علم التطبيق الطبي وتحسين الرعاية الصحية

>

الفجوة الزمنية بين ما نعرفه (البحث) وما نفعله (الممارسة) كبيرة. إنما جُعلَ العلمُ ليعمل به، فعلم بلا عمل صاحبه كالحمار يحمل أسفارًا، وقد استعاذ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من علمٍ لا ينفع (صحيح مسلم). فالعلم ليعمل به وينتفع به، إلا أنه في الطب يستغرق الأمر وقتًا طويلاً بشكلٍ مُدهشٍ للبحوث الطبية ليتم تطبيقها في الممارسة الطبية المنتظمة. في حين أن الإطار الزمني الدقيق يمكن أن يختلف اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على نوع البحث، وتعقيد التدخل، وسياق التنفيذ، والعديد من العوامل الأخرى، إلا أنه يقدر بالمتوسط ​​بأنه 17 عامًا.

نعم، سبعة عشر عامًا! هذه الفجوة الكبيرة بين الأبحاث العلمية وتطبيقها أدت إلى التركيز على علم التنفيذ أو التطبيق، لا يكفي نشر نتائج دراسة تُثبت فعالية علاجٍ جديد أو تدخلٍ وقائي فعال، بل يجب أن نضمن تبني وتطبيق هذه النتائج في الممارسة اليومية لكي يستفيد منها المرضى بالفعل.

لماذا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً؟

يُطلق على التأخير بين البحث والممارسة اسم “فجوة المعرفة-التنفيذ”. توجد هذه الفجوة لأن تنفيذ الممارسات الجديدة يتطلب أكثر من مجرد الوعي بالأدلة. فهو يتضمن تغيير السلوكيات والأنظمة والثقافات—وكلها تتطلب وقتًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاختبارات الصارمة والتحقق المطلوبين لضمان سلامة وفعالية التدخلات الجديدة يساهمان في التأخير.

يقدم علم التطبيق خارطة طريق لتسريع تبني الممارسات المبنية على الأدلة في الطب

من خلال معالجة التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة، يمكن لأنظمة الرعاية الصحية تقليل الوقت الذي تستغرقه ترجمة الأبحاث إلى ممارسة، مما يؤدي في النهاية إلى تحسين نتائج المرضى. بينما تكون العملية معقدة وتتطلب جهدًا مستمرًا، فإن الفوائد المحتملة—للمرضى ومقدمي الرعاية الصحية على حد سواء—تستحق الاستثمار.

مع استمرار تطور مجال علم التطبيق الطبي، فإنه يحمل وعدًا بتحويل تقديم الرعاية الصحية وضمان حصول المرضى على أفضل رعاية ممكنة بناءً على أحدث الأدلة. رغم أن هذا العلم ما يزال ناشئًا، إلا أنه محط عناية ودعم من قبل كبريات المؤسسات البحثية حتى لا تبقى البحوث حبيسة الورق ولفهم كيفية دمج الممارسات والتدخلات المبنية على الأدلة والنتائج البحثية بشكل فعال في الرعاية الصحية الروتينية.

يسعى هذا العلم للإجابة على أسئلة حرجة مثل

– لماذا تنجح بعض التدخلات في البيئات الواقعية بينما تفشل أخرى؟
– ما هي العوائق التي تمنع تبني العلاجات المثبتة؟
– كيف يمكن تصميم أنظمة الرعاية الصحية لدعم الاستخدام المتسق لأفضل الممارسات؟
– فمدار علم التنفيذ أو علم التطبيق هو سد الفجوة بين ما نعرفه (البحث) وما نفعله (الممارسة)

التحديات في تنفيذ الأبحاث الجديدة في الممارسة الطبية

من السهل إلقاء اللوم على الأطباء أو الباحثين إلا أن الأمر أعقد من ذلك فهناك عوامل كثيرة أهمها:

1- تعقيد أنظمة الرعاية الصحية

أنظمة الرعاية الصحية معقدة بطبيعتها، حيث تشمل العديد من الأطراف المعنية، بما في ذلك الأطباء والإداريين والمرضى وصناع السياسات. يمكن أن يكون تنسيق الجهود لتنفيذ ممارسات جديدة بين هذه المجموعات تحديًا كبيرًا، خاصة عندما تختلف الأولويات والحوافز.

2- مقاومة التغيير

غالبًا ما يطور الأطباء ومقدمو الرعاية الصحية ممارسات على مر السنين. يمكن أن يؤدي تقديم أساليب جديدة إلى تعطيل هذه الروتينات، مما يؤدي إلى مقاومة التغيير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التشكيك في قابلية تطبيق النتائج البحثية على مجموعات مرضية محددة إلى تأخير تبني الأبحاث الجديدة.

3- نقص الموارد

يتطلب تنفيذ الممارسات الجديدة موارد إضافية، مثل التدريب والمعدات أو الموظفين. تعمل العديد من أنظمة الرعاية الصحية بميزانيات محدودة، مما يجعل من الصعب تخصيص الموارد للمبادرات الجديدة.

4- نقص نشر الأبحاث بشكل فعال

غالبًا ما يتم نشر النتائج البحثية في مجلات أكاديمية قد لا تصل إلى الأطباء الممارسين في الخطوط الأمامية. حتى عندما تصل، قد لا يتم تقديم المعلومات بطريقة قابلة للتنفيذ أو سهلة التكامل في الممارسة اليومية.

5- التنوع في مجموعات المرضى، “المرض واحد والمرضى عدة”

غالبًا ما يتم إجراء الدراسات البحثية في بيئات خاضعة للتحكم مع مجموعات مرضية محددة. قد يتردد الأطباء في تبني ممارسات جديدة إذا لم يكونوا متأكدين من أن النتائج تنطبق على مجموعات المرضى المتنوعة لديهم.

6- العوائق التنظيمية والسياسية: الطب يخضع للبيروقراطية

المتطلبات التنظيمية والسياسات المؤسسية تبطئ من تبني الممارسات الجديدة. على سبيل المثال، قد تكون هناك حاجة لتغييرات في الإرشادات السريرية أو سياسات التسعير قبل أن يمكن تنفيذ العلاجات الجديدة على نطاق واسع.

فرص تسريع التنفيذ وسد الفجوة

1- استراتيجيات تنفيذ مخصصة

يؤكد علم التنفيذ على أهمية تخصيص الاستراتيجيات لتناسب السياق المحدد لإعدادات الرعاية الصحية. قد يشمل ذلك إشراك قادة محليين، أو تقديم تدريب مخصص، أو تكييف التدخلات لتناسب احتياجات مجموعة مرضية معينة.

2- الاستفادة من التكنولوجيا

يمكن أن تسهل الأدوات الرقمية، مثل السجلات الصحية الإلكترونية (EHRs) وأنظمة دعم القرار السريري، تبني الممارسات الجديدة من خلال دمج الإرشادات المبنية على الأدلة في سير العمل الروتيني.

3- شبكات التعاون البحثية

يمكن لبناء شبكات من الأطباء والباحثين وصناع السياسات أن يساعد في سد الفجوة بين البحث والممارسة. يمكن لهذه الشبكات تسهيل مشاركة أفضل الممارسات وتقديم الدعم لجهود التنفيذ.

4- تحسين الجودة المستمر

يمكن لتبني ثقافة تحسين الجودة المستمر أن يساعد المنظمات الصحية في تحديد العوائق التي تحول دون التنفيذ وتحسين عملياتها بشكل تكراري.

5- إشراك المرضى

يمكن أن يؤدي إشراك المرضى في عملية التنفيذ إلى تحسين قابلية قبول وفعالية الممارسات الجديدة. يمكن للمرضى تقديم رؤى قيمة حول كيفية تصميم التدخلات لتلبية احتياجاتهم.

.

المراجع

1- صحيح مسلم الرقم : 2722 | أخرجه النسائي (5458) واللفظ له، والترمذي (3572)، وأحمد (19308) بنحوه.

2- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/37018006/

3- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/31036287/

4- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC3241518/

5- https://implementationscience.biomedcentral.com/articles/10.1186/s13012-015-0209-1

6- Samanta D, Landes SJ. Implementation Science to Improve Quality of Neurological Care.

.

تواصل مع الكاتب: ahmed.mansour.f@gmail.com