مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

تلوث الهواء القاتل الخفي

الكاتب

أ.د / عاصم عبد المنعم أحمد محمد

أستاذ إقتصاديات التغيرات المناخية

الوقت

08:18 مساءً

تاريخ النشر

20, أكتوبر 2024

يَفرض التعداد البشري المُتزايد ضغوطًا في غاية الخطورة على الطبيعة والبيئة العالمية المُشتركة، وللأسف فهي ضغوط مُتزايدة ليس فقط في الطريقة التي تُؤثر بها على المناخ العالمي ولكن أيضًا في استخدامنا للأرض والمياه والموارد غير المُتجددة، وانبعاثاتنا من آلاف المواد الكيميائية ذات التأثيرات السامة المُحتملة على البشر والنظم البيئية ومساهمتنا في المشاكل البيئية الإقليمية مثل الحموضة والتلوث الجوي الكيميائي والضوئي.

يَأتي تلوث الهواء من مصادر لا حصر لها ويُؤثر كثيرا على الفئات المهمشة والضعيفة بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن كما ويَتجاوز تأثيره الحدود بين البلدان مما يضر بالصحةِ العامة والاقتصاد والبيئة. ويُكلف تلوث الهواء الاقتصاد العالمي مبلغاً مُذهلًا يقدر بنحو 8.1 تريليون دولار أمريكي سنوياً أو ما يُعادل نحو6.1 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. يَتنفس نحو 99 % من سكان العالم هواءً ملوثًا مما يُؤدي إلى ما يُقدر بنحو 8 ملايين حالة وفاة مبكرة منهم نحو أكثر من 700 ألف طفل دون سن الخامسة طبقًا لمنظمة الصحة العالمية.

وتناول المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية بالولايات المتحدة الأمريكية تأثير تلوث الهواء على صحة الجميع، ولكن بعض الفئات قد تتضرر أكثر، حيث يتأثر ما يقرب من 9 من كل 10 أشخاص يعيشون في المناطق الحضرية في جميع أنحاء العالم بتلوث الهواء. وهو أمر لا يمكن تحمله بعد الآن. ويُعد تلوث الهواء أكبر خطر بيئي يهدد الصحة في عصرنا هذا كما أنه يُؤدي إلى تفاقم تغير المناخ ويسبب خسائر اقتصادية فادحة ويُقلل من الإنتاجية الزراعية.

وتُشير الأبحاث التي يمولها المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية إلى وجود فوارق عرقية أو اجتماعية واقتصادية في انبعاثات تلوث الهواء، حيث انخفضت انبعاثات تلوث الهواء على مدى العقود الماضية ولكن تختلف نسب الإنخفاضات حسب التركيبة السكانية، فالأشخاص الذين تَزيد دخولهم السنوية عن 70 ألف دولار يتمتعون بانخفاضات أكبر من الانبعاثات المرتبطة بالصناعة والطاقة والنقل والسكن والتجارة مقارنةً بالأشخاص ذوي الدخول المنخفضة.

العالم يحترق

يتم إطلاق الملايين من الأطنان من الكربون في الغلاف الجوي في مختلف أنحاء قارة أفريقيا وأميركا الجنوبية وجنوب آسيا في نهاية كل موسم حصاد حيث يَستخدم المزارعون طريقة الحرق التقليدية للتعامل مع مخلفات المحاصيل وإعداد الأرض للزراعة للمحصول الجديد، كما أن إزالة الغابات هى وسيلة أخرى لإيجاد أراضي زراعية جديدة أو مراعي جديدة وإشعال الحرائق هي أفضل وسيلة لذلك، ومن جهةٍ أخرى في البيئات الحضرية غير الرسمية (العشوائية) المُزدحمة التي لا تَتَوفر فيها خدمات التَخلص من النفايات العامة تَتَراكم جبال من القمامة دون وجود طريقة فعالة للتخلص منها (لإعادة تدويرها) سوى الحرق أو أنها تشتعل من تلقاء نفسها.

في العديد من الدول الصناعية مثل كندا أوضحت الأرقام الحكومية الرسمية لعام 2020  أن كمية التلوث بالجسيمات الدقيقة الناتجة عن حرق الأخشاب في المنازل (80 ألف طن متر سنويا) أكبر من تلك الناتجة عن قطاع النقل بأكمله في البلاد مجتمعًا (31 ألف طن مترى). وعلى نحو مماثل في المملكة المتحدة فإن كمية الجسيمات الدقيقة الملوثة الناتجة عن حرق الأخشاب أكبر من تلك الناتجة عن قطاع النقل، حيث أثبتت الدراسات أن الفئات التى تقوم بحرق الأخشاب في لندن هى فئات ذات دخل عالي ويَحرقون الخشب لخلق “شعور منزلي” بينما 8% من الأشخاص الذين يحرقون الخشب في لندن هو بدافع الضرورة والاستخدام اليومي. كما تُشير التقارير الحكومية إلى أنه في ولايتى نيويورك وكاليفورنيا المعروفتان بمناطقهما الحضرية وحركة المرور فيهما أن كمية الجسيمات PM2.5 الناتجة عن حرق الأخشاب في المنازل أكثر من تلك الناتجة عن قطاع النقل بأكمله في الولايتين.

 ملوثات الهواء

هناك العديد من أنواع مُلوثات الهواء الداخلي بما في ذلك العفن والأسبستوس (الأزرق والأبيض والبني) وأول أكسيد الكربون، ولكن عندما يَتناول الخبراء تلوث الهواء المنزلي فإنهم يَتناولون على وجهِ التحديد كل الملوثات التى تنشأ عن المواقد غير الفعالة والنيران المفتوحة (حرائق القمامة المكشوفة)، ومن بين أكثر هذه الملوثات ضررًا الجسيمات المجهرية من الأوساخ والغبار والدخان والسخام والكربون الأسود المعروفة باسم الجسيمات الدقيقة (Fine particulate matter). وتشمل المصادر البشرية المحتملة لمثل هذه التركيزات العالية من الجسيمات الدقيقة العالقة الطرق غير المعبدة، أعمال الهدم والبناء العشوائية، والأنشطة الصناعية الغير مرخصة والتي لا تلتزم بالاشتراطات البيئية والنفايات الصلبة.

 التأثيرات الصحية

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن دخان المساكن سيئة التهوية قد يحتوي على مستويات من الجسيمات الدقيقة أعلى 100 مرة من المعدل المقبول والآثار الصحية متعددة وكثيراً ما تكون منهكة بما في ذلك أمراض القلب التاجية والسكتة الدماغية والتهابات الجهاز التنفسي السفلي ومرض الانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة. والسبب الرئيسي وراء كل هذا هو الفقر فالذين يتأثرون بهذا الوضع يعيشون في الأغلب في منازل بدائية وكثيراً ما تكون بسيطة التهوية أو مُنعدمة التهوية. كما ويلعب غياب الكهرباء أو ندرتها دورًا كبيرًا أيضًا، فعلى سبيل المثال  في دولة ليبيريا لا يحصل سوى 11% من السكان على الطاقة الكهربائية من شبكة الكهرباء الحكومية، وهو الأمر الذى يضغط على استخدام الأخشاب والمخلفات في الإنارة وكل سبل المعيشة.

 الحلول

إن الاستثمار في الهواء النظيف ينقذ الأرواح ويُحارب تغير المناخ ويُعزز الاقتصادات ويبني مجتمعات أكثر عدالة ويُعزز أهداف التنمية المستدامة. ويَتطلب الاستثمار في الهواء النظيف اتخاذ إجراءات من جانب الحكومة والشركات على المستوى المحلي أو المستوى الدولي على حدٍ سواء للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وتَعزيز مراقبة جودة الهواء وإنفاذ معايير جودة الهواء وتَعزيز استخدام الطاقة المُتجددة والانتقال إلى الطهي النظيف وبناء أنظمة النقل المستدامة وإدارة النفايات المُستدامة والحد من الانبعاثات الضارة بما في ذلك غاز الميثان.

ومما لا شك فيه أن مساعدة الناس على كسر دائرة الفقر وبناء مساكن مناسبة والحصول على دخلٍ كاف لدفع تكلفة مصادر الوقود الأكثر صحة هو الحل الوحيد طويل الأمد لهذه المشكلة إلا أن هذا الحل سوف يستغرق كثيرا من الوقت من قبل الحكومات التى تُعاني من مشاكل اقتصادية والتي اختارت لنفسها شعار النمو الآن والهواء النظيف لاحقا، كما وتُعتبر المشاركة المجتمعية لاتباع نهج تعاوني يعمل على بناء القدرات  على كافة الأصعدة ولجميع الأطراف ذات الصلة لمعالجة المشاكل الصحية البيئية هو أمر لا مفر منه، ومن ثم الحصول على وطن آمن ونظيف يتمتع فيه أفراده بصحة جيدة.

وفي الختام يشكل تلوث الهواء هذا عبئا اقتصادياً كبيراً على المصريين، وتُشير تَقديرات البنك الدولى لعام 2021 أن التكلفة الاقتصادية السنوية للمواطنين الذين تَتَأثر صحتهم بتلوث الهواء في منطقة القاهرة الكبرى تُقدر بنحو 1.4% من الناتج المحلي الإجمالى لمصر.

المصادر

– Centre for Nature and Climate, Air pollution is a silent killer. Here’s how cities are tackling it.
www.who.int/health-topics/air-pollution#tab=tab_2
www.niehs.nih.gov/health/topics/agents/air-pollution

تواصل مع الكاتب: assem20000@yahoo.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
بلخيري ناجي
بلخيري ناجي
10/21/2024 2:59 مساءً

تحياتي، أشكركم على المقال المهم و الحيوي، كنت أرغب في معرفة مدى صحة المعلومة : رش غاز الكومتريل في الأجواء و تأثيره على الطقس.

عنوان التعليق
تساؤل
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x