في الآونة الأخيرة أصبحت الأمراض العصبية التنكسية المرتبطة بالشيخوخة مثل الخرف مصدر قلق متزايد في مجال الصحة العامة. خاصة مع زيادة أعداد المعمرين نتيجة توفر الرعاية الصحية الجيدة. ويعتبر مرض الزهايمر أهم الأسباب لحدوث الخرف، ويتميز الزهايمر بالتدهور المعرفي التدريجي الذي يتراكم لعقود وسنوات طويلة قبل التشخيص. ومع ندرة العلاجات الفعالة لمرض الزهايمر حاليا، فمن المهم التركيز على الجوانب والسلوكيات الصحية التي قد تبطئ التدهور المعرفي خلال العقود التي تسبق ظهور المرض.
ووفقا لدراسة حديثة نشرت في السابع والعشرين من يونيو الماضي في مجلة نيتشر فإن التدخين قد يكون من أهم أنماط الحياة التي تؤثر على سرعة تدهور المهارات الإدراكية مع التقدم في السن.
في هذه الدراسة تم تحليل بيانات 32 ألف شخص من 14 دولة أوروبية يتمتعون بصحة جيدة وتتراوح أعمارهم بين 50 و104 عامًا، وهؤلاء الأشخاص تم استطلاع آرائهم على مدى عشر سنوات. ويمثل عدد الأفراد الكبير وفترة المتابعة الطويلة إحدى نقاط القوة الرئيسية لهذه الدراسة. وكان الهدف من الدراسة فحص ارتباطات نمط الحياة بتدهور الذاكرة والطلاقة اللفظية.
وكانت الدراسات السابقة تستخدم أنماط حياة محدودة للكشف عن التدهور المعرفي، إلا أن هذه الدراسة استخدمت 16 نمط حياة. وإذا كانت هذه الدراسة قد شملت الأوروبيين فقط، فإن الفريق البحثي أوصى بأن تشمل الدراسات المستقبلية مجموعات من غير الأوربيين. كما يجب التنويه أن هذه الدراسة رصدية، وبالتالي لا يمكنها تحديد الأسباب والنتائج بشكل قاطع، ولكنها تشير إلى أن التدخين قد يكون عاملاً مهمًا يؤثر على معدل الشيخوخة المعرفية.
في هذه الدراسة درس الباحثون التأثير الإيجابي والسلبي لسلوكيات التدخين والنشاط البدني وشرب الكحول والاتصال الاجتماعي على معدلات التدهور الإدراكي بين كبار السن. وتم تقييم الوظيفة الإدراكية وفقًا لأداء المشاركين في اختبارات الذاكرة والطلاقة اللفظية. حيث تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات وفقًا لأنماط حياتهم، بناءً على ما إذا كانوا يدخنون أم لا، وما إذا كانوا يمارسون نشاطًا بدنيًا معتدلًا أو قويًا مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وما إذا كانوا يرون الأصدقاء والعائلة أسبوعيًا على الأقل، وما إذا كانوا يشربون أكثر أو أقل من مشروبين كحوليين يوميًا بالنسبة للرجال، أو مشروبًا واحدًا يوميًا بالنسبة للنساء. ووجد الباحثون أن التدهور المعرفي كان أسرع في أنماط الحياة التي شملت التدخين.
كما رصدت الدراسة التأثير السلبي لشرب الكحول المفرط على الصحة الإدراكية، والتأثير الإيجابي للنشاط البدني والاتصال الاجتماعي على الصحة الإدراكية.
وتوصلت الدراسة إلى أن الأفراد الذين يمارسون سلوكيات أكثر صحة يعانون من تدهور إدراكي أبطأ.
ورغم أن الدراسة رصدت أن المدخنين الذين اتبعوا أسلوب الحياة الصحي المتمثل في ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وعدم الإفراط في شرب الكحول، والمحافظة على التواصل الاجتماعي بانتظام، ساعدهم ذلك على تعويض التأثيرات المعرفية السلبية المرتبطة بالتدخين. إلا أن أضرار التدخين الأخرى المدمرة بخلاف التدهور المعرفي تجعل من التدخين خطرا جسيما تنصح منظمة الصحة العالمية بتجنبه تماما.
أضرار أخرى للتدخين
رغم أن هذه الدراسة ركزت على تأثير التدخين السلبي على التدهور المعرفي إلا أن هناك أضرارا أخرى مدمرة للتدخين. فوفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن التدخين يسبب وفاة نصف عدد المدخنين، حيث يسبب التدخين وفاة أكثر من 8 ملايين شخص كل عام، منهم حوالي 1.3 مليون لا يدخنون ولكنهم يتعرضون لما يسمى بالتدخين السلبي. والتدخين السلبي هو استنشاق غير المدخنين للدخان الذي يملأ المطاعم والمكاتب والمنازل أو غيرها من الأماكن المغلقة. ويسبب التدخين السلبي أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي الخطيرة، ومرض القلب التاجي وسرطان الرئة.
وتَعتبر منظمة الصحة العالمية وباء التدخين أحد أكبر التهديدات الصحية العامة التي واجهها العالم على الإطلاق. ويحتوي دخان التبغ على أكثر من 60 مادة كيميائية معروفة بأنها مسببة للسرطان وآلاف المواد الضارة الأخرى. ومن الأمراض التي يسببها التدخين سرطان الرئة وأمراض الرئة، وأنواع السرطان الأخرى. ويتسبب التدخين في وفاة 30٪ من الوفيات بالسرطان. كما يسبب التدخين مشكلات القلب والدورة الدموية. ويزيد التدخين من مقاومة الأنسولين، مما قد يسبب الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري. ويزيد التدخين من مشكلة العجز الجنسي عند الرجال وانخفاض الخصوبة لدى النساء.
ويؤثر التدخين سلبيا على من يعيشون حول المدخن. فيتعرض الأزواج غير المدخنين لمخاطر أعلى للإصابة بسرطان الرئة ومرض القلب بعكس الأشخاص الذين لا يعيشون مع أحد المدخنين. وأيضًا يُعرض الآباء المدخنون أطفالهم لزيادة مشاكل الربو والتهابات الأذن ونزلات البرد.
أما بالنسبة لهذه الدراسة التي ربطت بين التدخين والتدهور المعرفي فإن نتائجها تشير إلى أن الأفراد الذين يمارسون أنماط حياة أكثر صحة، يكون معدل التدهور الإدراكي لديهم أبطأ. وأن عدم التدخين من بين أهم السلوكيات الصحية التي تؤخر هذا التدهور المعرفي.
المصادر:
البريد الإلكتروني للكاتب: alsaudi86@gmail.com
التدخين يُغيّـر مِن جيناتِك ويُضاعف مِن مخاطر حدوث سرطان