أو الهند التي تضاعف استثماراتها في هذا المجال.

ويُضيف أنّ غياب المجتمعات العلمية العربية المنظَّمة، وضعف حضور الدوريات العربية في قواعد البيانات العالمية مثل ISI وScopus، يحول دون أن تتحوّل هذه الجهود الفردية إلى قوة تراكمية قادرة على إحداث نقلة حقيقية في البحث العلمي العربي.

توصيات تحمل الأمل

يقترح د. زحلان استراتيجية عملية لبناء مجتمع علمي عربي، وتتضمن إنشاء ودعم مدارس صيفية ومراكز بحثية متخصّصة، وتحسين جودة الدوريات العلمية العربية ورفع معايير النشر فيها، وتمكين الباحثين العرب من الاستفادة من “الكليات غير المنظورة” وهي وهي شبكات صغيرة من العلماء النشطين الذين يجتمعون بانتظام لتبادل أحدث المعارف، مما يساعد على تسريع وتيرة التقدّم العلمي وتفادي التكرار.

كما يدعو إلى بناء قواعد بيانات مشتركة لتسهيل التعاون البحثي، إضافة إلى تعزيز الروابط بين العلماء من خلال آليات النقد الذاتي المنظم. هذه الخطوات لا تبدو بعيدة المنال ويمكن تنفيذها بجهدٍ معقول وتمويل زهيد نسبياً، لكن أثرها قد يكون عميقًا لأنها تهيّئ الأرضية لتشكيل جمعيات علمية عربية فاعلة وتزيد من قوة الروابط المؤسسية بين الباحثين.

رؤية مستقبلية من الفكرة إلى التطبيق

ما يقدّمه الدكتور أنطوان زحلان ليس مجرّد تحليل أكاديمي، بل رسالة إيمان بأنّ العرب قادرون على استعادة مكانتهم العلمية إذا اختاروا أن يؤمنوا بالعلم كمشروع جماعي. فالعلم لا يزدهر إلا حين يصبح قضيّة مجتمعية يتشارك فيها الجميع: من الحكومات إلى الجامعات إلى الأفراد.

.

المصدر: © نبراس | nBRAS 

نحو تكوين مجتمع علمي عربي

.

يجدر الذكر بأن هذه الورقة كانت نقطة الانطلاق الاولى لتأسيس “منظمة المجتمع العلمي العربي” وأساس لفكرها ونشاطها المستمر. حين تمكنت مجموعة صغيرة من تأسيسها بجهود ذاتية، ويظل نجاح هذا المشروع مرهونًا بمشاركة وتعاون العلماء العرب وكل المعنيين بالشأن العلمي.

 

© 2025 نبراس | nBRAS – Powered & Secured

>

تواصل معنا: info@arsco.org

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
عادل الابيض
عادل الابيض
09/10/2025 4:29 مساءً

أصبح من الضروري أن أن يكون هناك صرح علمي واسع ترتبط به كل الجامعات ومراكز البحث العربية ليكون هو المرجع العلمي والاكاديمي للمجتمع العلمي العربي لأن توحد المسار العلمي يتبعه يتبعه توحد الفكر والتوجه واستذاكر التاريخ العربي العلمي التليد ليصبح هدف تسعي الاجيال العربية الى إعادة وأعتقد أن هدف الاستراد لهذا التاريخ سيتحقق على يد الدكتورة موزة الربان لأنها من تنادي وتسعي إلى تحقيقه في كل الفعاليات التي تقوم بها وما اشبه اليوم بالبارحه

عنوان التعليق
الفرصة مهيئة والضروف متاحة والحاجه مُلحة لوجود صرح علمي عربي
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x