مع أهمية الغذاء وضرورته لبقاء الإنسان والكائنات الحية، فإنه من الضروري تخزينه وتعبئته بطرق جيدة للحفاظ على خصائصه وجودته ومنعه من التلف. فمثلا في الدول المتقدمة قد تتعرض 20-25٪ من المنتجات الزراعية للفساد بعد الحصاد بسبب العدوى الميكروبية، إلا أن هذه النسبة أكبر في البلدان النامية بسبب تدهور البنية التحتية للنقل وقلة مرافق التخزين.
ويستخدم تغليف الأغذية كوسيلة للحفاظ على الأغذية من الفساد والتلف والحد من هدر الغذاء، وظهرت الأغشية والطلاءات النباتية الصالحة للأكل كبدائل صحية مستدامة وواعدة لتغليف الأغذية، وتهتم الأبحاث العلمية الحديثة بهذه الأغشية والطلاءات وتحاول تطويرها. ويتم ترسيب هذه الطلاءات على سطح المنتجات الغذائية حيث تعمل كطبقة عازلة وحافظة يمكن تناولها مع الغذاء. وهذه الطلاءات النباتية عبارة عن عديدات سكاريد وبروتينات ودهون نباتية.
في دراسة حديثة نشرت في الرابع والعشرين من يوليو الماضي في مجلة تكنولوجيا الغذاء المستدامة وقام بها فريق من الباحثين من جامعات هندية، تم استعراض التطبيقات المختلفة للمواد النباتية كطلاءات للمنتجات الطازجة واللحوم ومنتجات الألبان ومنتجات المخابز. كما ناقش الباحثون التحديات والفرص المرتبطة بتوسيع إنتاج هذه الطلاءات وقبول المستهلك لها.
ورغم أن المواد التقليدية المستخدمة لتعبئة وتغليف الأغذية مثل الزجاج والمعادن والورق والبلاستيك والبوليمرات المغلفة قد يكون لها بعض المزايا إلا أن لها أيضا كثير من العيوب. فمثلا الحاويات البلاستيكية المصنوعة من المشتقات البترولية لها خطورتها على البيئة، وأثناء حرق هذه الحاويات تنطلق منها مواد كيميائية تساهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري واستنفاد الأوزون.
هذه الأضرار تشجع المستهلكين على استهلاك الأغذية ذات التغليف النباتي، حيث ارتفع استهلاكها من عام 2017 إلى عام 2023 بنسبة 6.81٪ خاصة أن الطلاءات النباتية صديقة للبيئة. كما أن الباحثين قاموا بصنع طلاءات صالحة للأكل لها خصائص محسنة مشابهة للمواد الصناعية، مثل الشفافية وخفة الوزن والنعومة ومقاومة الماء والقوة الميكانيكية. ويمكن للطلاءات الصالحة للأكل أن تساعد في إطالة العمر الافتراضي للمنتجات الطازجة من خلال العمل كحاجز لتقليل الرطوبة ومنع تسرب المواد المذابة وتقليل تبادل الغازات والتنفس ومعدلات التفاعل التأكسدي. كما تمنع التفاعلات الأنزيمية المفسدة لبعض الأغذية.
وفي الفواكه والخضروات تعمل الأفلام أو الطلاءات الصالحة للأكل كطبقة حاجزة إضافية فوق الثغور مما يقلل من نتحها ويساهم في تقليل فقدان وزنها. وكذلك في حالة المنتجات الحيوانية، تعمل الأفلام والطلاءات كحاجز إضافي فوق السطح وتساعد في تقليل فقدان الوزن.
ما المواد والتقنيات المستخدمة لصناعة الطلاءات النباتية؟
وتُصنع المواد المستخدمة في التغليف الصالح للأكل من النباتات أو الحيوانات أو الكائنات الحية الدقيقة أو البوليمرات الحيوية المشتقة من الأطعمة مثل البروتينات والدهون والسكريات. ومن المصادر النباتية التي يتم منها اشتقاق هذه الطلاءات الفواكه والجذور والمحاصيل التقليدية، وأيضا يمكن استخدام الحبوب الكاملة ودقيق البقوليات ذات المحتوى العالي من النشا لإنشاء مثل هذه الأغشية. ويتم تحويل المواد الصالحة للأكل إلى طلاءات يمكن ترسيبها على سطح المنتجات الغذائية عبر التقنيات الحديثة الناشئة.
وبما أن هذه الطلاءات المعتمدة على البوليمرات الحيوية النباتية قابلة للتحلل البيولوجي وإعادة التدوير فمن الممكن أن يكون لها استخدامات عدة. ويمكن تعزيز دور هذه الطلاءات عن طريق إضافة مضادات الميكروبات ومضادات الأكسدة التي تساعد في حفظ الأغذية، وإضافة المركبات النشطة بيولوجيًا. كما يمكن إضافة ملدنات وزيوت آمنة صحيا لتعزيز مرونة هذه الأغشية وخصائصها الميكانيكية والحاجزة. أيضا استخدمت بنجاح الجسيمات النانوية لتحسين خصائص الأغشية النباتية وعمرها الافتراضي، وأيضا الأغشية متعددة الطبقات.
وهذه المكونات المضافة للأغشية والطلاءات النباتية لها أهمية كبيرة حيث أن هذه الأغشية لا تستطيع وحدها تقديم جميع الخصائص الحاجزة والحافظة المطلوبة. ولاختيار نوع أغلفة وطلاءات نباتية متوافقة ومناسبة لكل غذاء يتم اختبار واستكشاف مواد نباتية مختلفة. وأيضا تتم دراسة خصائص الغذاء نفسه الذي سيتم تغليفه.
ماهي عقبات استخدام هذه التكنولوجيا؟
ورغم فوائد هذه التكنولوجيا الجديدة، إلا أن هناك بعض العقبات التي قد تمنعها من أن تصبح مجدية تجارياً. مما يدعو إلى المزيد من الأبحاث للتغلب على هذه العقبات.
من هذه العقبات أن هذه الطلاءات غالباً ما تكون ذات نكهة ولون غير جذابين، وبالتالي يصبح المنتج الغذائي غير مستساغ. أيضا هذه المركبات المشتقة من مصادر طبيعية غالباً ما تكون مكلفة، مما يمثل صعوبة في تسويقها. كما أن هذه التكلفة الإضافية قد لا تكون مبررة لبعض الأطعمة. خاصة أن بعض الأغذية تستخدم طلاءات مركبة يستخدم فيها أكثر من نوع من البوليمرات والتقنيات. وأيضا من المهم تلافي عيوب بعض التقنيات ومعالجتها، فمثلا طريقة الطلاء المستخدمة للطماطم هي الغمس، ولكنها لا تحقق سمك طلاء ثابت بالنسبة لجميع مساحة سطح الطماطم. ويمكن معالجة هذه العيوب باستخدام التكنولوجيا المتقدمة.
ويظل التحدي الرئيسي الذي يواجه الطلاءات النباتية هو قبول المستهلك، حيث أن المستهلك يهتم عند الشراء بنوع مادة الطلاءات، وسلامة المنتج وقيمته الغذائية، وخصائصه الحسية كالنضارة والملمس، ومدة صلاحية المنتجات الغذائية، وسعرها بعد التعبأة. وفي أحد الدراسات تم رصد رفض المستهلكين الأستراليين للتفاح المطلي بمواد نباتية صالحة للأكل، حيث أن المستهلكين كانوا يفتقرون إلى فهم أهمية طلاء الطعام وفوائده. لذلك ينصح بإضافة معلومات حول الطلاء المستخدم ومكوناته على الملصق الذي يحتوي معلومات المنتج الغذائي، وذلك قد يقلل من توجس المستهلك ويزيد من قبوله للمنتج.
إن مجال الأغشية والطلاءات النباتية الصالحة للأكل مجال واعد وله فوائد عدة. وتم الاستفادة من التطورات الأخيرة في علوم المواد من أجل تطوير هذا المجال البديل للتغليف التقليدي. ولكن أيضا لاتزال هناك تحديات يجب التغلب عليها، وتقنيات تحتاج إلى مزيد من الأبحاث لتطويرها وتطوير خصائص الطلاءات، مما يمهد لنظام غذائي أكثر صحة وحفاظا على البيئة، ويعزز جودة الغذاء وسلامته وجاذبيته.
المصدر:
https://pubs.rsc.org/en/content/articlelanding/2024/fb/d4fb00110a
.
البريد الإلكتروني: alsaudi86@gmail.com
