في أربعينيات القرن الماضي استُخدمت مراقبة مياه الصرف الصحي لأول مرة لمراقبة مرض شلل الأطفال، وكانت أداة قوية وفعالة لمراقبة المرض. وخلال جائحة كوفيد-19، كان رصد فيروس سارس-كوف-2 في مياه الصرف الصحي مفيد جدا في التعرف المبكر على المرض بشكل أسرع من طرق المراقبة الطبية الأخرى. لدرجة أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية في الولايات المتحدة أنشأت نظام مراقبة مياه الصرف الصحي الوطني لدعم مراقبة فيروس سارس-كوف-2 في سبتمبر 2020.
وفي دراسة حديثة قام بها باحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا بالاشتراك مع وزارة الصحة في بنسلفانيا ونشرت في التاسع عشر من سبتمبر الماضي في مجلة علم الأحياء الدقيقة الطبية أظهر الباحثون أن مراقبة مياه الصرف الصحي المنزلية مفيدة أيضًا لمعرفة مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء. حيث تم اكتشاف بكتيريا السالمونيلا غير التيفية في عينات من محطتين لمعالجة مياه الصرف الصحي في وسط ولاية بنسلفانيا خلال شهر يونيو 2022.
ويقول د نكوشيا ميكاناثا كبير علماء الأوبئة في وزارة الصحة في ولاية بنسلفانيا وأحد باحثي الدراسة أن السالمونيلا غير التيفية سبب شائع لالتهاب المعدة والأمعاء في جميع أنحاء العالم، ولكن طرق المراقبة الحالية للمرض والتي تعتمد بشكل كبير على الإبلاغ عن العدوى على المتخصصين في الرعاية الصحية ليست مثالية، لذلك قاموا في هذا البحث بتقييم وسيلة مراقبة مياه الصرف الصحي للتعرف على هذا المسبب المرضي المنقول بالغذاء. كما يمكن لاختبار مياه الصرف الصحي الكشف عن آثار الأمراض المعدية الأخرى المنتشرة في المجتمع، حتى في الأفراد الذين لا تظهر عليهم أعراض، مما يوفر نظام إنذار مبكر للتفشي المحتمل قبل انتشار المرض. خاصة أن الحالات التي لا يتم اكتشافها ولا تظهر عليها أعراض قد تسبب انتشار وزيادة العدوى.
وبكتيريا السالمونيلا والتي تعيش في أمعاء الحيوانات والبشر وفي البراز تعتبر أحد مسببات الأمراض، حيث تسبب مايقارب من 1.35 مليون إصابة سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وتستدعي 26500 حالة منها دخول المستشفى، بينما تؤدي السالمونيلا إلى 420 حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة. وتحدث هذه العدوى في المقام الأول عن طريق الطعام الملوث.
كيف تعرف الباحثون على بكتيريا السالمونيلا في مياه الصرف الصحي؟
بعد جمع العينات من محطتين لمعالجة المياه في وسط ولاية بنسلفانيا تم التعرف على بكتيريا السالمونيلا ووصفها باستخدام تسلسل الجينوم الكامل، حيث تم التعرف على 43 سلالة من السالمونيلا وتم التمييز بينها عن طريق التحليل الجينومي، واكتشفوا أن مايقارب 20% من هذه السلالات يمثل نوعا نادرا من بكتيريا السالمونيلا يسمى سالمونيلا بايلدون. وهذه البكتيريا النادرة التي وجدت في مياه الصرف الصحي تم الإبلاغ عنها من قبل في أقل من 1% فقط من حالات الإصابة على مستوى الولايات المتحدة على مدى خمس سنوات. إلا أنها في هذه المرة كانت موجودة بنسبة كبيرة في مياه الصرف الصحي.
بعد ذلك قام الباحثون بمقارنة سالمونيلا بايلدون التي تم اكتشافها في المياه بتلك الموجودة لدى مرضى السالمونيلا الذين تم الإبلاغ عنهم في هذه الفترة في منطقة بنسلفانيا والموجودة بياناتهم في قاعدة بيانات الكشف عن تفشي المرض الوطنية. ووجدوا أن بكتيريا سالمونيلا يايلدون المعزولة من مياه الصرف الصحي لا تختلف عن تلك الموجودة في المرضى بعدوى السالمونيلا الذين تم الإبلاغ عنهم في هذه المنطقة، كما تم أخذ عزلة من بكتيريا السالمونيلا بايلدون من مريض في نفس المنطقة حيث كانت تمتلك نفس التركيبة الجينية لبكتيريا سالمونيلا بايلدون في مياه الصرف الصحي.
وتوضح هذه الدراسة كيف تتضافر جهود مؤسسات صحية عديدة للإبلاغ المبكر عن تفشي العدوى في المجتمع. مثل مختبرات وزارة الصحة BOL التي تقوم بالفحص الجيني لعزلات البكتيريا المجموعة من المصابين، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC ، وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، وكيف يتم التواصل إلكترونيا بين هذه المؤسسات بشكل مستمر، حيث يتم تصميم برامج وأنظمة إلكترونية للتواصل بين المؤسسات الصحية والإبلاغ عن تفشي الأمراض مما يحافظ على صحة المجتمع.
وتوضح هذه الدراسة أهمية مراقبة مياه الصرف الصحي كنظام إنذار مبكر لتفشي الأمراض المنقولة بالغذاء حتى قبل أن يبلغ الأطباء والمختبرات عن الحالات. مما يُمكن المسؤولين الصحيين من تتبع مصدر الطعام الملوث بسرعة ويقلل في النهاية من عدد الأشخاص المتضررين.
المراجع
– https://journals.asm.org/doi/10.1128/jcm.00825-24
– www.eurekalert.org/news-releases/1058772
– wwwnc.cdc.gov/travel/yellowbook/2024/infections-diseases/salmonellosis-nontyphoidal
– https://wonder.cdc.gov/nndss/static/2023/52/2023-52-table1122.html
تواصل مع الكاتب: alsaudi86@gmail.com