أكسيد الجرافين يمتص النفايات المشعة
الكاتب : المحرر
د. أحمد بن حامد الغامدي
جامعة الملك سعود – الرياض- المملكة العربية السعودية
11:39 صباحًا
12, أبريل 2025
.
قبل قرنين من الزمن وبالتحديد في عام 1825م أُفتتح في شمال شرق إنجلترا أول سكة حديد عامة في العالم تستخدم القطارات البخارية (steam locomotive) التي اخترعها المهندس البريطاني الشهير جورج ستيفنسون. وبالرغم من أن تلك القطارات البدائية كانت بطيئة الحركة جدا إلا أنه انتشر بين عامة الناس في بريطانيا في ذلك الزمن أن الأشخاص الذين يركبون القطار سوف يصابون بمشاكل صحية خطيرة لأن الإنسان لا يتحمل سرعة تزيد عن 15 كيلومترا في الساعة حيث إن الهواء السريع الذي يتعرض له الشخص في القطار قد يتسبب في ضيق التنفس والاختناق !!. وبعد ذلك بحوالي عشر سنوات عندما دخلت القطارات البخارية إلى ألمانيا سوف يثار قلق مشابه حيث حذرت هيئة كبار الأطباء في مدينة ميونخ من تأثير سرعة القطار الضارة في قوة الإبصار.
بل وصل الأمر أنه في عام 1870م كتب طبيب بريطاني في مجلة نيو إنجلاند الطبيبة مقالا علميا يحذر فيه من أن الاهتزازات التي يتعرض لها الركاب في القطار قد تتسبب في تأخر الدورة الشهرية للنساء ومن المرجح كذلك أنها قد تسبب انثناء للرحم أو حتى خلعه !!. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد نشر طبيب آخر في عام 1886م بحثا طبيبا في المجلة الطبية البريطانية وهي مجلة رصينة وعريقة، يحذر من خطورة المشاكل والمضاعفات الطبية الخطيرة للمرآة من ركوبها للدرجة الهوائية.
والمقصود من هذه المقدمة المطولة نسبيا تأكيد قاعدة أن (الإنسان عدو ما جهل) فالأمور والأفكار وبالذات المخترعات الجديدة تكون مجهولة لعامة البشر لذا التصرف المتوقع هو الخوف والحذر منها وتخيل تصورات مغلوطة عنها. خذ على ذلك مثال إضافي ففي بدايات التجارب التقنية لإطلاق الصواريخ فقد حذر في عام 1936م طبيب بريطاني من أن التسارع الكبير الذي تسببه الصواريخ قد يتسبب في تلف الدماغ وبالتالي لا يمكن للإنسان الصعود للفضاء. ولهذا في مثل هذا اليوم (12 من أبريل) من عام 1961م عندما قام أول رائد فضاء في العالم وهو الطيار الروسي الشاب يوري غاغارين بالصعود للفضاء عبر مركبة الفضاء السوفيتية فوستوك 1 كان المجتمع العلمي والطبي ما زال لديه ذلك القلق القديم من اكتشاف المجهول لأول مرة. تجدر الإشارة هنا إلى أنه عندما أرسل الأمريكان والروس من بعدهم كائنات حية إلى الفضاء مثل القرد الأمريكي ألبرت والكلبة الروسية لايكا وغيرها من الحيوانات الأخرى مثل الفئران بل وحتى الذباب وتم رصد سلوك هذه الحيوانات (بعضها كان تحت التخدير). وللأسف لم تكن النتائج مشجعة بل أشارت لوجود خطورة في الصعود للفضاء بدلالة أن الكلبة لايكا توفيت في مركبتها الفضائية. ولهذا كان لدى علماء الفضاء السوفييت قلق مبرر على سلامة رائد الفضاء المغامر يوري غاغارين لدرجة أنهم توقعوا أن لحالة انعدام الجاذبية في المدار الفضائي حول الأرض تأثيرا محتملا على قوة إدراك رائد الفضاء بل البعض اعتقد بأن غاغارين قد يصاب بالجنون. ولهذا نجد أن مركبة الفضاء السوفيتية التي امتطاها غاغارين لم يكن يسمح له بالتحكم بها و (قيادتها) وإنما تم التحكم بها من المحطة الأرضية وكذلك بجهاز كمبيوتر موجود بها.
من هذا وذاك نستشعر الآن ونفهم أن المغامرة التي قام بها الطيار الروسي يوري غاغارين في يوم 12 من أبريل لعام 1961م كانت قفزة كبرى نحو المجهول كما كانت خطوة رائد الفضاء الأمريكي نيل آرمسترونغ على سطح القمر قفزة كبرى للبشرية ومغامرة استكشافية على درجة عالية من الخطورة. ولهذا أصبح الشاب الروسي يوري غاغارين ذو 27 سنة أحد أشهر شخصيات القرن العشرين كما حظي بإعجاب وتقدير وتعاطف الجميع خصوصا بعد مصرعه عام 1968م بعد تحطم الطائرة الحربية التي كان يقودها.
تكريم غاغارين تعزيز للسياحة الفضائية
لعل الصورة اتضحت للقارئ الكريم من بداية المقال إنه في مجال وسائل المواصلات كان للبشر قلق وتصورات خاطئة عن خطورة أي اختراع علمي جديد مثل القطارات والطائرات والصواريخ بل وحتى السيارات فمن العجائب أنه حتى عام 1878م كان يطبق قانونا يلزم سائق السيارة التي تسير بسرعة 10 كيلومتر في الساعة أن يستأجر شخصا يجري أمامه وهو يحمل علما أحمر وينفخ في بوق لتحذير المارة !!. ومن هنا ندرك لماذا الشعوب الغربية في أوروبا وأمريكا أعجبت وتعاطفت مع شخصية رائد الفضاء يوري غاغارين بالرغم من أنه كان يخدم في الدرجة الأولى الدعاية الشيوعية السوفيتية وذلك لأن غاغارين أنجز لأول مرة في تاريخ البشرية مغامرة خطرة عندما وصلت سرعة الصاروخ الذي يقله إلى ثمانية كيلومترات في الثانية الواحدة.
ومن صور التقدير والتوقير لأهمية إنجاز غاغارين أن رائدي الفضاء الأمريكيين نيل آرمسترونغ وباز ألدرين وهما أول من هبط على سطح القمر وعندما شرعا في مغادرة القمر كان من أواخر المهام العلمية التي كلفوا بها أن وضعوا (ميدالية غاغارين) على سطح القمر وهي ميدالية معدنية صغيرة صنعت بشكل خاص لتكريم مستكشف الفضاء الروسي غاغارين. أليس غريبا أن نعلم أن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا عندما أطلقت لأول مرة مركبات (مكوك الفضاء) في عام 1981م اختارت أن يكون يوم الإطلاق في 12 من شهر أبريل وذلك لكي يوافق الاحتفال بمرور عشرين عاما على مغامرة الطيار الروسي غاغارين. ثم بعد ذلك بعشرين سنة أخرى أي في مناسبة مرور 40 عاما على رحلة غاغارين (لغزو الفضاء) اقترح في عام 2001م مجموعة من الأمريكان المهتمين بثقافة (استكشاف الفضاء) أن يُعين الثاني عشر من شهر أبريل من كل عام لكي يصبح مناسبة عامة لفعاليات وأنشطة (ليلة يوري).
وبما أن العديد من المهتمين وعاشق الفضاء وعلوم الفلك في مختلف دول العالم بدءوا يحتفلون سنويا بفعاليات (ليلة يوري Yuri’s Night) في يوم 12 أبريل لهذا سمي هذا اليوم ايضاً باسم (الحفلة العالمية للفضاء). واستمر الأمر كذلك حتى عام 2011م وعند الاحتفال باليوبيل الذهبي لرحلة يوري غاغارين الفضائية وبمرور 50 عاما عليها تم وبشكل رسمي من خلال الجمعية العمومية للأمم المتحدة صدور قرار بجعل يوم 12 أبريل من كل عام (اليوم العالمي للرحلة البشرية إلى الفضاء). وبالجملة الهدف من ذلك الاحتفال الفضائي الدولي هو بث الوعي بمجال استكشاف الفضاء وعلوم الفلك وتشويق الأجيال الجديدة من الشباب لزيادة الوعي الثقافي والمعرفي بمجال الفضاء. وبالرغم من أن رحلة يوري غاغارين للصعود للفضاء كانت في (صباح) يوم 12 أبريل إلا أنه على مستوى العالم أغلب الفعاليات والبرامج المجدولة للمشاركة في حفلة يوري غاغارين تتم في مساء ذلك اليوم لكي يمكن رصد الكواكب والقمر بواسطة التلسكوبات أو السهر على ضوء النجوم.
ومن هذه الأجواء الاحتفالية بعلم الفلك واستكشاف الفضاء ظهرت في العقود الأخيرة أنشطة علمية وتجارة جديدة في مجال (سياحة الفضاء) حيث أصبح العديد والعديد من الناس يرغب في تقليد يوري غاغارين وغيره من رواد الفضاء في الصعود إلى المدارات الفلكية حول الأرض. في الوقت الحالي السياحة الفضائية الحقيقة هي بلا أدنى شك سياحة الأثرياء فإذا كنت تستطيع دفع مبلغ 55 مليون دولار فبإمكانك السفر إلى محطة الفضاء الدولية على ارتفاع 400 كيلومتر عن سطح الأرض وقضاء مدة أسبوعين في رحاب الفضاء. الجدير بالذكر أنه حتى الآن وعبر السنوات الماضي قام حوالي 14 سائحا فضائيا من جنسيات مختلفة برحلات سياحية إلى محطة الفضاء الدولية ولعل أهم ما ينبغي التنويه عنه هو السيدة أنوشة أنصاري الأمريكية الجنسية والإيرانية الأصل والتي أصبحت في عام 2006م أول سيدة مسلمة تصل إلى الفضاء وكذلك هي رابع سائح فضائي يصل إلى محطة الفضاء الدولية.
صحيح أن شركة السياحة الفضائية الأمريكية المسماة (مغامرات الفضاء) أعلنت منذ عام 2007م أنها سوف تبدأ في التجهيز للسياحة الفضائية المميزة التي تتم بالدوران حول القمر بتكلفة 100 مليون دولار للسائح الواحد لكن حتى الآن لم تنجح تلك الشركة السياحية في تحقيق هذا النوع المتقدم جدا والمكلف جدا في سياحة الأثرياء. ولهذا بدأت تلك الشركة وغيرها من الشركات والوكالات السياحة الفضائية في تطوير برامج سياحية أكثر ملاءمة من ناحية التكلفة وهي ما تسمى رحلات الفضاء دون المدارية. وهي رحلات فضائية تصل فيها الصواريخ أو المركبات الطائرة إلى الفضاء الخارجي على ارتفاع حوالي 100 كيلومتر عن سطح الأرض والبقاء في الفضاء لمدة قصيرة في حدود 15 دقيقة لاستمتاع بتجربة فقدان الجاذبية. وحاليا توجد العديد من الشركات الفضائية الأمريكية والبريطانية التي يمتلكها مشاهير رجال الأعمال مثل إيلون ماسك و جيف بيزوس (مالك شركة أمازون) والبريطاني ريتشارد برانسون (مالك شركة طيران فيرجن) وهذه الشركات توفر خدمة تجربة السياحة في الفضاء الخارجي والسباحة الهوائية لمدة ربع ساعة في حالة انعدام الجاذبية نحو مئة ألف دولار.
وللسائح الفضائي العادي الذي لا يستطيع توفير نصف مليون ريال لكي يصعد للفضاء الخارجي لكي يطفو لمدة 15 دقيقة في حالة انعدام الوزن يمكن أن يتم توظيف علم قوانين الحركة في الفيزياء وظاهرة السقوط الحر لتوفير رحلة سياحية فضائية أكثر رخصا. بدل أن يدفع السائح الفضائي مبلغ 100 ألف دولار لتجربة انعدام الجاذبية (ZERO-G) في الفضاء الخارجي لمدة 15 دقيقة يمكن أن يدفع السائح شبه الثري مبلغ في حدود سبعة آلاف دولار لكي يحصل على تجربة انعدام الجاذبية لمدة 30 ثانية وذلك من خلال التحليق داخل طائرة عادية تهوي من ارتفاع عال في مسار منحني بحيث تتكرر هذه العملية حوالي 15مرة في كل رحلة وتحليق بالطائرة.
من هذا وذاك نعلم أن الزمن تغير بشكل كبير فيما يخص (رحلات الفضاء) فبعد أن كانت عملية غزو واكتشاف الفضاء عملية ومغامرة خاصة فقط بالطيارين الشباب من الرجال أصبحت الفرصة متاحة لجميع الفئات من الرجال والنساء والأطفال والعجائز وحتى الأشخاص المعاقين مثل عالم الفيزياء الشهير ستيفين هوكينغ لتجربة (السياحة في الفضاء) في أقل صورها مثل تجربة انعدام الوزن لمدة نصف دقيقة. وبالرغم من وجود شركات عالمية متعددة مثل فيرجن غلاكتيك أو بلو أوريجن متخصصة في رحلات طيران انعدام الجاذبية gravity free flights إلا أنه حتى الآن لا يوجد لهذه الشركات فروع في منطقة الشرق الأوسط. ولكن من حسن الحظ لمن يرغب تجربة سياحة الفضاء والطفو في حالة انعدام الجاذبية يتم من فترة وأخرى الإعلان أن بعض شركات سياحة الفضاء تنظم لفترات قصيرة رحلات طيران انعدام الوزن تنفذ فوق سماء دبي أو قطر أو البحرين.
في الواقع حتى الآن لم تشهد أجواء مدينة الرياض على حد علمي أي من رحلات طيران انعدام الجاذبية ولكن أتوقع أنه في المدى المنظور والعلم عند الله سوف تشهد سماء العاصمة فعاليات مرتبطة بالسياحة الفضائية. فهل السنة القادمة أو التي بعدها وفي مثل هذا اليوم 12 من أبريل وفي (ليلة غاغارين) هل يمكن أن تعلن هيئة السياحة السعودية أو الهيئة السعودية للفضاء عن تنظيم رحلات مخفضة لطيران انعدام الجاذبية. بالمناسبة، قبل حوالي سنة تم الإعلان في الرياض عن أن الشركة الإسبانية للسياحة الفضائية المسماة (أهلا بالفضاء HALO Space) سوف تستخدم مدينة الرياض كمنصة إطلاق للكبسولات الفضائية الضخمة التي سوف ترتفع بواسطة بالون هائل من غاز الهليون يحلق إلى ارتفاع يقارب 32 كيلومترا فوق سطح الأرض وذلك لمعايشة تجربة صعود الفضاء لمدة ست أو سبع ساعات بعد دفع تذكرة سفر تبلغ حوالي 150 ألف دولار. من المحتمل أن تبدأ هذه الرحلات السياحية الفضائية من مدينة الرياض ومن ثلاثة مواقع أخرى عبر العالم وذلك في عام 2027م وهو نفس التاريخ المتوقع لافتتاح أول فندق في الفضاء المسمى (محطة الرحالة Voyager Station) وهو عبارة عن تجمع من الكبسولات التي تشكل عجلة دائرية قطرها 200 متر وتتيح الإقامة الفندقية لفترات طويلة في الفضاء.
.
تواصل مع الكاتب: ahalgamdy@gmail.com