تُظهر نتائج دراسة مراجعة منهجية جديدة نُشرت مؤخرا في دورية (eClinicalMedicine) أن ما يقدر بنحو 0.5% من السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مصابون بمرض الزهري، وهو عدوى منقولة جنسيا يمكن علاجها. ورغم التراجع المستمر في معدل الإصابة بهذا المرض، فإن نسبة الإصابة بهذا المرض ما زالت مرتفعة نسبيا لدى بعض الفئات في بلدان المنطقة.
مرض الزهري، هو أحد أقدم الأمراض المعروفة عبر التاريخ، تُسببه بكتيريا “اللولبية الشاحبة ” ( Treponema pallidum)، يمكن علاجه بسهولة بالمضادات الحيوية، لكنه غالبا ما يكون دون أعراض في المراحل الأولى من الإصابة به. وإذا تُرك هذا المرض المنقول جنسيا دون علاج، فقد يتطور خلال مراحل متعددة، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة مثل تلف القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي. يمكن أن ينتقل مرض الزهري أيضا من المرأة الحامل إلى طفلها أثناء الحمل أو الولادة، مما يؤدي إلى ما يُعرف بمرض الزهري الخلقي. هذه الحالة شديدة الخطورة على المواليد والأجنة وغالبًا ما تهدد حياتهم، مع إمكانية التسبب في الولادة المبكرة أو وفاة الأجنة وحديثي الولادة أو حدوث تشوهات جسدية وعصبية مختلفة لدى الأطفال حديثي الولادة. ويعتبر الفحص الروتيني والعلاج في الوقت المناسب، وخاصة بالنسبة للنساء الحوامل، أمران حاسمان لمنع هذه النتائج السلبية والحد من العبء الإجمالي للمرض.
تُقدر منظمة الصحة العالمية معدل الإصابة السنوي العالمي بمرض الزهري بنحو 7.1 مليون حالة في عام 2020، ويحدث معظمها في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وقد شهد العالم تراجعا كبيرا في انتشار مرض الزهري في تسعينيات القرن العشرين، بفضل نجاح إدارة الأمراض المنقولة جنسياً على المستوى العالمي، وكذلك لانخفاض السلوكيات المحفوفة بالمخاطر الناجمة عن جائحة فيروس نقص المناعة البشرية، والوفيات المرتبطة به. لكن مرض الزهري ظل متوطنًا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وقد حدد أحد أهداف استراتيجية قطاع الصحة العالمي لمنظمة الصحة العالمية بشأن الأمراض المنقولة جنسياً، تحقيق انخفاض بنسبة 90٪ في عدد حالات الزهري الجديدة بحلول عام 2030 وخفض معدل الإصابة بالزهري الخلقي إلى أقل من 50 حالة لكل 100 ألف ولادة حية بحلول عام 2030.
قدمت الدراسة الجديدة، التي أجراها باحثون في الجامعة الأمريكية في بيروت وكلية طب وايل كورنيل في قطر، أول وصف تفصيلي لانتشار وباء الزهري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالاستناد إلى تحليل دقيق لـ 643 دراسة، شملت ما يقرب من 38 مليون اختبار للزهري أجريت في 24 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أظهرت نتائج الدراسة أن معدل انتشار الإصابة بالزهري بين عامة السكان في المنطقة يبلغ 0.5%. ولئن كانت هذه النسبة قريبة جدا من نسبة انتشار هذا المرض على المستوى العالمي، فإن الدكتورة مريم الجمل المؤلفة الأولى للدراسة والباحثة بكلية العلوم الصحية في الجامعة الأمريكية في بيروت ترى في تصريح أورده بيان نشر على موقع الجامعة، أن معدل انتشار عدوى الزهري يُعتبر “أعلى من المتوقع بالنظر إلى المعايير المحافظة جنسياً في المنطقة”. ولاحظت الباحثة أن ” الانتشار لم يكن هو نفسه في جميع المناطق الفرعية، مما يسلط الضوء على الاختلافات الجغرافية الكبيرة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”
وبحسب المؤلفين فإن هذا المستوى من الانتشار يمكن أن يعزى جزئيًا إلى عدم كفاية الوصول إلى خدمات تشخيص الأمراض المنقولة جنسياً وعلاجها في المنطقة، خاصة أن نسبة كبيرة من حالات الإصابة بالزهري لا تظهر عليها أعراض وبالتالي لا يتم اختبارها أو علاجها في الوقت المناسب. كما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه نقصا في قدرتها على تنفيذ برامج الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا وعلاجها. ومن شأن الفحص المحدود أن يؤدي إلى ظهور عدد كبير من الإصابات غير المشخصة، والتي إذا تركت دون علاج فإنها تستمر لفترة طويلة، مما يزيد من احتمالات انتقال العدوى بين السكان.
أظهرت النتائج أيضا أن مرض الزهري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان أكثر انتشارا لدى الرجال منه لدى النساء، كما سجلت مستويات إصابة أعلى بين الفئات السكانية الأكثر عرضة للخطر التي تشمل الفئات الممارسة للشذوذ، على غرار الأنماط التي لوحظت في الأمراض المنقولة جنسياً الأخرى. وعلى العكس من ذلك، كان معدل انتشار مرض الزهري هو الأدنى بين المتبرعين بالدم، كما هو متوقع بسبب بروتوكولات اختيار المتبرعين وأنظمة سلامة الدم.
أشارت التحليلات إلى وجود اتجاه نحو انخفاض انتشار مرض الزهري بين عامة السكان في المنطقة بنسبة 3%. “ورغم أن هذا المعدل للانخفاض على المسار الصحيح”، كما يقول الدكتور ليث أبو رداد المؤلف المشارك، وأستاذ علوم الصحة السكانية في وايل كورنيل للطب في قطر، في تصريح أورده البيان المشار إليه، فإنه “غير كافٍ لتحقيق أهداف استراتيجية قطاع الصحة العالمية التي حددتها منظمة الصحة العالمية لعام 2030”. ويتطلب خفض حالات الإصابة بالزهري بنسبة 90% بحلول نهاية العقد الحالي، تحقيق معدل انخفاض سنوي لا يقل عن 17% ..
وبحسب المؤلفين فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلى استجابة قوية للصحة العامة تركز على تعزيز اختبار النساء الحوامل والمجموعات المعرضة للخطر الأخرى لمنع انتقال مرض الزهري والحد من تأثيره على السكان.
المصادر
.
البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com