مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

قفزة جديدة في الحوسبة الكمومية

أكواد LDPC الكميّة تفتح الطريق نحو حواسيب أكثر دقة وموثوقية
الكاتب

جمال مراد قيس

كاتب علمي في التقنية

الوقت

10:25 صباحًا

تاريخ النشر

26, أغسطس 2025

.

الحوسبة الكمومية تتقدّم بالفعل، لكن هذا التقدّم لا يُشبه القفزات الدرامية التي تُروَّج أحيانًا في العناوين. ما يحدث على الأرض هو مسار هندسي طويل لتقليص الأخطاء وتحسين موثوقية الكيوبِتات ودوائر القياس والتحكم، مع جهدٍ متوازن بين تحسين الأجهزة وإدارة الضجيج خوارزميًا.

منذ 2019، بدأ مجتمع البحث يتعامل بجدية مع فكرة أنّ الاستفادة العملية قبل الوصول إلى النتائج الخالية من الأخطاء، وذلك عبر تقنيات الدقة “تخفيف الخطأ” دون زيادة في العتاد، وهو ما ثبّته تجارب ودراسات من IBM وشركائها؛ هذا العمل غيّر النقاش من هل إلى كيف نستخلص فائدة مبكرة من معالجات ضحلة العمق كثيرة الضجيج.

المعضلة الكبيرة والأساسية كانت وما تزال في ضبط معدلات الخطأ الفيزيائي والرياضي لكل كيوبِت ولكل بوابة ولكل دورة من حيث القراءة والكتابة. من دون تصحيحٍ منهجي للأخطاء، حيث تتراكم الانحرافات بسرعة وتنهار الفائدة الحسابية. وهنا برز دور “الكود السطحي” Surface Code بوصفه الخيار الواقعي الأكثر قوة لمعماريات فائقة التوصيل، إذ يُحوّل عدّة كيوبِتات فيزيائية إلى “كيوبِت منطقي” واحد تُقاس جودته بمقدار تحسّن معدل الخطأ المنطقي عند تكبير حجم الكود.

لكن الكود السطحي ليس نهاية القصة. ففي 2024، قدّم باحثون من IBM وآخرون خطوة مهمة في عائلة أكواد LDPC الكميّة ذات العتبة المرتفعة وهي نوع من الأكواد التصحيحية الرياضية المنخفضة التكلفة نسبيا (من حيث عدد الكيوبِتات المطلوبة لكل كيوبِت منطقي). هذه المقاربة تُحسّن كفاءة التصحيح نظريًا وعمليًا وتفتح الباب لتصميمات يمكن أن تتفوّق على الكود السطحي عند جودة فيزيائية معيّنة. الفكرة هنا ليست استبدال مدرسة بأخرى بقدر ما هي توسيع صندوق الأدوات: إذا استطعت الوصول إلى عتبة خطأ فيزيائي أدنى قليلًا، فقد تمنحك أكواد LDPC وفورات كبيرة في الموارد اللازمة للحوسبة المتسامحة مع الخطأ.

على مستوى العتاد، ظلّ السباق بين منصّات “فائقة التوصيل” و”الأيّونات المحصورة” الأكثر سخونة. أجهزة الأيونات المحصورة تتميّز ببوابات عالية الدقة وتوحيد جيد عبر الكيوبِتات، وإن كانت زمنيات البوابات أبطأ نسبيًا. خلال 2024–2025، حسّنت Quantinuum أداء نظامها H2 المبني على الأيونات المحصورة، ورفعت عدد الكيوبِتات القابلة للاستخدام مع الحفاظ على فيديليتي مرتفعة، وقدّمت تطبيقات تجريبية ذات معنى مثل توليد العشوائية عالية الجودة والتكامل مع شركات مالية للتحقق من مزايا خوارزمية بعينها. حتى إن بعض المهام أصبحت صعبة المحاكاة بالكامل على الحواسيب الكلاسيكية المتاحة تجاريًا، وهو مؤشرٌ تقني مهم حتى لو لم يكن تفوقًا كمياً عاماً بالمعنى الصارم.

في المقابل، تواصل منصّات فائقة التوصيل تحسين البوابات ثنائية الكيوبِت وتخطيط الشبكات الفيزيائية وتقنيات التبريد والتحكم الميكروويفي. ;كان لجوجل إنجاز في تجربة خفض نسبة الخطأ المنطقي مع زيادة حجم الكود، وجاء ذلك فوق ركيزة هندسية عميقة من حيث تغليف أفضل، مواد أقل قابلية للتلف، تصميمات شرائح تقلّل التداخل، وخوارزميات فك ترميز أسرع تتعامل مع syndromes. هذه التحسينات التراكمية تتيح اليوم اختبارات أكثر قوة ودقة بل وأطول لدورات التصحيح وتُقلل الأحداث الطاقية العالية “التفاعل” التي كانت تفرض أرضيةً صلبة لمعدلات الخطأ المنطقي.

أصبحت تقنيات تخفيف الخطأ جزءًا قياسيًا من صندوق الأدوات من حيث توسّع الضجيج، الإرجاع الصفري، الترابط العشوائي للبوابات، وغيرها. الفكرة ليست أن التخفيف يُغني عن التصحيح، بل أنه يُطيل مدى الدارات الممكنة ويُحسّن دقة القيم المتوقعة في مسائل محصورة مثل الكيمياء الكمية ونمذجة الأنظمة المادية، إلى أن نبلغ عتبات تصحيح الخطأ الكامل. وقد برهنت أعمال 2019–2023 أن هذه الأساليب قابلة للتحجيم بما يكفي لتقديم منافسة رقمية على أنوية كلاسيكية قوية في نطاقات محددة بعناية.

الجانب الآخر من “التقدّم الملموس” يتمثل في ثقافة القياس والمقارنة. لم تعد المؤشرات العامة مثل عدد الكيوبِتات كافية للدلالة على الجودة. باتت الشركات والمختبرات تتبنّى مقاييس مركّبة تشمل “الحجم الكمّي” ومصادر الدقة أو درجة الجودة ان صح التعبير ومعدلات الخطأ المنطقي بعد التصحيح وأزمنة الترابط الفعلية تحت حملٍ حسابي حقيقي. ظهرت كذلك جهود أكاديمية وصناعية لبناء أطر قياس معيارية شاملة لبرمجيات التطوير الكمومي وقدراتها، بما يتيح مقارنة منصفة بين الأكواد والأجهزة والخدمات السحابية. هذه الثقافة تساعد على غربلة الادعاءات التسويقية وتثبيت ما هو صلب من منجزات.

على مستوى التطبيقات، لا تزال الكيمياء الكمومية ونمذجة المواد المرشّح الأبرز للاستفادة المبكرة: تقدير طاقات الحالة الأرضية، محاكاة تفاعلات تحفيزية، واستكشاف مواد بطاريات ومركبات دوائية. إنّ أي انخفاض إضافي في الخطأ المنطقي أو تحسّن في إجراءات التحضير والقياس يمكن أن يقلّص عدد البوابات أو عمق الدارات المطلوبة، ما يُحول مسألة نظريًا ممكنة من الناحية العملية إلى قابلة للتنفيذ على عتاد سحابي. من جهة أخرى، تطلّ تطبيقات التحقق العشوائي وإنتاج الأعداد العشوائية عالية الجودة كملعب واقعي للأجهزة الحالية، خاصة حين تُقرَن ببراهين قابلة للتدقيق ولجان تحكيم مستقلة للتحقق.

رغم الزخم الحالي وكثرة الحديث الإعلامي التقني حول ما نستطيع ان نُطلق عليه اسم “الذكاء الخارق” وامكانية الوصول إلى حواسيب كمومية متكاملة ذات جودة ومعايير خطأ منخفضة، فإن الصورة الواقعية تبقى أكثر حذرا وتحت مجهر الدراسة والتطوير. والمطلوب الان هو خفضٌ مستدام لمعدل الخطأ الفيزيائي مع العمل على تحسينات في البنية التحتية للتحكم الإلكتروني وبرمجياتها، إلى جانب الكفاءة في اختيار أكواد التصحيح.

يمكن القول أننا في 2025 بتنا نمتلك “دليل ” قد يحول التطور الذي نعيشه من مجرد نظريات وتوقعات إلى أدلة عملية متكاملة تدعم التقدم في مجالات حساسة، مثل الحوسبة الكمومية أو الذكاء الاصطناعي أو الطب الدقيق.

وذلك بسبب:

1- تصحيح أخطاء يتّسع بنجاح مع حجم الكود.
2- أكواد بديلة أكثر كفاءة من حيث الموارد.
3- أجهزة أيونية عالية الدقة تتّسع وتتطور تدريجيا مع الحفاظ على أعلى جودة.

مع مراعاة أن هذه التقنيات وآليات تخفيف وحصر الأخطاء أثبتت قدرتها على إنتاج قيمٍ متوقعة تنافس المحاكاة الكلاسيكية.

لا تزال الطريق طويلة نحو تطبيقات صناعية واسعة النطاق، لكن المسار أصبح أوضح من حيث التحسينات المتواصلة في المواد والتصميم، ومعايير القياس التي باتت أكثر صرامة، مع دمجٌ ذكي بين الأجهزة والبرمجيات والمنطق.

.

المصادر

– Acharya, R. et al. “Suppressing quantum errors by scaling a surface code logical qubit.” Nature (2023).

– Bravyi, S. et al. “High-threshold and low-overhead fault-tolerant quantum memory with quantum LDPC codes.

– Kim, Y. et al. “Evidence for the utility of quantum computing before fault tolerance.

– Kandala, A. et al. “Error mitigation extends the computational reach of a noisy quantum processor.

.>



الكود السطحي (Surface Code):
هو نوع من أكواد تصحيح الأخطاء الكمومية، يُعتبر الأكثر شيوعًا وفعالية حاليًا. يعتمد على ترتيب الكيوبِتات في شبكة ثنائية الأبعاد (شبكة مربعات)، بحيث يمكنه اكتشاف وتصحيح الأخطاء الناتجة عن الضوضاء في الحواسيب الكمومية بكفاءة عالية.

الحوسبة الكمومية (Quantum Computing): هي نمط جديد من الحوسبة يعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم، حيث تُستخدم الكيوبِتات بدل البِتّات التقليدية. هذا يتيح إنجاز عمليات معقدة بسرعة هائلة، مثل فك التشفير، محاكاة الجزيئات، وتحليل البيانات الضخمة، بطرق لا تستطيع الحواسيب الكلاسيكية تحقيقها.

الكيوبِتات (Qubits): هي الوحدة الأساسية للمعلومات في الحوسبة الكمومية، وتشبه “البِت” في الحواسيب العادية، لكنها تختلف بقدرتها على أن تكون في حالتي 0 و1 معًا في نفس الوقت (بفضل خاصية التراكب الكمومي). هذه الخاصية، مع التشابك الكمومي، تمنح الحواسيب الكمومية قوتها الهائلة.

>


تواصل مع الكاتب: mohamedmouradgamal@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x