تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديا كبيرا في مجال الصحة العامة يتعلق بارتفاع معدلات السلوك الخامل وضعف النشاط البدني، تفوق مستوى المتوسط العالمي. وتساهم هذه العوامل بشكل كبير في العبء المتزايد للأمراض المزمنة، بنسبة تبلغ 79% من الوفيات في المنطقة في عام 2020، مقابل 70% من الوفيات في جميع أنحاء العالم في عام 2019. وفي مواجهة هذه التحديات المثيرة للقلق، تبرز تقنيات الهاتف المحمول، مع انتشارها المتزايد في العالم، كحل واعد لتعزيز النشاط البدني والحد من السلوك المستقر. ولكن لا يُعرف سوى القليل عن فعاليتها ووجهات نظر المستخدمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد تناولت مراجعة منهجية حديثة، نُشرت في دورية (Journal of Medical Internet Research) العلمية، مدى فعالية استخدام الهواتف المحمولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتعزيز النشاط البدني والحد من السلوك المستقر ، مما يوفر رؤية قيمة حول مدى فاعلية استخدام هذه التقنيات لتحسين الصحة العامة وكذلك حول التحديات المرتبطة بها.
انتشار الخمول البدني في المنطقة
أظهرت دراسات سابقة أن 32.8% من البالغين و85% من المراهقين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يصنفون من غير النشطين، وهذه النسب تعتبر أعلى من المتوسط العالمي الذي لا يتجاوز نسب 28٪ للبالغين و81٪ للمراهقين. ويعتقد الكثير من الباحثين أن العوامل البيئية والبنية التحتية، مثل الظروف الجوية القاسية وندرة المرافق الرياضية، هي من بين أهم الأسباب التي تساهم في ارتفاع معدلات الخمول البدني.
انتشار قلة النشاط البدني بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عامًا عام 2016 (ذا لانسيت)
من ناحية أخرى، تفيد توصيات صادرة عن منظمة الصحة العالمية أنه يجب على كل شخص يتراوح عمره بين 18 و64 عاما ممارسة ما بين 150 و300 دقيقة من التمارين البدنية المعتدلة (أو ما بين 75 و150 دقيقة من التمارين المكثفة) أسبوعيًا. كما يجب على الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر أن يكملوا هذا النشاط بتمارين مصممة لتحسين نوعية حياتهم ويساعد في الوقاية من الأمراض غير المعدية وإدارتها، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري.
ونظرا للرقمنة المتزايدة في الرعاية الصحية وانتشار الهواتف الذكية، فقد أثبت الدراسات فعالية تدخلات “الصحة المحمولة” (mHealth) في تقليل الخمول وقلة النشاط البدني لدى الأطفال والمراهقين، وكذلك لدى البالغين.
في دراسة المراجعة الجديدة قام فريق دولي من الباحثين يضم باحثين سعوديين، بتحليل 27 مقالا تضمنت 22 دراسة ميدانية حول استخدام تطبيقات الهاتف الجوال لتحفيز النشاط البدني، وشملت ما مجموعه 6141 مشاركا، 46% منهم من النساء. استخدم نصف هذه الدراسات تطبيقات الهاتف المحمول لتحفيز المشاركين على النشاط البدني، فيما اعتمد النصف الآخر على الرسائل النصية القصيرة. وتضمنت الميزات الرئيسية للتطبيقات تحديد الأهداف والتتبع الذاتي للنشاط، في الوقت الذي استُخدمت فيه الرسائل النصية القصيرة في المقام الأول لتقديم المحتوى التعليمي.
تأثيرات إيجابية لتطبيقات المحمول على النشاط البدني
لاحظ المؤلفون أن الأبحاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول استخدام التدخلات المتنقلة للنشاط البدني والسلوكيات المستقرة لا تزال في مراحلها المبكرة، نظرًا لهيمنة الدراسات الصغيرة وغير المتجانسة وقلة التجارب العشوائية المضبوطة.
مع ذلك تكشف نتائج التحليل عن تأثير إيجابي لاستخدام الهواتف المحمولة على زيادة النشاط البدني، حيث أفادت دراستان بنتائج إيجابية للتدخلات من خلال قياس السلوكيات المستقرة. وكشفت الدراسات غير التجريبية أن المستخدمين استعملوا بشكل أساسي تطبيقات الهاتف المحمول وأجهزة تتبع اللياقة البدنية لمراقبة نشاطهم البدني بأنفسهم مما كان له أثر إيجابي على تطور هذا النشاط.
واستكشفت الدراسة أيضا وجهات نظر المستخدم بشأن هذه التدخلات، حيث أفاد المشاركون في الدراسات التجريبية بالعديد من الفوائد، مثل اكتساب المعرفة وتلقي التنبيهات الخاصة بمواعيد الأنشطة البدنية. غير أن مشاركة المستخدم في التدخلات لم يتم توثيقها بشكل جيد، سوى في 8 دراسات من بين 27 دراسة شملتها المراجعة. وقد قامت هذه الدراسات بفحص الملاءمة الثقافية للتدخلات أو مدى قبولها من المستخدمين، كما فحصت الدراسات غير التجريبية وجهات نظر المستخدمين حول تطبيقات الهاتف المحمول وأجهزة تتبع اللياقة البدنية، وحددت العديد من العوائق التي تحول دون استخدامها، مثل عدم إدراك فائدتها وفقدان الاهتمام والمشاكل التقنية لاستخدام تقنيات الهاتف المحمول في تحفيز النشاط البدني.
أظهرت الدراسة أن تقنيات الهاتف المحمول يمكن أن تكون حلا واعدا لتعزيز النشاط البدني والحد من السلوكيات الخاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن يجب تصميم التدخلات المتنقلة مع الأخذ في الاعتبار احتياجات المستخدمين وتفضيلاتهم فضلا عن السياقات الثقافية والإقليمية المحددة، مع تجنب العوائق التي تحول دون اعتماد هذه التقنيات.
ولاحظ المؤلفون أن تنوع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث مستويات الدخل والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ومعدلات انتشار الهاتف المحمول يضيف طبقة أخرى من التعقيد. ومن الممكن أن تؤدي الفوارق الاجتماعية والاقتصادية إلى عدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا ومستويات متفاوتة من المهارات الرقمية، مما يخلق “فجوة رقمية”. ولذلك فمن الضروري فهم النطاق الجغرافي لأبحاث الصحة المحمولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لضمان إمكانية تطبيق النتائج في جميع أنحاء المنطقة وتحديد العلامات المحتملة للفجوة الرقمية.
وشدد المؤلفون على أنه ينبغي لواضعي السياسات والباحثين الاستثمار في دراسات عالية الجودة لتقييم فعالية هذه التدخلات ونتائج تنفيذها على المدى الطويل لدى سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
المصدر:
– The Use of Mobile Technologies to Promote Physical Activity and Reduce Sedentary Behaviors in the Middle East and North Africa Region: Systematic Review and Meta-Analysis
– Global trends in insufficient physical activity among adolescents: a pooled analysis of 298 population-based surveys with 1·6 million participants
– www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/physical-activity
– mHealth Interventions to Reduce Physical Inactivity and Sedentary Behavior in Children and Adolescents: Systematic Review and Meta-analysis of Randomized Controlled Trials
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
نُشر حديثاً للكاتب
الطباعة الصيدلانية ثلاثية الأبعاد
الحلول القائمة على الطبيعة لمكافحة تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
هل يعالج اللبان مرض الباركنسون؟