.
يعتبر الشعر الجليدي Hair ice من الظواهر الطبيعية المثيرة التي تثير فضول العلماء وعشاق الطبيعة على حد سواء. فهي ليست شائعة جدا وتشكلها يتطلب ظروفا خاصة قد لا تتوفر في كل الأماكن بالإضافة إلى اكتشاف ان هناك فطرا يساهم في تشكل هذه الظاهرة الجميلة. سنعرض في هذا المقال مفهوم الشعر الجليدي، خصائصهُ ومن ثم علاقته بالفطريات.
الشعر الجليدي والفطريات
الثلج المشعر أو صوف الجليد هو أحد أنواع الثلج المثيرة يأخذ شكل الشعيرات الدقيقة (بقطر يقارب 0.02 مم، وطول يصل إلى 20 سم). يمكن ملاحظته في الغابات، على الخشب الميت، عادة على الأرض وأحيانًا على الأشجار التي لا تزال قائمة (الشكل 1). هذا النوع من الثلج ينمو على سطح الخشب غير المتجمد لبعض الأغصان الرطبة والمتعفنة من الأشجار عريضة الأوراق. و يؤثر عليها بشكل رئيسي وجود أنواع معينة من الفطريات، لا سيما Exidiopsis effusa تحت ظروف من الرطوبة العالية ودرجات حرارة تحت الصفر قليلاً. وتكشف التفاعلات بين الفطر وعملية تشكيل الثلج عن تفاعلات بيولوجية وكيميائية هامة.
الشكل (١) : الشعر الجليدي، على اليمين على ساق نبات ميت لكنه ما زال قائما، بينما الصورة على اليسار بشكل افقي
حقوق الصور تعود لـ Prof. Till Bavhmann
التركيب الكيميائي
يحتوي الثلج المشعر على مركبات عضوية معقدة، مشتقة أساسًا من اللجنين المتحلل الذي يعمل كعامل مساعد للتجميد. تكشف التحليلات الكيميائية أن الثلج المشعر له تركيب مشابه للمادة العضوية الذائبة، مما يشير إلى تفاعل غني بين الثلج والفطريات المصاحبة له.
العلاقة بين الشعر الجليدي والفطريات
رغم أن الشعر الجليدي والفطريات لا يتشابهان في تكوينهما أو في طريقة نموهما، إلا أن هناك بعض الدراسات التي أظهرت كيف يمكن أن تتداخل هاتان الظاهرتان في بعض البيئات في الغابات الباردة والمناطق الرطبة. الفطريات من الممكن أن تنمو على الخشب أو الأنسجة النباتية الميتة. وفي بعض الأحيان، يمكن أن يتسبب النشاط الفطري في خلق بيئة رطبة وباردة، مما يسهل تكوّن الشعر الجليدي على الأسطح المحيطة.
بعض الأبحاث تشير إلى أن نمو الشعر الجليدي قد يكون مرتبطاً بوجود الفطريات التي تسهم في خلق الظروف المناسبة لنمو الجليد. الفطريات قد تساعد في توفير الأسطح التي يلتصق بها بخار الماء المتكثف، مما يسمح بتكوين الخيوط الجليدية. في هذه الحالة، يمكن أن تكون الفطريات بمثابة “موصلات” لهذا التكاثف الجليدي.
خصائص الثلج المشعر
غالبا ما يكون الثلج المشعر والشعيرات الدقيقة التي تشكله لامع كالحرير. توجد هذه الشعيرات في مجموعات على شكل هياكل جميلة مثل التجاعيد والموجات، وأحيانًا مع تقسيم واضح، ولكن بدون تفرعات. على الرغم من أن الشعيرات الفردية غالبًا ما تكون منفصلة، إلا أنها تتبع ترتيبًا مكروسكوبيًا، وغالبًا ما يكون بتناسق مفاجئ. القاعدة الأساسية للشعيرات متجذرة في أماكن خالية من اللحاء أو حيث يكون اللحاء مفككًا، ولكنها لا تنمو أبدًا على اللحاء. الطرف الخارجي يكون إما حر أو على اتصال مع قشرة جليدية أو مع مادة محيطة مثل اللحاء أو الأوراق. يمكن للأشرطة الموازية من الشعيرات أن تندمج على طول الخطوط المتلامسة دون فقدان الشكل الأصلي حتى بدء الذوبان. ومع ذلك، في الهواء البارد والجاف، يتبخر الثلج المشعر خلال وقت قصير. لذلك، يمكن ملاحظته فقط في ظروف هادئة ورطبة، ودرجات حرارة الهواء التي تكون أقل قليلاً من درجة صفر مئوية.
يمكن للشعيرات الدقيقة الحفاظ على شكلها لفترة طويلة – العديد من الساعات أو حتى الأيام. وهذا أمر مفاجئ لأن التبلور الجديد للبلورات الجليدية الصغيرة إلى بلورات أكبر هو عملية سريعة، خاصة في درجات الحرارة القريبة من نقطة الانصهار. الاستقرار الملحوظ هو مؤشر على أن الثلج المشعر يحتوي على مثبط لتبلور الجليد. من الأمثلة على ذلك البروتينات المضادة للتجمد التي تُسمى أيضًا البروتينات المرتبطة بالجليد.
عندما تتجاوز درجة حرارة الهواء صفر درجة مئوية، يبدأ الثلج المشعر في الذوبان. تتحول الشعيرات المثبتة في كلا الطرفين إلى نوع من الخيوط الدقيقة، مغطاة بقطرات مائية صغيرة قبل أن تتدهور. تم ملاحظة أن الشعيرات ذات الأطراف الحرة تنهار في الطول. ولوحظ الثلج المشعر، بشكل رئيسي في خطوط العرض بين 45 و55 درجة شمالًا من كندا، فرنسا، ألمانيا، الهند، أيرلندا، هولندا، روسيا، اسكتلندا، سلوفينيا، السويد، سويسرا، الولايات المتحدة الأمريكية، وويلز.
الإشارة إلى الأعمال السابقة وفرضية الفطر
على الرغم من أن الأدبيات المتعلقة بالثلج المشعر ليست وفيرة، إلا أنها تمتد إلى ما يقرب من قرن من الزمان. نشر فيغنر (1918) مؤسس نظرية انجراف القارات، ورقة علمية ذكر فيها ملاحظة الثلج المشعر في شتاء 1916/1917 في جبال فوسج، وفي فبراير 1918 في شمال ألمانيا في راينسبرغ في مارك. وتمكن من إعادة نمو الثلج المشعر على الأغصان التي عثر عليها. افترض فيغنر وجود علاقة بين تكوّن الثلج المشعر ووجود الميسيليوم المرئي على سطح الغصن. وأكد مستشاره، آرثر ماير، أن هذه الأغصان كانت تحتوي على ميسيليا فطرية. افترض أن النوع ينتمي إلى Ascomycota؛ ومع ذلك، لم يتمكن من تحديد الأنواع. وصف مولهيسن ولاملي (1975) تكاثر الثلج المشعر على الخشب المتعفن لأشجار عريضة الأوراق في غرفة مناخية وافترضا أن نوعًا من الضغط الأسموزي قد يكون له تأثير. لاحظ لينغنهاجر (1986) الثلج المشعر في المناطق القريبة من بيرن، سويسرا من 1979 إلى 1985. وبالاطلاع على هذه الملاحظات، افترض واغنر (2005). أن النشاط الفطري كان له دور، دون علمه بأعمال فيغنر. اكتشف واغنر أن وجود الميسيليا الفطرية في جسم الخشب للأغصان المنتجة للثلج المشعر يظهر في الرؤية المجهرية الكبيرة. تم ملاحظة الأجسام الثمرية للفطريات كما أظهر واغنر وميتزلر (2009). وقد طوروا طريقة لزراعة الثلج المشعر بشكل متكرر على شرفة مغطاة خلال الليالي التي تكون فيها الظروف متجمدة. تم دعم فرضيتهم الأكثر تحديدًا، وهي أن الأيض الفطري لهذه الفطريات هو شرط أساسي لتكوين الثلج المشعر من خلال اختباراتهم. وكانت هناك فرضية أخرى مفادها أن ضغط الغاز الناتج عن الأيض الفطري يطرد الماء إلى سطح الخشب. علاوة على ذلك، استنتجوا أن الثلج المشعر يتكون من الماء المخزن في الخشب.
المراجع
– Hofmann1, G. Preuss2, and C. Mätzler31IBG-3: Evidence for biological shaping of hair ice Germany
– Hofmann, D., Preuss, G., Fontana, P., and Mätzler, C.: Hair-ice, fungal guttation droplets
تواصل مع الكاتب: elmanama_144@yahoo.com