مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

التعليم البيئي في الشرق الأوسط

الواقع والتحديات والفرص
الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

06:46 مساءً

تاريخ النشر

08, يوليو 2025

.

تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجموعة من التحديات البيئية المشتركة والمتفاقمة مثل قضايا ندرة المياه وتدهور الأراضي الصالحة للزراعة وتلوث الهواء وفقدان التنوع البيولوجي بسبب تغير المناخ والنمو السكاني والتوسع الحضري السريع، مما يهدد الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل. في هذا السياق، يبرز التعليم الأخضر، المعروف أيضا باسم التعليم البيئي أو التعليم من أجل التنمية المستدامة، كضرورة ملحة لمجابهة هذه التحديات لا سيما وأن الهدف الرابع من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ينص على أنه بحلول عام 2030، ينبغي أن يكتسب جميع المتعلمين المعرفة والمهارات اللازمة لتعزيز التنمية المستدامة.

لكن ما هو واقع التعليم البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول العربية بشكل خاص؟ وما هي أهم العوائق التي تحول دون تطوره ليسهم فعليا في مواجهة التحديات البيئية والمناخية المتزايدة؟

مؤخرا، نشرت دراسة علمية جديدة لفريق من الباحثين من جامعة بيرمنغهام في دورية (Sustainable Development) العلمية، استكشفت بعمق إمكانات التعليم الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحللت هذه الدراسة العوائق النظامية أمام تطوره مثل مركزية النظم التعليمية وفجوات المناهج الدراسية ونقص التمويل، مسلطة في الوقت نفسه الضوء على فرص هامة يُمكن اغتنامها، لا سيما من خلال المشاركة في المبادرات العالمية مثل اتفاقية باريس ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء.

وأكد الباحثون أنه يمكن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التغلب على تحدياتها البيئية وتعزيز التنمية المستدامة المتوافقة مع جهود الحفاظ العالمية، من خلال اعتماد نهج شامل واستراتيجي يشمل تكامل المناهج الدراسية والدعم السياسي والتعاون مع المنظمات غير الحكومية والدولية وتوفير التمويل الكافي والرصد الدقيق.

معنى التعليم الأخضر وأثره في زيادة الوعي البيئي

يمثّل التعليم الأخضر، أو التعليم من أجل التنمية المستدامة، وفق الدراسة، نهجا تربويا ديناميكيا وأساسيا يهدف إلى تزويد الأفراد بالمعارف والمهارات والقيم اللازمة لفهم القضايا البيئية المعقدة في عصرنا ومعالجتها. ويتمثل هدفه الرئيسي في تحفيز التحول المجتمعي نحو اقتصاد دائري منخفض الكربون وموفر للموارد. ويُصنّف إطار اليونسكو للتعليم من أجل التنمية المستدامة 2030 هذا التعليم كجزء لا يتجزأ من التعليم الجيد، وهو عامل أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.

في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث لا تزال العديد من الاقتصادات تعتمد اعتمادا كبيرا على الوقود الأحفوري، يعتبر هذا التحول بالغ الأهمية. حيث تشير الأرقام إلى أن المنتجات البترولية لا تزال مثلت في عام 2019 حوالي 46% من إجمالي استهلاك الطاقة في المنطقة. ويتجلى هذا الاعتماد بشكل أوضح في الموازين التجارية لبلدان المنطقة، حيث يمثل النفط والغاز ما يناهز  80% من عائدات صادرات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبحسب الباحثين فإن التعليم الأخضر يمكنه أن يلعب دورا أساسيا في التنويع الاقتصادي عبر المساهمة في إعداد القوى العاملة للتقنيات الصديقة للبيئة. وعلى الرغم من بعض التقدم المُحرز، لا تزال حصة الطاقة المتجددة منخفضة، حيث تشكل 0.1% فقط من الاستهلاك النهائي للطاقة في الجزائر، وبين 5% و 5.5% في مصر والأردن، وبين 10% و 12% في المغرب وتونس، وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وإلى جانب آثاره الاقتصادية، يمثل التعليم البيئي رافعة قوية لمكافحة تغير المناخ يمكنها أن تعيد تشكيل تصورات الأفراد للعالم الطبيعي، عبر تعزيز القيم البيئية الأخلاقية وتشجيع المشاركة المدنية وتطوير المهارات الأساسية. وقد أظهرت دراسة علمية حللت الفترة 1980-2020 في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن التعليم أسهم فعليا في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والبصمة البيئية، بينما أسهمت وفرة الموارد الطبيعية في زيادتها. وبالتالي، فإن التعليم الأخضر ليس مجرد أداةٍ للتوعية، بل هو استثمار استراتيجي لمنع التدهور البيئي وتعزيز التنمية المستدامة الحقيقية.

التحديات الهيكلية والتربوية

يواجه تطور التعليم الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق مؤلفي الدراسة، عقبات هيكلية متجذرة في أنظمتها التعليمية أبرزها المركزية المفرطة التي تميّز معظم هذه الأنظمة.

عادة ما توضع المناهج الدراسية والكتب المدرسية وتدريب المعلمين واللوائح الأكاديمية على المستوى الوطني، مما يسبب جمودا كبيرا ويعيق الابتكار والقدرة على التكيف. هذا النهج الهرمي التنازلي غالبا ما تديره وزارات التعليم التي تفتقر إلى الرؤية بعيدة المدى ومهارات التخطيط الاستراتيجي، مما يعقّد عملية دمج المواد متعددة التخصصات والمتطورة مثل التعليم البيئي. وبدلا من دمج التعليم الأخضر في بنية التعلم، يُنظر إليه في الغالب على أنه إضافة اختيارية وبرنامج هامشي ضعيف التكامل مع المنهج الأساسي، كما أفاد برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

هذه الفجوة في المناهج الدراسية تتفاقم بسبب إرث من الإصلاحات التعليمية التي أعطت الأولوية للكم على حساب الكيف، كما تقول الدراسة. وعلى الرغم من أن المنطقة أحرزت تقدما ملحوظا في الوصول إلى التعليم في العقود الأخيرة، فإنه لم يصاحب هذا التوسع السريع في التعليم تحسن في جودة التعليم.

وفي هذا السياق، لم يُولَ اهتمام كاف لملاءمة المناهج الدراسية وجودتها، وأدى غياب أطر مناهج واضحة وأهداف محددة جيدا للتعليم من أجل التنمية المستدامة إلى عدم الاستعداد الجيد للمعلمين وافتقارهم في الغالب لمهارات تمكنهم من تقديم تعليم فعال. هذه الفجوات مثلت فرصا ضائعة لتثقيف الطلاب حول قضايا حيوية مثل الاحتباس الحراري والحفاظ على التنوع البيولوجي والطاقة النظيفة والممارسات المستدامة.

العقبات المالية والاجتماعية والثقافية

إلى جانب التحديات الهيكلية، يواجه التعليم الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قيودا مالية واجتماعية وثقافية كبيرة. ويعدّ نقص التمويل مشكلة مزمنة ومتعددة الأوجه، حيث يشير تقرير اليونسكو لعام 2019، إلى أن دول المنطقة تخصص ما معدله 3.8% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي للتعليم، وهي نسبة متواضعة تسلط الضوء على نقص عام في الاستثمار في هذا القطاع وتجعل توفير الأموال لمبادرات التعليم الأخضر أمرا صعبا. وبدون تمويل كاف ومستدام، غالبا ما تبقى مبادرات التعليم الأخضر مشاريع تجريبية عاجزة عن بلوغ نطاق كاف لإحداث تأثير ملموس.

بالتوازي مع ذلك، يُشكل نقص الوعي وفهم القضايا البيئية بين السكان عائقا ثقافيا كبيرا. وقد كشف استطلاع رأي الشباب العربي لعام 2020 أن تغير المناخ والقضايا البيئية لم يكونا من بين الاهتمامات الرئيسية للشباب في المنطقة، الذين ركزوا أكثر على التحديات الاقتصادية والاستقرار السياسي. ويعكس هذا الاهتمام المتدني بالقضايا البيئية، الأعراف الثقافية والمجتمعية التي لطالما أولت اهتماما أكبر للقضايا الاقتصادية والسياسية. علاوة على ذلك، تعمل التفاوتات بين الجنسين في الحصول على التعليم، لا سيما في أجزاء معينة من المنطقة، على مفاقمة هذا النقص في الوعي. فعندما تُحرم الفتيات والنساء من التعليم، فإن قدرتهن على فهم القضايا البيئية والمشاركة في حلول التنمية المستدامة تكون محدودة بشكل كبير.

فرص النهوض بالتعليم الأخضر

على الرغم من هذه التحديات، يرى الباحثون أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتع بالعديد من الفرص للنهوض بالتعليم الأخضر. ومن المفارقات أن بعض المشكلات البيئية الحارقة التي تواجهها المنطقة مثل ندرة المياه والتصحر وارتفاع منسوب مياه البحر، أصبحت تولّد وعيا متزايدا وحاجة ملحة لاتخاذ إجراءات. وفي نفس الوقت، تُوفّر هذه التحديات أرضية خصبة لتعليم عملي ذي صلة بالواقع، يُمكّن الطلاب من التفاعل مع قضايا حقيقية وذات مغزى تؤثر بشكل مباشر على مجتمعاتهم. ويدفع هذا الوعي الحكومات والجمهور إلى إعطاء الأولوية للاستدامة، مما يُمهد الطريق لدمج التعليم البيئي في المناهج المدرسية والسياسات الوطنية.

علاوة على ذلك، يساهم التركيز على “الاقتصادات الخضراء” في خلق فرص عمل جديدة، مما يجعل التعليم الأخضر ليس ذا صلة بيئية فحسب، بل جذابا اقتصاديا أيضا.

كما يمكن للشراكات بين دول المنطقة والمؤسسات التعليمية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية تجميع الموارد وتبادل أفضل الممارسات وتطوير الخبرات الجماعية. وتلعب المنظمات غير الحكومية على وجه الخصوص، دورا حاسما من خلال المساهمة بخبراتها الفنية وقدراتها التمويلية في حملات التوعية والمشاريع التعليمية. كما يمكن للتعاون مع المنظمات الدولية، مثل منظمة العمل الدولية، أن يؤدي إلى إنشاء شهادات ومؤهلات “خضراء” معترف بها، مما يضمن استيفاء البرامج التعليمية في المنطقة للمعايير العالمية.

وأخيرا، توفر التطورات التكنولوجية أدوات مبتكرة لإحداث نقلة نوعية في تعليم الاستدامة، حيث يمكن للواقع الافتراضي والمحاكاة التفاعلية أن توفر للمتعلمين سيناريوهات بيئية واقعية، مما يتيح لهم فهم الأنظمة المعقدة ومعرفة عواقب قراراتهم. كما تتيح المنصات الإلكترونية والتطبيقات والموارد الرقمية الوصول إلى المعلومات بمرونة وسهولة، بما يتماشى مع تفضيلات الجيل الرقمي المبتكر.

أفضل الممارسات: دمج المناهج ودعم السياسات

بحسب المؤلفين، فإن ازدهار التعليم الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتطلب تبني الممارسات الفضلى، بدءا من دمج المناهج الدراسية بشكل مدروس ودعم قوي للسياسات. ولا يقتصر دمج المناهج الدراسية على إضافة مقرر بيئي فحسب، بل يشمل أيضا دمج مبادئ الاستدامة في مختلف المواد الدراسية، وتخطيط المنهج الدراسي لمعالجة التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة.

وقد أدمجت قطر، على سبيل المثال، التعليم من أجل التنمية المستدامة في إطارها الوطني ضمن “رؤية قطر الوطنية 2030″، ويتعاون مركز التنمية المستدامة بجامعة قطر مع المدارس لتضمين مواضيع مثل ترشيد استهلاك المياه والطاقة في المواد التعليمية. وفي الوقت نفسه، يُعد تدريب المعلمين عنصر أساسي لتطوير التعليم الأخضر في المنطقة. ويعد برامج “المدارس البيئية” في الإمارات العربية المتحدة أحد البرامج النموذجية التي توفر للمعلمين المعرفة والموارد اللازمة لتعزيز السلوكيات المسؤولة بيئيا.

لكن المؤلفون لفتوا الانتباه إلى أنه لا يمكن لدمج المناهج الدراسية أن يكون فعالا دون دعم حكومي يوفر التمويل ويضع سياسات واضحة ويدمج الاستدامة في استراتيجيات تعليم وطنية تتضمن بيئة سياسية تشجع على “تخضير” المدارس. وقد أطلق لبنان على سبيل المثال، “الاستراتيجية الوطنية للتعليم من أجل التنمية المستدامة” في عام 2016، تهدف إلى تعزيز ثقافة الاستدامة والمواطنة بين الطلاب والمعلمين. وتعالج هذه الاستراتيجية الشاملة جوانب رئيسية مثل تطوير المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين وحوكمة المدارس والمشاركة المجتمعية. ويضمن هذا الدعم السياسي ألا يكون التعليم الأخضر مبادرة قصيرة الأجل، بل أولوية طويلة الأجل.

أفضل الممارسات: التعاون الدولي والتمويل

تعتمد فعالية التعليم الأخضر أيضا على إرساء منظومة دعم قوية تشمل التعاون الاستراتيجي وتخصيص الموارد الكافية والمشاركة الفعالة على الصعيد الدولي. ويوفر التعاون مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية مثل اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة واليونيسيف، إمكانية الحصول على الخبرات والتمويل الإضافي. وقد لعب مكتب اليونسكو في عمّان على سبيل المثال، دورا رائدا في رفع مستوى الوعي البيئي في الأردن، بينما مكّن تعاون تونس مع الاتحاد الأوروبي من تنفيذ العديد من مشاريع الاستدامة.

كما يعدّ الانخراط الفعال في المبادرات والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية باريس ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء التي أُطلقت عام 2021، والتي تهدف إلى زراعة مليارات الأشجار وتقليل انبعاثات الكربون، أمرا أساسيا لتطوير التعليم الأخضر في المنطقة.

وقد أطلقت بالفعل دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مشاريعَ واسعة النطاق لإعادة التحريج، ودمجت هذه الجهود في البرامج التعليمية التي يشارك فيها الطلاب بنشاط في حملات التشجير، مما يحفز لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه القضايا البيئية، يُعزز امكانات دول المنطقة في بناء مجتمع أكثر استدامة ووعيا بيئيا.

يرى مؤلفو الدراسة أن تحويل المشهد التعليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال دمج التعليم الأخضر يعدّ مهمة معقدة ولكنها قابلة للتحقيق. ويمكن للمنطقة أن تسجل انطلاقة حقيقية من خلال التغلب على مختلف التحديات من أنظمة التعليم المركزية إلى التمويل الهش والاستفادة من الفرص الناشئة، مع دمج القضايا البيئية في المناهج الدراسية،  مما يمكن من تعزيز التعليم الأخضر ويساهم في إنشاء جيل مسؤول وقادر على بناء مستقبل مستدام للجميع.

.

المراجع

.

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x