من المشاكل الكبيرة التي تواجه العلماء في هذا العصر مشكلة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية، وهذه العدوى تزداد مع الوقت ويصاب بها ملايين الأشخاص سنويا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يموت 35000 شخص بسببها كل عام وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. ومما يزيد من هذه المشكلة هو قدرة الجينات المسؤولة عن مقاومة مضادات الميكروبات أن تنتشر من ميكروب إلى ميكروب من خلال مادة وراثية دائرية تسمى البلازميدات. ويحدث هذا الانتقال الجانبي في الأمعاء، حيث تعمل أمعاء البشر والحيوانات الأخرى كخزان قوي للتبادل الجيني الجانبي بين الميكروبات وظهور ميكروبات مقاومة للمضادات الحيوية المتعددة.
وفي دراسة حديثة نشرت الشهر الجاري في مجلة علم الأحياء الدقيقة التطبيقي والبيئي استطاع الباحثون تثبيط انتقال بعض البلازميدات المقاومة لمضادات الميكروبات من ميكروب إلى ميكروب آخر في المختبر من خلال استخدام مكملات الزنك الغذائية، مما يقلل من مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية. وأهم ميزة في ذلك أن مكملات الزنك مصدر متوفر وسهل الاستخدام. والمكملات الغذائية هي منتجات يتم تناولها لأغراض عدة منها التغلب على مشكلة سوء التغذية والمساعدة على فقدان الوزن والتغلب على بعض مشاكل النوم و الجهاز الهضمي، وتشمل الفيتامينات والمعادن الأساسية، ومنها مكمل الزنك الذي تناولته هذه الدراسة وهو مكمل معروف بنشاطه القوي المضاد للميكروبات.
وتقول عالمة الأحياء الدقيقة والمؤلفة الرئيسية لهذه الدراسة دكتورة ميلها ميلاتا أن هذه هي المرة الأولى التي يكتشفون فيها أن الزنك يثبط عملية نقل البلازميد، ومع استخدامه بتركيزات قليلة فإنه تأثيره على البكتيريا نفسها يكون تأثير ضعيف، وهذا أمر مهم لأن قتل بكتيريا الأمعاء قد يعطل الميكروبيوم مما يؤثر بالسلب على الجهاز الهضمي والصحة، وهنا يمنع التركيز القليل من الزنك نقل البلازميد فقط دون قتل البكتيريا نفسها. وفي هذه الدراسة المعملية تم نقل البلازميدات التي تحتوي على جينات مقاومة مضادات الميكروبات في وجود الزنك بمعدلات منخفضة أو معدومة.
كيف قام الباحثون بتثبيط انتقال البلازميد بين الميكروبات في المختبر
في البداية لاحظ الباحثون في مختبر ميلاتا أنه عند إعطاء البروبيوتيك ولقاح السالمونيلا الحي عن طريق الفم للدجاج فإن ذلك يقلل عدد البلازميدات في بكتيريا انتيروباكتيرياسي الموجودة في الأمعاء. هذا الأمر دفعهم إلى التفكير في استخدام علاجات فموية أخرى لمنع نقل البلازميد. خاصة أن دراسات أخرى أظهرت أن مكونات غذائية مثل الأحماض الدهنية متوسطة السلسلة تمنع اقتران البكتيريا ونقل البلازميد في المختبر.
بعد ذلك قام الباحثون في هذه الدراسة باستخدام مكملات الزنك لاختبار قدرتها المحتملة على منع نقل البلازميد بين الميكروبات الموجودة في محاليل في المختبر. واستخدموا بكتيريا الأشريكية القولونية المسببة لأمراض الطيور والمحتوية على بلازميد مقاوم للمضادات الحيوية المتعددة مع عزلة أخرى من بكتيريا الإشريكية القولونية البشرية الخالية من البلازميد. وقاموا في المختبر بإجراء مئات من التفاعلات بين العزلتين من البكتيريا حيث عملت أحدهما كمانح للبلازميد المقاوم للمضادات الحيوية والأخرى كمستقبل للبلازميد.
ثم وجدوا انخفاضًا حادًا في انتقال البلازميد في سلالات البكتيريا التي زودت بمكملات الزنك، مقارنة بالسلالات البكتيرية الخالية من الزنك. كما وجدوا أنه كلما زادت جرعات الزنك المستخدمة كلما قل انتقال البلازميد. ثم استخدموا تفاعل البوليميراز المتسلسل الكمي لمعرفة كيفية تأثير الزنك على عملية الانتقال على مستوى الجينات. ووجدوا أن مكملات الزنك الغذائية تعمل على تثبيط اقتران البلازميد البكتيري في المختبر عن طريق تنظيم عمل جينات تكرار البلازميد وجينات نقله. ووجدوا أن الزنك يثبط بروتينات محددة مهمة لبناء الهياكل البكتيرية المستخدمة في عملية الاقتران، ونتيجة لذلك يتم تثبيط عملية نقل البلازميد.
وإذا كانت هذه الدراسة تمت في بيئة معملية، فإن الباحثين يتطلعون إلى تجريب عملية تثبيط النقل هذه على نماذج حيوانية لمعرفة هل سيكون هناك نتائج تثبيط انتقال في أمعاء الجسم الحي مشابهة لنتائج تثبيط الانتقال في المختبر. خاصة أن آليات عملية تفاعل البكتيريا ومشاركة الجينات في الأمعاء مازالت غير مفهومة بشكل كامل.
لكن المثير في هذه الدراسة أنها استخدمت مكملا غذائيا متاح بسهولة وغير مكلف وهو الزنك والذي قد يكون له دور فعال مستقبلا في معالجة مشكلة صحية كبرى تؤدي إلى وفاة المرضى من البشر وأيضا الحيوانات. مما جعل المؤلفة الرئيسية للدراسة دكتورة ميلاتا تقول أن الحل أحيانا قد يكون في استخدام الأشياء القديمة الموجودة بالفعل في خزانتنا.
.
مصادر:
– https://journals.asm.org/doi/10.1128/aem.01480-24
– https://www.eurekalert.org/news-releases/1060206
تواصل مع الكاتب: alsaudi86@gmail.com