منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرضت جميع الجامعات في القطاع المحاصر للضرر أو الدمار، في جريمة وصفت بكونها إبادة جماعية مستمرة استهدفت قتل المدنيين وتهجيرهم واغتيال الأساتذة والعلماء والباحثين، مما أدى إلى حرمان الطلاب في غزة من حقهم في مواصلة الدراسة مثل أقرانهم حول العالم.
وللحد من آثار هذه الحرب على منظومة التعليم في القطاع، أطلق باحث تونسي في المهجر بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية وإنسانية وأممية مبادرة تهدف إلى توفير آلاف الاشتراكات المجانية على منصات التعليم عن بعد العالمية لفائدة أساتذة الجامعات والطلبة في غزة.
يقود المبادرة الدكتور عماد الرمضاني الأستاذ المشارك في جامعة أدنبرة نايبر الأسكتلندية بالتعاون مع مؤسسة سكوت إيد الخيرية الأسكتلندية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويشارك فيها البروفيسور الفلسطيني عدنان ابراهيم الهندي العميد السابق لكلية العلوم الصحية في الجامعة الإسلامية بغزة. وستمكن المبادرة المستفيدين من مواصلة تعليمهم العالي والحصول على شهادات من مؤسسات علمية دولية مرموقة.
تعرضت كل الجامعات الاثنتي عشرة في غزة للقصف ودُمرت كليًا أو جزئيًا. وفي الأثناء قُتل ما لا يقل عن 95 أستاذًا جامعيًا، منهم 68 حاصلين على درجة الأستاذية، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
وفقًا للأمم المتحدة، فقد دُمر أو تضرر 80% من المدارس في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وهذ يعادل ما دمر من المدارس ، مع استمرار التدمير المنهجي للتعليم الفلسطيني منذ النكبة. وقال الخبراء إن “الهجمات المستمرة والقاسية على البنية التحتية التعليمية في غزة لها تأثير مدمر طويل الأمد على الحقوق الأساسية للناس في التعلم والتعبير عن أنفسهم بحرية، مما يحرم جيلاً آخر من الفلسطينيين من مستقبلهم”.
وتشير التقديرات إلى أن الحرب فوتت على ما يقرب من 80 ألف طالب عامهم الدراسي، وقد تستغرق إعادة بناء منظومة التعليم ومؤسساتها من جديد عدة سنوات.
اختار القائمون على المبادرة الجديدة التي تدعمها مجموعة من الخبرات العربية الأكاديمية، حلا يُمكّن الطلبة والأساتذة في غزة من العودة سريعا إلى الفصول الدراسية وإن كان ذلك افتراضيا وبصورة تدريجية، من خلال توفير اشتراكات مجانية على ثلاثة من أكبر منصات التعليم عن بعد في العالم هي EDX و Coursera و DataCamp، وستتيح متابعة دورات معتمدة والحصول على شهادات مهنية والبكالوريوس والماجستير في مجموعة من التخصصات المختلفة.
يقول الدكتور عماد الرمضاني الذي يقود المبادرة، في حديث خاص مع موقع منظمة المجتمع العلمي العربي، “إن واجبنا كأكاديميين في المهجر، وفي ظل الاستهداف الممنهج لكل منبر للعلم والمعرفة في غزة، تقديم يد المساعدة لإخوتنا في غزة لمنحهم فرصة لمواصلة دراستهم”.
الإعداد للمبادرة انطلق، وفق الرمضاني، منذ شهر فبراير الماضي باتصاله بمنظمة الأمم المتحدة UNDP للمساعدة في شراء اشتراكات على منصات التعليم عن بعد مثل EDX و Coursera لفائدة الطلبة والأساتذة الجامعيين في غزة، ثم عرض الفكرة على البروفيسور الفلسطيني عدنان ابراهيم الهندي وعلى منظمة SCOT AID التي وافقت على تبني المبادرة وتوفير المظلة القانونية لها.
وتهدف المبادرة في مرحلة أولى، إلى توفير 5000 اشتراك تُمكن حوالي 20 ألف طالب من غزة من الوصول إلى عدد غير محدود من الدورات على المنصات الثلاث.
بالتوازي مع ذلك خاض الدكتور الرمضاني سلسلة من المفاوضات مع هذه المنصات لتخفيض ثمن الاشتراكات. وقد وافقت منصة إدكس التابعة لجامعتي هارفارد و MIT على سبيل المثال، على تخفيض ثمن الاشتراك من 349 دولارا إلى 90 دولارا فقط مع امكانية تدوير اشتراك واحد بين أكثر من مستخدم خلال العام. “نحن ملتزمون بتوفير ما لا يقل عن ثلاثة أشهر من الوصول المجاني للدورات المفتوحة على أحد هذه المنصات لكل طالب مسجل من غزة”، كما يقول الدكتور الرمضاني.
في نفس الوقت يعمل القائمون على المبادرة على جمع التبرعات (عبر أحد منصات التبرع المعروفة) لسداد معاليم الاشتراكات. “وقد مكنت هذه التبرعات إلى حد الآن من جمع 4 آلاف اشتراك ونتوقع الوصول إلى 5 آلاف في المستقبل القريب، ويمكن كل اشتراك من الوصول إلى أكثر من 3000 من الدروس على كل منصة” كما يقول الباحث التونسي المقيم في اسكتلندا، الذي أشار إلى أنه “يمكن مضاعفة عدد الاشتراكات إذا توفر الدعم المادي” مضيفا أن “الفكرة هي تدوير الاشتراكات بين المستخدمين كل ثلاثة أشهر أي أن الاشتراك الواحد يمكن أن يستفيد منه أربعة أشخاص خلال السنة الواحدة”.
بالتوازي مع ذلك قام الدكتور الرمضاني بالتعاون مع البروفيسور الهندي بالاتصال بمجموعة كبيرة من الأساتذة في غزة لوضع الإطار العملي للمبادرة ووضع استمارة لاستقبال الترشحات، وقد انطلق المنظمون فعليا في توزيع الاشتراكات تحت اشراف منظمة SCOT AID.
دعا الرمضاني في ختام حديثه “كل من يمكنه تقديم العون إلى عدم الاكتفاء بالمشاهدة والمساهمة في تقديم يد المساعدة لإخوتنا في غزة في هذا الظرف العصيب” مضيفا أن “كل تبرع يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في دعم هؤلاء الطلاب لتحقيق أحلامهم الأكاديمية”.
يذكر أن الدكتور عماد الرمضاني هو أكاديمي وباحث تونسي في مجال الشبكات المعلوماتية قاد سابقا مبادرات عديدة لدعم الطلبة العرب في المشاركة في المسابقات العلمية الدولية إلى جانب مبادرة مكنت 30 طبيبا فلسطينيا من غزة من الحصول على شهاداتهم بعد متابعة دروس على منصات التعليم عن بعد العالمية.
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com