دراسة الجمل العربي
وحدة الدراسات والبحوث
أحمد عادل السعودي
كاتب علمي
10:24 صباحًا
17, مارس 2025
.
لقد ثبت أن الكائنات الحية نادرًا ما تصل إلى ارتفاعات عالية، وتظل قادرة على الحياة لفترة طويلة في طبقة التروبوسفير وهي الطبقة الأولي من طبقات الجو وأقربها إلى الأرض. وذلك بسبب انخفاض مستويات الرطوبة والمغذيات و وجود مستويات عالية من الأشعة فوق البنفسجية (UV) والتي تحد من انتشار الميكروبات في الارتفاعات المتوسطة إلى العالية في طبقة التروبوسفير.
لكن دراسة حديثة نشرت في سبتمبر من العام الماضي في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم استخدم فيها الباحثون طائرات مراقبة قامت بعشر رحلات على ارتفاع يتراوح بين 1000 متر و3000 متر فوق مستوى سطح البحر في اليابان خلال طبقة التروبوسفير الحرة، وأثبتت عملية الرصد الجوي هذه وجود تنوع هائل من البكتيريا والفطريات الضارة بالبشر، وأيضا البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. وتستطيع هذه الميكروبات أن تنتقل مع مكونات الهباء الجوي لمسافات طويلة تزيد عن 2000 كيلومتر وذلك بفضل الرياح القوية، والهباء الجوي عبارة عن جسيمات دقيقة معلقة في الغلاف الجوي. وتحتوي الكتل الهوائية المنتقلة أيضا على أسمدة ومبيدات حشرية قادمة من المناطق الزراعية.
وهذه الميكروبات المتنوعة الملتصقة بالهباء الجوي ومنها مسببات للأمراض البشرية مصدرها مياه الصرف الصحي أو المبيدات الحشرية أو الأسمدة. حيث أظهرت الدراسة وجود أكثر من 266 نوعًا مختلفًا من الفطريات و305 جنساً بكتيرياً في الرحلات الجوية العشرة للطائرات.
وسيطرت فصائل البكتيريا الشعاعية، والعصيات، والبروتيوباكتريا، والعصوانيات على تركيبة البكتيريا، وبالنسبة للفطريات، سادت الفطريات الزقية على البازيديوميكوتا. ومن بين الأنواع المسببة للأمراض التي تم تحديدها، بكتيريا الإشريكية القولونية والشيغيلا والمكورات العنقودية و المطثية الوشيقية (Clostridium botulinum)، وفطر المبيضة (Candida).
وكانت حوالي 35٪ و39٪ من الأنواع البكتيرية والفطرية المكتشفة لديها القدرة على تشكيل خطر على صحة الإنسان لأن هذه الأنواع قد تعمل كمسببات أمراض انتهازية. ويوجد أيضا نسبة ملحوظة من أنواع الميكروبات المعوية أو الفموية البشرية.
وأيضا تم العثور على بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، مما يشير إلى انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لمسافة بعيدة وقابليتها للبقاء. وهذا الأمر قد يمثل طريقة جديدة لنشر كل من مسببات الأمراض البشرية وجينات المقاومة بين المناطق الجغرافية البعيدة، حيث تصل هذه الميكروبات إلى الأرض مرة أخرى من خلال الترسيب أو عن طريق غسلها بواسطة المطر.
ورغم ذلك فإن هذه الدراسة لا تثبت بالضرورة وجود علاقة سببية بين وجود هذه الميكروبات في الهباء الجوي الحيوي والآثار الصحية، فحتى الآن لا يعرف هل تسبب هذه الميكروبات المنتقلة عبر الهواء الجوي فعلا عدوى لاحقة للبشر، فالبت في هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من الأبحاث. إلا أن هذا لا يمنع من احتمال تأثر الأفراد الذين يعانون من ضعف المناعة من هذه الميكروبات، فالتركيزات المخفضة من الميكروبات الانتهازية قد لا تأثر على الأصحاء ولكنها قد تأثر على الأفراد المعرضين للخطر أو الذين يعانون من ضعف المناعة.
التركيب الكيميائي للهباء الجوي
كشف التركيب الكيميائي للهباء الجوي ن عناصر الصوديوم و الكبريت هما الأكثر بروزا من بين العناصر الأخرى. وكان التركيز المرتفع للكبريت مصحوبا بمستويات متزايدة من الرصاص والزنك والزركونيوم ومجموعة من العناصر السامة الأخرى.
كما رصدت الدراسة وجود علاقة بين الأجناس البكتيرية التي تم جمعها خلال الرحلات الجوية و بين التركيب الكيميائي للهباء الجوي وسجلت بعض مجموعات البكتيريا ارتباطا أعلى من غيرها. وكانت غالبية الأصناف ذات الارتباط الأعلى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بـالبوتاسيوم أولا ثم بـالزنك والحديد والألمنيوم والبورون.
كيف حصل الباحثون على عينات من هذه الميكروبات
تم إجراء عشرة مسوحات جوية بطائرة سيسنا 172 فوق اليابان في فبراير وأبريل 2014. وكانت سرعة الهواء فوق بحر اليابان حوالي 12 مترًا في الثانية أي ما يعادل 43.2 كم في الساعة، وقد استغرق الهواء يومين في المتوسط للسفر من شمال شرق الصين إلى طوكيو في جميع رحلات الطائرات المختلفة.
و تم جمع عينات الهباء الجوي من طبقة التروبوسفير السفلى عندما كانت الطائرة على ارتفاع أكثر من 1000 متر فوق سطح البحر وتصعد إلى حوالي 3000 متر فوق سطح البحر. و تم عمل تحليل لعينات الهباء الجوي، وبعدها تم استخراج الحمض النووي من الميكروبات. وتم تقييم كمية الكتلة الحيوية المجمعة للميكروبات من خلال تحديد كمية الحمض النووي المستخرج.
وكانت العينات التي تم جمعها في فبراير وأبريل مختلفة بشكل كبير. والمثير للدهشة أن 41.9٪ من جميع الأنواع لم يتم اكتشافها إلا في فبراير، بسبب الغلبة الأعلى للفطريات خلال هذه الفترة الزمنية.
ورغم أن هذه الدراسة لم تتعرض للفيروسات، إلا أن دراسة سابقة رصدت وجود الفيروسات وانتقالها لمسافات طويلة عبر الغلاف الجوي، ورصدت أيضًا حدوث ترسيبات محدودة لهذه الفيروسات أثناء هطول الأمطار.
وفي دراسة أخرى ثبت حدوث انتقال الفطريات والبكتيريا المحمولة جوًا لمسافات طويلة مع غبار التربة من إفريقيا إلى منطقة البحر الكاريبي. ويعتبر انتقال الميكروبات في الغلاف الجوي من مصادر قريبة ظاهرة مدروسة جيدًا، ولكن الجديد الذي قدمته هذه الدراسة هو وجودها على ارتفاعات عالية وانتقالها لمسافات طويلة.
.
المصادر
1- https://www.pnas.org/doi/10.1073/pnas.2404191121
2- https://academic.oup.com/ismej/article/12/4/1154/7475436
3- https://link.springer.com/article/10.1023/A:1011868218901
.
تواصل مع الكاتب: alsaudi86@gmail.com
الكلمات المفتاحية