.
Epulopiscium fishelsoni هي بكتيريا عملاقة (بالمقارنة مع الأنواع الأخرى) تعيش تكافليًا في أمعاء الأسماك البحرية الاستوائية. وعلى عكس معظم البكتيريا التي تتكاثر بالانشطار الثنائي، تتبع هذه البكتيريا نمط تكاثر فريد يُعرف باسم إنتاج النسل داخل الخلية بطريقة تشبه الولادة الحية. تتيح هذه الاستراتيجية للبكتيريا إنتاج عدة خلايا داخلها، تنضج قبل أن يتم إطلاقها عند تحلل الخلية الأم. ويستعرض هذا المقال آلية التكاثر لدى بكتيريا E. fishelsoni، وفوائدها التطورية، ودورها في البيئة الميكروبية.
تتكاثر معظم البكتيريا من خلال الانشطار الثنائي، وهي طريقة سريعة وفعالة تضمن نموًا سكانيًا سريعًا. ومع ذلك، طورت بعض البكتيريا استراتيجيات تكاثر فريدة للتكيف مع بيئات معينة. ومن بين هذه البكتيريا، E. fishelsoni، وهي ميكروب تكافلي يعيش في أمعاء بعض الأسماك الاستوائية، وخصوصًا أسماك الجراح . ما يميز هذه البكتيريا هو حجمها الكبير جدًا “حيث يصل طولها إلى 600 ميكرون”، هذا الحجم الكبير يفرض تحديات أمام آلية الانشطار الثنائي التقليدية، مما أدى إلى تطور نمط تكاثر غير معتاد ولم يكن معروفا في البكتيريا.
شكل (1): مقارنة بين حجم البكتيريا العملاقة وبكتيريا الاشريشية القولونية والبراميسيوم
إنتاج النسل داخل الخلية
على عكس الانشطار الثنائي، حيث تنقسم الخلية البكتيرية إلى خليتين متماثلتين، تتكاثر E. fishelsoni عن طريق إنتاج نسلها داخل الخلية الأم. تتضمن هذه العملية عدة مراحل رئيسية:
– البدء: تبدأ الخلية الأم بتكوين عدة خلايا ابنة داخل سيتوبلازم الخاص بها.
– النضوج: تنمو هذه الخلايا الابنة وتستهلك موارد الخلية الأم، مما يؤدي إلى زيادة حجمها.
– التحلل وإطلاق النسل: عندما تنضج الخلايا الابنة بالكامل، تتحلل الخلية الأم، مما يسمح بإطلاق الخلايا الجديدة إلى أمعاء العائل.
تشبه هذه العملية التكاثر الولودي في الكائنات الحية الأعلى، حيث ينمو الجنين داخل جسم الأم قبل الولادة. وتختلف هذه الاستراتيجية عن عملية تكوين الأبواغ، وهي شكل آخر من أشكال التكاثر البكتيري حيث يتم إنتاج أبواغ خاملة بدلاً من خلايا نشطة.
شكل (2): التكاثر في بكتيريا E. fishelsoni
التركيب الجيني والبنيوي
ترتبط قدرة هذه البكتيريا على إنتاج نسلها داخليًا بكونها بكتيريا متعددة الصيغ الصبغية بشكل غير عادي. ففي حين تمتلك معظم البكتيريا كروموسومًا واحدًا، تحتوي هذه البكتيريا على آلاف النسخ من جينومها موزعة في جميع أنحاء سيتوبلازم الخاص بها. تمنحها هذه الخاصية القدرة على دعم حجمها الكبير وإنتاج نسلها بكفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك هذه البكتيريا تراكيب بنيوية مثل الهيكل الخلوي الموسع والحجرات الغشائية المتخصصة، مما يساعدها في الحفاظ على سلامتها الخلوية أثناء عملية التكاثر. تميز هذه الخصائص E. fishelsoni عن بقية البكتيريا وتجعلها واحدة من أكثر الكائنات بدائية النواة تعقيدًا.
العلاقة التكافلية ونمط التكاثر
ربما يعود نمط التكاثر الفريد لـهذه البكتيريا إلى البيئة المستقرة والغنية بالمغذيات داخل أمعاء العائل، حيث قد لا يكون التكاثر السريع والانقسام التقليدي ضروريًا. فمن خلال إنتاج نسل متطور داخليًا، تضمن هذه البكتيريا إبقاء ذريتها في بيئة أمعاء العائل المتغيرة. علاوة على ذلك، فإن تعدد الصيغ الصبغية (الكروموزومات) وحجمها الكبير يتيح لها تكرار جينومها عدة مرات لتنفيذ وظائف خلوية متخصصة، وهي سمة تُرى عادةً في الكائنات متعددة الخلايا وليس البكتيريا. وهذا يثير شهية الباحثين عن حلقات اتصال مفقودة من نظرية التطور المزعومة.
تلعب هذه البكتيريا دورًا أساسيًا في عمليات الهضم داخل أمعاء الأسماك العائلة. فهي تساعد في تكسير المركبات الغذائية، وخاصة السليلوز والكربوهيدرات المعقدة الموجودة في الطحالب، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من النظام الغذائي لأسماك الجراح. ويحقق هذا التفاعل التكافلي فوائد متبادلة؛ حيث تستفيد الأسماك من تعزيز عملية الهضم، بينما تستفيد E. fishelsoni من البيئة الغنية بالمغذيات داخل أمعاء العائل.
يضمن نمط التكاثر الفريد لهذه البكتيريا بقاء الخلايا الابنة داخل أمعاء العائل، مما يمنع فقدانها للبيئة الخارجية. يساعد هذا التكيف في الحفاظ على استقرار تعدادها البكتيري، وهو أمر ضروري لكفاءة الجهاز الهضمي للعائل.
الخاتمة
تظهر استراتيجية التكاثر لدى E. fishelsoni اختلافا ملحوظًا عن الآليات التقليدية لانقسام البكتيريا. ومن خلال إنتاج نسل داخل الخلية، تضمن هذه البكتيريا استمرارها وتكاثرها بكفاءة في بيئتها المعوية. توفر خصائصها، مثل تعدد الصيغ الصبغية وحجمها الكبير، رؤى جديدة حول العلاقات التكافلية الميكروبية. قد تكشف الأبحاث المستقبلية عن مزيد من الكائنات التي تتبع أنماط تكاثر مماثلة، مما يسهم في فهم التنوع البيولوجي للبكتيريا.
المراجع
1- Angert, E. R., & Clements, K. D. (2004). The physiology and symbiotic role of an unusually large bacterium.
2- Angert, E. R., et al. (1993). The largest bacterium. Nature, 362(6417), 239-241.
3- Bright, M., & Bulgheresi, S. (2010). Symbiosis in the deep sea: A close look at bacteria-host interactions.
تواصل مع الكاتب: elmanama_144@yahoo.com
اقرأ أيضاً
الشعر الجليدي والفطريات