.
يعتبر نخيل التمر (Phoenix dactylifera L.) أحد أقدم المحاصيل المزروعة في المناطق القاحلة في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويعد هذا النبات المعمر والمتكيف مع البيئات القاحلة، مصدرًا رئيسيًا للغذاء لنسبة هامة من سكان دول المنطقة، حيث تلعب أدوارًا اقتصادية واجتماعية وبيئية مهمة.
تشير المصادر التاريخية إلى أن التمر يعد أحد أقدم محاصيل الفاكهة المعروفة التي زرعها الإنسان القديم في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويُظهر أقدم سجل عثر عليه إلى حد الآن في بلاد ما بين النهرين (العراق) أن زراعة التمر بدأت على الأرجح في وقت مبكر يعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد. ونظرًا للتاريخ الطويل لزراعة التمر وتنوع أصنافه، فإن الأصل الدقيق للتمر بقي غير معروف على وجه الدقة، ولكن العلماء يرجحون أن يكون قد ظهر في المنطقة وتحديدا في جنوب العراق، ثم انتشرت زراعته لاحقا في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. وتثبت الأدلة الأثرية شيوع زراعة نخيل التمر في مصر بحلول منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد. ولعب اتساع مجال تأثير الحضارة العربية الإسلامية دورا رئيسيا في انتشار زراعة نخيل التمور في جنوب آسيا وجنوب اسبانيا بداية من القرن السابع ميلادي. وكان الإسبان أول من نقل زراعة أشجار النخيل خارج شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى القارة الأمريكية..
كان لزراعة نخيل التمور تأثير بالغ الأهمية في تاريخ الشرق الأوسط من خلال توفير الغذاء والمواد الأولية المفيدة لسكان المناطق الصحراوية. وقد مثلت التمور أحد أبرز السلع التي جرى نقلها عبر طرق القوافل لقرون عديدة. لذلك اكتسبت أهمية روحية وثقافية كبيرة لشعوب المنطقة على مر التاريخ. ونقشت رسوم أشجار النخيل على الألواح الآشورية والبابلية القديمة، بما في ذلك قانون حمورابي الشهير، الذي احتوى على قوانين تنظم زراعة التمور وبيعها. كما توجد إشارات تتعلق بأشجار النخيل في الكتابات المصرية والسورية والليبية والفلسطينية القديمة.
زراعة التمور بدأت في وقت مبكر يعود إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين (نيدبيكس)
إنتاج التمور
تظهر الدراسات العلمية أن للتمور قيمة عالية من الناحيتين البيئية والاقتصادية. وقد زاد إنتاج التمور في العالم بشكل ملحوظ من 3.4 مليون طن في عام 1990 إلى 9.6 مليون طن في عام 2021، وهو ما يمثل نموًا بنسبة 181٪. وتصدرت مصر قائمة الدول المنتجة الرائدة في العالم بإنتاج ما يزيد عن 1.7 مليون طن من التمور عام 2021 (18٪ من إجمالي الإنتاج العالمي)، تلتها المملكة العربية السعودية، بأكثر من 1.5 مليون طن، ( 16٪) مع تسجيل زيادات كبيرة في انتاج الدولتين بين عامي 1990 و 2021 بنسبة 222 و 197٪ على التوالي. ويعزى ارتفاع الإنتاج في مصر بشكل أساسي إلى كثافة الأشجار الأعلى بكثير في كل هكتار مقارنة بمتوسط الكثافة في المملكة العربية السعودية. كما ضمت قائمة الدول العشرة الأكثر انتاجا للتمور في العالم كل من إيران والجزائر والعراق وباكستان والسودان وعمان والإمارات العربية المتحدة وتونس، حيث تتقاسم 55٪ من إجمالي إنتاج العالم. وتتقاسم بلدان أخرى مثل ليبيا والمغرب والكويت وتركيا واليمن 5% من إنتاج التمور في العالم، ويتراوح إنتاجها بين 60 ألفًا إلى أكثر من 179 ألف طن في عام 2021.
أهم الدول المنتجة للتمور ونسبتها (%) من إجمالي إنتاج العالم (المصدر)
كما انتقلت زراعة التمور عبر العالم مع تطور الحضارة في مناطق أخرى، مثل الدول الأوروبية والأمريكية وشرق آسيا؛ حيث تستحوذ الصين على 2% من إجمالي إنتاج العالم، بإنتاج يزيد عن 159 ألف طن في عام 2021، بينما تستحوذ الولايات المتحدة على 1%، بإنتاج يزيد عن 53 ألف طن في عام 2021.
الخصائص الغذائية لثمار التمر
بحسب دراسة علمية جديدة تتكون التركيبة الغذائية لثمار التمر بشكل أساسي من الكربوهيدرات والألياف والبروتين مع كميات قليلة من الدهون. كما تحتوي على كميات ممتازة من العناصر الغذائية الدقيقة، بما في ذلك الفيتامينات مثل الثيامين والريبوفلافين وفيتامين ج وفيتامين هـ؛ والمعادن مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم؛ والمواد الكيميائية النباتية المختلفة. يقدم هذا القسم نظرة عامة على الخصائص الغذائية لأصناف التمر المختلفة المزروعة في جميع أنحاء العالم.
الكربوهيدرات: تتكون ثمار التمر بشكل أساسي من الكربوهيدرات، والتي تتراوح من 40 إلى أكثر من 80٪، من الوزن الجاف، بحسب الصنف المزروع. ويتركب كربوهيدرات التمر بشكل أساسي من السكريات المختزلة والسكريات غير المختزلة مع كميات صغيرة من السكريات المتعددة. وتوجد السكريات المختزلة في شكل جلوكوز وفركتوز ومانوز ومالتوز، والسكريات غير المختزلة في شكل سكروز، والسكريات المتعددة في شكل سليلوز ونشا وبيتا جلوكان . تم العثور على أعلى محتوى من الجلوكوز ( 95.4 مجم في كل 100 غرام) في صنف الخلاص المزروع في مزارع الخرج في المملكة العربية السعودية. كما وجد أن أصناف التمور الأخرى، مثل العجوة، تختلف في محتوى الجلوكوز من 35 إلى 54.5٪، والفركتوز من 39 إلى 52.5 ٪ والسكروز من0 إلى 13.4٪
الألياف الغذائية: تعتبر التمور مصدرًا غنيًا بالألياف الغذائية، حيث تتراوح من 2 إلى 8٪؛ وقد وجد أعلى محتوى للألياف بنسبة 8٪ في صنف “دقلة نور”، المزروع في الغالب في الجزائر وتونس. كما يحتوي صنف التمر المغربي المعروف “المجدول” على كمية عالية من الألياف، تصل إلى 6.7٪. وبالمقارنة، وجدت أقل كمية 2.7٪ في صنف اللولو من الإمارات العربية المتحدة. كما تم العثور على كميات متوسطة من الألياف بنسبة 4.35٪ في تمور السكري المزروعة في المملكة العربية السعودية. وتتكون الألياف الغذائية في التمر من كسور ألياف عالية الجودة، مثل بيتا جلوكان، وأرابينوكسيلان، والسليلوز، مما يوفر مصدرًا ممتازًا للألياف الغذائية، أفضل حتى من الحبوب.
الفيتامينات والمعادن: تظهر نتائج عدد من الدراسات العلمية أن التمور مصدر جيد نسبيًا للفيتامينات المختلفة، وخاصة فيتامينات ب المركبة. كما وجدت أن زيت نواة التمر يحتوي أيضًا على كميات عالية من توكوفيرول وهو أحد أشكال فيتامين هـ. وتحتوي بعض أصناف التمر على فيتامين سي بكميات صغيرة نسبيًا ولكنها أعلى من تلك الموجودة في الفواكه المجففة مثل المشمش والتين والزبيب. تم العثور على فيتامين أ في التمور بكميات متوسطة، وعلى فيتامين ك في بعض أصناف التمور. ومع ذلك، يمكن أن يختلف محتوى الفيتامينات في التمور بشكل كبير بين المرحلتين الطازجة والجافة بسبب استنفاد الفيتامينات أثناء التجفيف.
كما توجد بعض المعادن مثل البوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم بكميات عالية نسبيًا في التمور. ويمثل البوتاسيوم العنصر الأكثر وفرة الموجود في التمور، يليه الكالسيوم. وتحتوي بعض أصناف التمور، مثل السكري، على كميات من المعادن أعلى من الفواكه الأخرى، مثل الرمان أو المانجو. وأفادت بعض الدراسات أن بعض التمور تحتوي على كمية من البوتاسيوم أعلى مرتين ونصف من الموز. كما توجد في التمور عناصر أخرى مثل الحديد والفوسفور والصوديوم والنحاس بكميات أقل.
وتحتوي التمور، كذلك، على كميات منخفضة للغاية من الدهون، أقل من 1٪ من إجمالي الثمار، ومن البروتينات التي تتراوح نسبتها من 1.7 إلى 4.7٪، وهي تركيزات أعلى من تلك الموجودة في الفواكه الأخرى.
التأثيرات الوظيفية والدوائية لثمار التمر
أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن التمور تعتبر مصدرًا ممتازًا للمركبات الكيميائية مثل الأحماض الفينولية والعفص والفلافونويد والفيتوستيرول والكاروتينات مما يعزز إمكاناتها الغذائية. وتشمل هذه الإمكانات الأنشطة المضادة للميكروبات والقدرات المضادة للأكسدة ومضادات السرطان.
الأنشطة المضادة للميكروبات: أجريت تجارب مختلفة للتحقق من صحة النشاط المضادة للبكتيريا لأصناف مختلفة من التمور. وأظهرت إحدى الدراسات على سبيل المثال، فعالية مستخلصات الأسيتون والميثانول من تمر العجوة لمقاومة البكتيريا سلبية الجرام وإيجابية الجرام. قاومت المستخلصات من تمر العجوة نشاط بكتيريا العصيات القولونية (Escherichia coli) والبكتيريا الكروية العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus).
التأثيرات المضادة لارتفاع سكر الدم: على الرغم من المحتوى الغني من السكريات في التمور، فقد أفادت بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات بتأثيرات نقص السكر في الدم بعد تناول التمور. وفي دراسة حديثة أجريت على الحيوانات، أظهرت النتائج أن بذور تمر العجوة خففت بشكل كبير من مستويات الجلوكوز في الدم. كما أظهرت دراسة حديثة أخرى أجريت على الأرانب المصابة بمرض السكري أن الإعطاء عن طريق الفم لمستخلص نوى التمر أدى إلى تأثيرات مضادة لمرض السكري بناءً على التحسينات في تحفيز امتصاص الجلوكوز، وتخليق الجليكوجين الخلوي، وحماية خلايا البنكرياس.
تأثيرات مضادة لارتفاع الكوليسترول في الدم: نظرًا لمحتواها الغني من الألياف الغذائية والمواد الكيميائية النباتية النشطة بيولوجيًا، فقد تم الإبلاغ أيضًا عن أن التمور تعزز أنشطة خفض الكوليسترول. وتفيد نتائج إحدى الدراسات أن إعطاء مستخلصات التمر عن طريق الفم لأرانب تعاني من ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم لمدة 10 أسابيع، أدى إلى تحسين عملية التمثيل الغذائي للدهون بناءً على انخفاض مستويات الكوليسترول الكلي والبروتين الدهني منخفض الكثافة والدهون الثلاثية. في المقابل، زاد مستوى البروتين الدهني عالي الكثافة مقارنة بمجموعة التحكم. وفي دراسة أخرى، أدى تناول معلق التمر لمدة 14 يومًا إلى انخفاض مستويات الكوليسترول الكلي والدهون الثلاثية والبروتين الدهني منخفض الكثافة، بينما أظهرت مستويات البروتين الدهني عالي الكثافة زيادة، مما يشير إلى التأثيرات المضادة لارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم للتمر. كما تم الإبلاغ عن أن نوى التمر تمتلك خصائص فعالة في خفض الكوليسترول؛ ففي الفئران المصابة بفرط كوليسترول الدم الناجم عن النظام الغذائي والتي تم إعطاؤها مستخلصات نوى التمر لمدة 21 يومًا، أظهرت النتائج تحسينات كبيرة تعتمد على الجرعة في عملية التمثيل الغذائي للدهون بناءً على مستويات منخفضة من الكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار بالإضافة إلى مؤشر تصلب الشرايين
التأثيرات المضادة للأورام: أثبتت العديد من التجارب العلمية أن لفاكهة التمر إمكانات قوية مضادة للأورام بسبب محتواها الغني من المواد الكيميائية النباتية النشطة بيولوجيًا المختلفة. وتظهر نتائج تجربة علمية أن تناول تمر العجوة أثناء العلاج القياسي لمرضى سرطان الأطفال يعزز التحسن الكبير في نتائج علاج المرضى. وعلى النقيض من ذلك، أظهر المرضى الذين لم يتناولوا تمر العجوة معدل وفيات أعلى، ويرجع ذلك أساسًا إلى تطور المرض المرتبط بالعدوى. ووجدت دراسات أخرى أن المستخلصات الميثانولية من تمر العجوة تقاوم تكاثر الخلايا الهامشية في أورام القولون والثدي والبروستات والرئة والمعدة. كما أن تناول التمور يمكن أن يعزز القولون في جسم الإنسان نتيجة لزيادة نمو البكتيريا المعوية المفيدة مع انخفاض تكاثر الخلايا السرطانية.
رغم هذه الأهمية البالغة التي يتمتع بها نخيل التمر، حيث يمثل مصدرا غنيا بالعناصر الغذائية الأساسية، فإن هناك العديد من التحديات المرتبطة بزراعة نخيل التمر تشمل التلوث المحتمل بالمواد الكيميائية مثل المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة والمواد المضافة والتلوث الميكروبيولوجي من البكتيريا المختلفة.
المصادر:
.
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
آفات تصيب النبات